انتهاك العدالة بالقانون

24 يونيو 2015
القوانين العربية تخدم مصالح من يضعها (Getty)
+ الخط -
يتبنى البعض مفهوماً مقدساً حول القانون. تدعوك السلطة ونخبها إلى احترام أحكام القضاء. ليس المطلوب منك سوى الموافقة والتبجيل دون النظر إلى مضمون القانون ومعرفه من أقره ولصالح من. يصورون لك أن القوانين منفصلة عن مصالح من وضعها، ومجردة ونزيهة وتضمن المساواة، وبالتبعية القضاء مستقل وشامخ. يرسخون وهم استقلال القضاء وكأنه منعزل عن الصراع الاقتصادي والاجتماعي الذي يتمظهر في ممارسات سياسية وتشريعات تعبّر عمّن يصدرها.

قد يكون القانون معبّراً عن الشعب، لكن ذلك يستدعي أن يجسّد القانون إرادة الناس واختيارهم الحر. أي أن يشرع الناس لأنفسهم، وهذا لا يتم إلا عبر تحقق آليات الديمقراطية والمشاركة الشعبية التي هي أكبر من مجرد انتخابات رئاسية أو برلمانية كل أربع سنوات، حين يمارس الناس حقهم في التعبير والتنظيم وتكوين الروابط والنقابات وكافة الأشكال المدافعة عن حقوقهم. عندها فقط يمكن أن نقول إن التشريعات التي تصدر أقرب للتعبير عن إرادة أغلبية الشعب، أما في ظل إغلاق المجال العام وتحكّم فئة طبقية محدودة في إصدار التشريعات، تصبح تلك القوانين انعكاساً لمصالحها الضيقه بالتاكيد، لأن الشعب لا يشارك في صياغتها.

اقرأ أيضا: وزير العدل وعشيرته وقبيلة الحكم

تتجلى العلاقة الوثيقة بين مصالح الطبقات الغنية بالحكم عن طريق إقرار تشريعات تخدم مصالحهم الاقتصادية. وفي حالة صدور تشريعات من أجل إصلاح الخلل، تظهر الطبقة المسيطرة شراستها مستخدمة كل الوسائل الممكنة، ومنها التقاضي. برزت تلك الحالة في عدد من الوقائع، كان منها إلغاء مراسيم القوانين التي مسّت مصالح مستثمرين. تلك الفئات التي عاشت سنوات تستحوذ على نسبة كبيرة من موارد الموازنة العامة، حيث ظل هؤلاء يتقاضون أجوراً عالية ومكافآت، ناهيك عن حجم الامتيازات. تتنوع تلك الفئات في انتماءاتها، لكنها تمثل كتلة واحدة وحائط صد منيع ضد المساس بمصالحها.

لا تريد قوى البيروقراطية أن تتنازل عمّا كانت تتقاضاه. هذه الفئات أزعجتها المطالبة بإعادة توزيع الدخل وتحسين أجور العاملين المفقرين والحد من النهب الذي يمارس عبر منح أجور ضخمة لتلك الفئات. ورغم أن نضال الحركة الاجتماعية المصرية، كان يرفع شعار "عدالة الأجور" عبر تطبيق حد أقصى وأدنى للأجر، إلا أن الواقع يشير أن الشعار ما زال شعاراً، ولم يتحقق بعد، ورغم أن السلطة أقرت في 2014 قانون تطبيق الحد الأقصى للأجر، إلا أن الكثير من المؤسسات لم تطبقه. تشتكي الدولة من الأزمة الاقتصادية مع كل إقرار للموازنه العامة، حيث تعلن الدولة أن بند الأجور يقارب الثلث وهو سبب أزمة الموازنة، لكن السلطة لا توضح من يلتهم هذا البند. هل العمال الذين يتقاضى جزء كبير منهم أقل من الحد الأدنى للأجر (أقل من 200 دولار)؟ أم الفئات العليا من البيروقراطية هي من تستحوذ على بند الأجور؟

اقرأ أيضا: مصر تطبق مقولة "ابن القاضي قاضي"

فرضت الأزمة الاقتصادية على السلطة ان تقر الحد الأقصى للأجور خلال العام الماضي والذي قدّر بنحو 6000 دولار، فما كان من فئات البيروقراطية، إلا التصدي لهذا القرار تحت مبررات عديدة. أشاعت تلك الفئات أن تطبيق الحد الأقصى للأجور سوف يُفقد المؤسسات المصرية خبرات وكفاءات ويجعلها تهرب للخارج، لكن الواقع أثبت أن تلك الكفاءات المزعومة بقيت، لكنها لم تصمت على القرار أو ترضى بتنفيذه، حيث حاربت من أجل أن تحفظ مستوى دخلها، أو دعنا نقول مستوى نهبها للأموال تحت مسمى الأجور. ضغط بعضها لخلق استثناءات من تنفيذ قرار الحد الأقصى للأجر ونجحوا بالفعل تحت دعوى أن القرار ينفذ على العاملين في الجهاز الإداري للدولة فقط، ساهم تراجع الحراك الشعبي، وبقي قرار الحد الأقصى للأجر مجرد حبر على ورق، لكن تلك الفئات يزعجها أن يظل هناك تشريع يهددها، فقامت فئة منهم برفع دعوى قضائية تطالب بإلغاء قرار رئيس مجلس الوزراء بتطبيق القانون رقم 63 لسنة 2014، وبالفعل صدر الحكم بإلغاء القرار، وبهذا القرار سوف تعود قضية عدالة الأجور مرة أخرى كمعضلة تحتاج إلى حلول.
(باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية - جامعة القاهرة)
دلالات
المساهمون