منذ اليوم الأول يعيش المدرب تحت تهديد الإقالة، ويكبُر هذا الخطر بعد مرور موسم أو موسمين من دون تحقيق أي لقب "المُتفق عليها مع إدارة الفريق". حتى إن بعض المدربين عاشوا رعب الإقالة في أول أشهر من تدريبهم الفريق الجديد. نعم يبدو الأمر سخيفا جداً، وهذا هو الواقع اليوم.
طبعاً، يحق لإدارة أي فريق أن تتعاقد مع المدرب الذي يُلبي طموحات الجماهير، لكن المشكلة أنها قد لا تأخذ أفكاره الفنية بعين الاعتبار. وهنا يأتي إلى الأذهان أحد أبرز الأمثلة: إرنستو فالفيردي.
وما حصل مع برشلونة في عهد فالفيردي يوضح الكثير. أفكار فالفيردي الفنية ناسبت هوية برشلونة في البداية: نتائج كبيرة وأرقام مُميزة من دون خسارة. لكن بعد فترة ظهرت العيوب. هنا الإدارة تتحمل المسؤولية، لأن أفكار فالفيردي الفنية أقل بكثير من هوية برشلونة. ومع ذلك، استمرت عملية بناء الفريق وفقاً لفكر فالفيردي الذي لم يتناسب مع هوية برشلونة.
ما هي هوية الفريق؟
إن هوية أي فريق لا تُولد في شهر أو شهرين ولا في سنة أو سنتين، هي مجموع أفكار فنية متراكمة على مدى سنوات، طبّقها عدة مدربين في فترات زمنية مختلفة. وتبقى الأنجح تلك التي حقق فيها الفريق الألقاب والإنجازات.
فلنأخذ برشلونة مثلاً، نجاح أفكار المدرب الهولندي رينوس ميتشلز مع برشلونة والمنتخب الهولندي عام 1974، هو الذي كان يطلب من لاعبيه أن يضغطوا على حامل الكرة وكأنهم سيقتلونه حرفياً، فترى 3 أو 4 لاعبين يركضون باتجاه حامل الكرة بطريقة مُرعبة.
بعد ميتشلز، استلم الأسطورة يوهان كرويف المهمة، وهو الذي كان أحد نجوم فريق ميتشلز. طبق كرويف نفس الأفكار على أرض الملعب مع "رشة" إبداعية على صعيد تطوير بعض الأفكار الفنية التي رسخت بقوة هوية برشلونة. وهي الهوية نفسها التي عمل في إطارها كل من لويس فان غال وفرانك ريكارد بعد ذلك.
ثم جاء دور غوارديولا ولويس إنريكي. وهما مدربان حققا النجاح بأفكارهما من دون الخروج عن هوية الفريق وأسلوبه الذي رسّخه جميع المدربين السابقين، خصوصاً غوارديولا، الذي صنع أجمل نسخة من برشلونة، إذ أن طريقة تطبيق اللاعبين للأفكار اقتربت من المثالية. وحتى اليوم هوية برشلونة لم تتغير.
في المقابل، الأمر نفسه ينطبق على تجربة المدربين في تشيلسي مثلاً، الفريق الذي لا يحمل هوية مثل مانشستر يونايتد تاريخياً، لكن هويته وُلدت مع المدربين الإيطاليين جانلوكا فيالي وكلاوديو رانييري على مدى 6 مواسم متتالية. مع فيالي حقق الفريق الألقاب ونال رضى الإدارة وخلق هوية لتشيلسي.
هوية تشيلسي المولودة بين سنوات 1998 و2004، مهدت الطريق لوصول جوزيه مورينيو. أفكار البرتغالي لم تتعارض مع هوية "البلوز" في تلك الفترة أبداً. طبعاً في تلك الفترة، لم يمتلك تشيلسي هوية الفريق المنافس على الألقاب المحلية والأوروبية مثل "يونايتد"، لكن هذه الهوية كانت أرضا خصبة لمورينيو.
لم يتأخر نجوم فريق تشيلسي في التأقلم مع أفكار مورينيو، لأنها في الأساس لم تتعارض مع الهوية التي خلقها كل من فيالي ورانييري. وفي الكرة عندما يندمج اللاعبون سريعاً مع أفكار المدرب من دون تغيير الهوية، النجاح يقترب أكثر. تشيلسي مثال، برشلونة غوارديولا مثال، و"الملكي" زيدان مثال أيضاً.
ومن يعتقد أن اختيار مورينيو لتدريب فريق تشيلسي كان خياراً مقصوداً من الرئيس أبراموفيتش، فهو مخطئ حتماً. ببساطة مورينيو كان المدرب "النجم" في تلك الفترة بعد تتويجه بلقب دوري الأبطال مع بورتو، خصوصاً أن أبراموفيتش نفسه اختار مدربا بعد مورينيو وأقاله بعد 10 أشهر فقط!
لكن لماذا أقيل فيلاس بواش من تدريب تشيلسي سريعاً؟ ببساطة لأن اختياره من إدارة الفريق كان قراراً خاطئاً. بواش يؤمن بفكر الاستحواذ والضغط العالي، وهذه امتيازات بعيدة كثيراً عن هوية فريق تشيلسي التي طورها مورينيو. الإدارة لم تأخذ بعين الاعتبار أفكار المدرب قبل التعاقد معه.
ولا يمكن الحكم على أن أي مدرب تتعارض أفكاره مع هوية الفريق سيفشل حتماً، لأن المدرب قادر على بناء الفريق وفقاً لأفكار فنية جديدة، لكن هذا الأمر يتطلب بعض الوقت لكي يُثمر، خصوصاً أنه يُحاول التغيير في هوية الفريق. وقد يُرافق ذلك نتائج سلبية وصفر ألقاب.
وهنا تبرز النقطة الأهم في "الثريد": الجماهير ومُلاك أي فريق في العالم لا يتحملون النتائج التي تنتجُ عن عملية إعادة بناء الفريق. وعليه، فإن اختيار المدرب اليوم يعتمد على "الأسهل":
"مدرب لا تتعارض أفكاره مع هوية الفريق ونقطة إلى السطر".