نقل الفقراء: معاناة يومية مع الاكتظاظ وخدمة رديئة

19 اغسطس 2015
+ الخط -
عبر 85% من المشاركين في استطلاع للرأي، أجراه ملحق "الاقتصاد الجديد"، عن عدم رضاهم عن وسائل النقل في دولهم، ومن بين ما أوردوه، غلاء تكاليف المواصلات اليومية التي يستعملونها، مما يضطر العديد من المواطنين إلى اللجوء لوسائل أقل كلفة. أضف لذلك عدم قدرة الأسر على شراء سيارة لتأمين تنقلها داخل وخارج المدن، وذلك ما أظهره استطلاع آخر للملحق قال فيه 64% من المتفاعلين معه "إن شراء سيارة في الدول العربية حلم صعب المنال".

وترتبط المواصلات اليومية عند السودانيين بـ "الركشة"، وهي عبارة عن دراجة نارية بثلاث عجلات، تستطيع نقل ثلاثة أشخاص، وتوفر الربط بين أحياء المدن السودانية بأقل تسعيرة. أما في مصر فيظل "التوك توك" وسيلة النقل البارزة في حياة الفقراء، خاصة داخل المناطق الشعبية، حيث لا تتجاوز تسعيرة نقل عبره في المتوسط 38 سنتاً. وبالنسبة لفلسطين المحتلة، يعود المواطنون مع كل حصار للاحتلال إلى وسائل النقل التي تجرها الدواب، حيث يعمد الراغبون في التنقل بين الأحياء إلى التنقل عبر طرق فرعية لتجنب الحواجز لقاء 3 دولارات عن توصيلة 200 متر تقريباً.

اقرأ أيضا: الزحمة وضعف المواصلات يخنقان الشارع العربي

ويتقاسم المواطنون في مجموعة من الدول العربية المعاناة اليومية مع وسائل النقل العامة، التي تعد الملاذ الوحيد للتنقل إلى مقار العمل والسفر بين المدن. وتعد حافلات النقل العمومي وسيارات الأجرة الكبيرة عنوان الازدحام والقهر والمعاناة اليومية، نظراً لضعف الخدمات التي تقدمها، وتهالكها بسبب عدم تجديد الأسطول رغم الأرباح التي تجنيها الشركات.

في الجزائر، يدفع المواطن مقابل تذكرة سفر داخل الولاية ما بين 2 و3 سنتات لركوب الحافلة، أما خارج الولاية فيرتفع السعر إلى ما بين 50 سنتاً ودولار للتذكرة الواحدة، أما في الأردن فتذكرة ركوب الحافلة تصل إلى 4 دولارات إن كانت المسافة أقل من 40 كيلومتراً وترتفع التسعيرة كلما زادت المسافة. ويدفع المواطن في المغرب لقاء تذاكر الرحلة عبر الحافلة ما بين 5 و7 سنتات، وفي المغرب كذلك، لا تزال بعض المدن تحتفظ بوسائل نقل تجرها الدواب، حتى داخل أكبر المدن المغربية، مثل العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، التي يلجأ فيها المواطنون في بعض الأحياء إلى "الكرويلة" أو "الكوتشي" (عربات تجرها الأحصنة والبغال) مقابل سِنْتَيْنِ للرحلة.

اقرأ أيضا: محاربة الركشة: الحكومة السودانية تغصّ بوسيلة تنقل الفقراء

وتظهر عملية جرد مصاريف المواطنين العرب في مختلف الدول، أجرته "العربي الجديد"، أن مصاريف النقل الشهرية في المتوسط تكلف أسرة عربية من ثلاثة أفراد 240 دولاراً، وذلك باستعمال وسائل النقل العامة، باحتساب رحلتين في اليوم فقط خلال 20 يوماً في الشهر. وتؤكد الحصيلة أن وسائل النقل تلتهم جزءاً كبيراً من راتب المواطن العربي، مما يضطره لاختيار أرخصها وإن على حساب وقته وصحته.

ويوضح الخبير الاقتصادي التونسي، مراد الحطاب، أن أرقام معاهد الإحصاءات العربية تشير إلى تخصيص الأسرة العربية لما بين 9 و11% من دخلها في المتوسط للنقل، وهي نسبة من وجهة نظره مكلفة فعلاً.

ويقدم في تصريحه لـ "العربي الجديد" المثال بواقع النقل في تونس، والذي يرى أنه مشابه إلى حد كبير لواقع القطاع في عدد من الدول العربية، حيث أن النقل، سواء الحضري أو الريفي، في تونس متردٍّ جداً، ويسجل سنوياً خسائر مالية تتجاوز 700 مليون دولار، بل هناك شركات، يضيف المتحدث ذاته، تشتغل بسيولة تلامس الـ 0%، وتستمر في العمل بسبب إعالة الدولة لها، ما دفع هذه الأخيرة للتفكير أخيراً في خصخصة القطاع عبر إشراك القطاع الخاص بمشاريع النقل لا بيعه بشكل كلي.

اقرأ أيضا: شراء سيارة: حلم لم يتحقق

ويشدد الحطاب على أن مشكل قطاع النقل الذي تلجأ إليه الأسر الفقيرة في الدول العربية، وانطلاقاً من معاينته نماذج في مجموعة من الدول العربية، سببه الاستمرار في الاعتماد على أسطول عمره ما بين 15 و20 عاماً، والمشكل الأساسي، حسب الخبير الاقتصادي التونسي، هو غياب مفهوم "اقتصاد النقل" في الدول العربية.

ويربط عضو الاتحاد العالمي لنقابات النقل، عبد العالي خافي، بين الظروف التي يعيشها العاملون في القطاع، ونوعية الخدمات التي تقدمها مختلف وسائل النقل، خاصة التي تستعملها الأسر العربية الفقيرة.

ويشدد عبد العالي خافي، في حديثه مع "العربي الجديد"، على أن الواقع المتأزم لمختلف قطاعات النقل في الدول العربية يعد مسؤولية مشتركة بين الحكومات والمستثمرين فيه، حيث أن سوء التسيير والتدبير يعدان مشاهد يومية يعاني منها المواطن العربي، خاصة الاكتظاظ وتهالك وسائل النقل، بالإضافة إلى الاستمرار في الاعتماد على وسائل نقل قديمة جداً.

ويشير عضو الاتحاد العالمي لنقابات النقل إلى غياب التنسيق عربياً بين النقابيين وأرباب النقل على غرار باقي القطاعات العربية المهنية، مما يحجب إمكانية تبادل الخبرات، والضغط لتحسين ظروف العاملين في القطاع، حتى ينعكس ذلك بشكل جيد على الخدمات المقدمة، وللضغط بالدرجة الأولى على محاربة الريع في منح الرخص الذي تتقاسمه جل الدول العربية.
المساهمون