التسلّح في سورية يغيّر النمط الاستهلاكي للأسر

02 يونيو 2015
انتشار الأسلحة في سورية (Getty)
+ الخط -
مع اشتداد وطأة المعارك في سورية، وصل الطلب على السلاح والذخائر إلى مستويات قياسية، ‏وانتهى احتكار النظام السوري والعناصر المرتبطة به لهذه التجارة، فبرز تجّار السلاح الذين حققوا أرباحاً خيالية. ‏هناك سوقان لتجارة الأسلحة في سورية. السوق الرسمية، ومن خلالها استورد النظام أطناناً من الأسلحة قبل اندلاع الثورة وفي أثنائها.

التسلح على حساب التنمية
ويشير الخبير الاقتصادي الدكتور محمد السلمان، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "تخصيص كميات هائلة من الموارد ‏المالية لشراء الأسلحة كان يحرم الدولة والمجتمع من موارد هامة من المفترض أن توجه ‏نحو مشاريع التنمية". وكان ذلك واضحاً خلال السنوات الماضية، وفق السلمان، حيث لجأ ‏النظام إلى "إيقاف كل إشكال الإنفاق التنموي، في حين أبقى على الإنفاق العسكري". ‏أما السوق الثانية، فهي السوق السوداء، حيث تستخدمها ‏المعارضة، كما يستخدمها كثير من السوريين للحصول على السلاح. وبذلك يكون "احتكار النظام السوري لتجارة الأسلحة قد انتهى، وأصبحت هذه التجارة تُدار من قبل ‏أطراف عدة"، يقول السلمان.


في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، لا يستطيع الكثير من السكان امتلاك السلاح بسبب ارتفاع أسعاره، يشرح الناشط في ريف دمشق أبو قصي، لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى أن السلاح الفردي ‏‏لا يفيد في الحماية الشخصية، خصوصاً في وجه البراميل المتفجرة التي يستخدمها النظام.

ارتفعت أسعار الأسلحة في سورية بشكل كبير جداً خلال السنوات الماضية، وكان ذلك بسبب ارتفاع الطلب على ‏السلاح من جهة، وانخفاض قيمة الليرة السورية من جهة أخرى، "ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بأكثر من عشرة ‏أضعاف، حيث قفز سعر البندقية الروسية من 10 ـ 15 ألف ليرة قبل اندلاع الثورة، إلى 150 ـ 200 ألف اليوم"،‎‏ حسب ‏أبو قصي.

"مأسسة الإرهاب والتربح منه"‏
لكن، بعد أربع سنوات من الصراع، يبدو أن اتجاه التجارة بدأ يتغيّر. ففي حين كان كلّ من لبنان والعراق في بداية ‏الصراع مصدراً رئيسياً لأسلحة المعارضة، "أدى التدفق الهائل للأسلحة على سورية إلى انتعاش تجارة معاكسة من ‏سورية إلى دول الجوار"، يقول أبو قصي. ويضيف: "ثمة تجار سوريون ولبنانيون وعراقيون نشأوا في ظل الأزمة، ‏وهم يشترون الأسلحة الفائضة عن حاجة المعارضة والنظام في سورية لبيعها من جديد في دول مختلفة محققين ‏أرباحاً خيالية".

اقرأ أيضا: السوريون ينشدون انتهاء الحرب وإيجاد فرص العمل

وطالما أن السلاح بات متوافراً وفائضاً في سورية، فإن "غياب الأمن يجعل إنفاق المواطن السوري على حماية ‏نفسه يزداد باطّراد"، حسب الباحث الاقتصادي محيي الدين القصار. يوضح القصار، لـ"العربي الجديد": ‏‏"يختلف الإنفاق من منطقة إلى أخرى، ففي المناطق المحررة تكون حصة شراء السلاح أكبر من المناطق الخاضعة ‏لسيطرة النظام". ويشير القصار إلى أن "النظام السوري والشبيحة عملوا على مأسسة الإرهاب والتربّح منه، إذ ‏يصدرون بطاقات أمنية تخوّل حمل السلاح بصورة قانونية، ويتقاضون مبالغ طائلة مقابل ذلك".

هذا فيما يعتبر السلمان أن "دخول الإنفاق على السلاح ميزانية الأسرة السورية يعتبر ظاهرة جديدة تستحق الاهتمام، حيث ‏يشكل عبئاً على ميزانية الفرد، وسوف يؤدي إلى تغيير في نمط حياته بصورة ما. ولكنه من جهة أخرى يقع تحت بند ‏توفير الأمن، وبالتالي لا يمكن أن يخضع لقواعد السلوك الاستهلاكي للأفراد القائم على مبدأ ‏‏العقلانية الاقتصادية".


وفي حين تعاني غالبية البلدان من ظاهرة انتشار السلاح بين الأفراد، ‏والتي من شأنها أن تؤثر على الأداء الاقتصادي، يلفت ‏السلمان إلى أن مسألة انتشار السلاح في سورية سوف تشكل "عائقاً في وجه أي عملية تنموية مستدامة، ومن بين الأعباء التي سيتكبدها الاقتصاد ‏السوري كلفة إعادة تأهيل الأفراد الذين قضوا فترة من الزمن يعملون في تجارة السلاح، أو يستخدمونه، وإزالة كل المظاهر ‏المسلحة".

تمويل السلاح
تشير تقارير صادرة عن معهد "استوكهولم الدولي لأبحاث ‏السلام"، إلى أن الحرب في سورية رفعت من قيمة شراء الأسلحة. وقد تزايدت واردات سورية من الأسلحة التقليدية خلال الفترة الممتدة من 2006-2010 بمعدل 330%، مقارنة مع الفترة الممتدة بين الأعوام 2001 -2005.

وخلال تلك الفترة الذهبية لشراء السلاح، ساهمت روسيا بنحو 48% من ‏الواردات، فيما ساهمت إيران بنحو 21%، وبيلاروسيا بنحو 20%، وكوريا الشمالية بـ9%، أمّا الصين فساهمت بنسبة 2%. ‏لكن، بعد اندلاع الثورة، راحت واردات النظام السوري من السلاح تزداد بشكل أكبر، وكانت شحنات الأسلحة تأتي من ‏روسيا وإيران بصورة أساسية

دلالات
المساهمون