الإسلاموفوبيا.. "الجاني" و"الضحية"

02 يناير 2016
يحاول المسلمون في الغرب تقديم أنفسهم بشكل أفضل(Getty)
+ الخط -
قد يبدو مصطلح "الإسلاموفوبيا" كلاسيكياً للعاملين في الحقل الإعلامي، في حين أنه ذو نكهة خاصة بالنسبة للسياسيين ويمكن أن يحتمل الكثير من التعريفات والظواهر المرتبطة. أما بالنسبة للناس العاديين فهو مصطلح يقترن أكثر بمزاج وسائل الإعلام والحملات الانتخابية. هذا هو الواقع على الأقل في دول شمال المتوسط وغرب المحيط الأطلسي. تنزوي ظاهرة الإسلاموفوبيا أو تطفو بحسب ما تستدعي الحاجة إعلاميا أو سياسيا، وخاصة بعد حدوث هجمات ويتطلب الأمر إما تنفيس الرأي العام أو تهييجه، "جني مصباح علاء الدين" هو المثل الأقرب لاستخدام هذه الظاهرة.

هنا يجدر الحديث بكل صراحة عن دور "الجاني" و"الضحية" من دون الالتفات إلى أي خانة سيصنف هذا الحديث وكاتبه. فالهروب من الواقع لا يخدم إلا مزيدا من التعقيد. والتعامل مع الحقائق سيؤدي بالنتيجة إلى الإقرار بها، حلاً أو تعقيداً. فعلى جانب "الجاني" ما من شك أن وسائل الإعلام تسهم بالدور الأساس في تعميق الظاهرة وتعقيدها من خلال تضخيم الحوادث الصغيرة ووضعها في سياقات تجعل من المشاهد العادي، في غالب الأحيان، "ضحية" هذا الضخ الإعلامي الذي يشعره بكل بساطة أنه مهدد في أساسيات حياته وهي الأمن الذي طالما اعتاد على العيش فيه بعيداً عن "هؤلاء المسلمين" الذي يحملون له التهديد في الشارع والباص والقطار ومكان التسوق، بحسب الرسالة الإعلامية التي تصله.

على المقلب الآخر، هذا الخطاب السياسي-إعلامي يخدم خطاب التطرف المقيت على الجانب الآخر لدى "الضحية".

أما إذا ما نظرنا إلى دور "الضحية" في تعزيز الظاهرة، لوجدنا هناك الكثير من الأسباب التي بحكم إقامتي في بريطانيا قرابة 10 سنوات، يمكنني إجمالها في أسباب أساسية:

أولها، "الانتقائية في الاندماج"، بمعنى أن كثيرا من المسلمين المنحدرين من أصول ثقافية عدة، لديهم تناقضات شاسعة في ما يتعلق بموضوع الاندماج، وفهم لعملية الاندماج، بل فشل غالبيتهم حتى في تعريفها، وبالتالي ترك الأمر للأفراد والجماعات تبني تعريفات تتناقض في معظمها مع فهم المجتمعات الحاضنة، بل ولا تساعده على التعامل السلس معهم. فمن معتبر المجتمعات الحاضنة "كافرة" وينبغي مخالفتها في كل شيء، إلى محتار مضطرب، يوماً يساير ويوماً يخالف.

ثاني تلك الأسباب، الافتقار إلى المرجعيات الثقافية والدينية، والتي تبسط تلك المفاهيم لعامة الجاليات المسلمة وتعينها على الاندماج الإيجابي في المجتمعات الحاضنة من دون فقدان هويتها الثقافية.

وثالث تلك الأسباب، "العيش بين هنا وهناك"، فكثير من المهاجرين المسلمين في الغرب ما زال يعيش بعقلية بلاده رغم أن بعضهم هاجر منها منذ عقود وله حتى أحفاد ولدوا في أوطانهم الجديدة. والمقصود هنا هو التربية التي تسهل على الأطفال تقبل الآخرين والتعايش معهم كل بثقافته من دون فرضها على الآخرين.
هذا أنتج أجيالاً مضطربة ثقافياً لا تعرف إلى أين تنتمي. وزاد لدى كثير منهم الطين بلة، اصرار الأهل على تربية أبنائهم على مبدأ "سنرجع يوما". وهو مبدأ ذو حدين، الإيجابي منه تعليم الأبناء اللغة ونقل كثير من التقاليد الاجتماعية الإيجابية للأبناء. في حين أن الحد السلبي منه يعني نقل أنماط التفكير والسلوك التي قد تتناقض إلى حد كبير مع البيئة المحيطةـ فتوقع الأبناء في الاضطراب أو "الازدواج" في السلوك، داخل البيت وخارجه.

تشير دراسات عدة أجريت في السنوات الأخيرة على الجاليات المسلمة في أوروبا، إلى أن هناك "مساحات رمادية" بين الأهل والأبناء فيما يخص ثقافة بلد الأبوين وثقافة المجتمعات الحاضنة، فلكل من الجيلين فهمه وتفسيراته التي قد تصل حد الاختلاف الكلي.

ونأتي هنا إلى فهم الدين وطبيعة الالتزام به، فكثير من الأبناء مثلا ينتقد الالتزام الشكلي بالدين دون الالتزام السلوكي به، والعكس صحيح. والبعض الآخر يجد أن التمسك الشديد بالدين يوفر له الشعور بالانتماء إلى "الأمة"، هروبا من معضلة الانتماء إلى مجتمع قد يختلف معه عرقيا ودينيا، ومجتمع والديه الذي قد يختلف معه ثقافيا.

هذا التشابك قد يقود بعض الشباب إلى السلوك المتمرد الذي يمكن أن يقوده إلى أي اتجاه عدواني تجاه المجتمع الحاضن، الذي بدوره قد يجد صعوبة في فهم أصل هذا السلوك العدواني وبالتالي يواجهه بأدوات تعقد المشكلة ولا تحلها.

خلاصة الحديث، أن تحديد من هو الجاني ومن هي الضحية بات أمرا أعقد من أن يشار إليه بالبنان، ويستلزم من الجاليات المسلمة في الغرب أن تساهم بشكل أكبر في تحديد هويتها التي تنتمي بالأساس إلى جغرافيا وسوسيولوجيا مختلفة كليا عن تلك التي قد تتفق عليها في ديار الآباء والأجداد، ولن يجدي معه التهرب تحت شعار "سنرجع يوما".

دلالات
المساهمون