هو الانطباع التي يزداد ترسّخاً لدى كلّ المنتخبات الأفريقية التي تسعى للحضور في مونديال قطر 2022، خاصة منذ تتويج الجزائر بكأس أمم أفريقيا في القاهرة، بل منذ استلام جمال بلماضي مقاليد المنتخب الجزائري الذي تحوّل مع الوقت من منتخب مهدَّم إلى غول مخيف بنفس التعداد، يزداد قوة وشراسة مع الوقت، لم يخسر على مدى ثمانٍ وعشرين مباراة متتالية، واجه فيها الكبار والصغار، ودياً ورسمياً، بنفس الروح والإصرار، ونفس الهوية والشخصية، حتى في غياب الكوادر في بعض المباريات، ليدخل تصفيات المونديال بقوة محققاً أكبر فوز للجزائر في تاريخ المواجهات الرسمية، مما جعل أكبر المنتخبات تأمل في تجنبه في المباراة الفاصلة بعد دوري المجموعات.
المنتخبات العشرة الأولى في المجموعات العشر في تصفيات منطقة أفريقيا تتأهل إلى المباريات الفاصلة المقررة شهر مارس/آذار 2022، وهي المرحلة المنتظر أن يتأهل إليها الجزائر وتونس والمغرب ومصر ونيجيريا والكاميرون وساحل العاج والسنغال ومالي وجمهورية الكونغو في مواجهة تجرى ذهاباً وإياباً، بعد قرعة يسعى فيها الكل إلى تجنب مواجهة الجزائر التي تبقى بشهادة الجميع الأفضل والأكثر استقراراً وانتظاماً في الأداء والنتائج، بغض النظر عن عامل المفاجأة الذي يبقى وارداً، ورغبة كل المنتخبات في إطاحة بطل أفريقيا، وهو الأمر الذي يدركه بلماضي جيدا، لذلك يصر على تحفيز فريقه والحفاظ على تركيزه كل مرة، مستثمراً في الخيارات العديدة التي يتوفر عليها في تشكيلته.
هذا لا يعني بأن المنتخب الجزائري ضمن رسمياً اجتياز عقبة منتخب بوركينافاسو الذي سيواجهه الثلاثاء القادم، ولا يعني بأنه سيتأهل إلى مونديال قطر لأنه الأفضل حالياً، لكن كلّ المؤشرات توحي بأنه المرشح الأول لبلوغ المباراة الفاصلة، وعندها كلّ شيء سيبقى مرتبطاً بطبيعة المنافس ومدى قوته، لأن مواجهة عرب أفريقيا مثلاً ستكون صعبة وتخضع لمعطيات فنية وتاريخية ونفسية مرتبطة بحساسية المواجهات العربية التي تكون دائما خاصة جداً، لا يعود فيها الفوز بالضرورة للأحسن والأقوى، لأن منتخب مصر لسنة 2010 بطل أفريقيا ثلاث مرات متتالية، كان أقوى من المنتخب الجزائري آنذاك، لكن التأهل كان من نصيب الجزائريين في مباراة فاصلة جرت في ظروف استثنائية مشحونة.
الكلّ في الجزائر وخارجها يدين بالفضل للمدرب جمال بلماضي الذي تمكن من إحياء منتخب كان في غرفة الإنعاش يصارع مرضاً عضالاً بلاعبين منهارين معنوياً ونفسياً، تعرضوا لحملات تهديم وتشكيك في ولائهم لوطنهم، تحولوا مع مجيء جمال بلماضي إلى أبطال في نظر الإعلام ذاته الذي تهكم عليهم والجماهير ذاتها التي تحاملت عليهم، وصار جمال بلماضي رمزاً للتميّز والنجاح، لم يعد بحاجة لتبرير خياراته أو الدفاع عنها، لأن الجماهير تكفّلت بذلك، ولم يعد بحاجة إلى إقناع المحللين والنقاد لأنه يلقى إجماعاً لم يسبق له مثيل، لم يتصدق به عليه أحد، بل فرضه على الجميع، وفرضه على اللاعبين في حد ذاتهم الذين لم نعد نسمع لهم حسّاً مثلما كان بعضهم من زمان، بعدما فرض عليهم قواعد، ووفر لهم حماية ودعماً كبيرين.
صحيح أن جمال بلماضي عرف لحد الآن جمهوراً وإعلاماً سعيداً بالنجاحات والانتصارات، ولم يتعامل معهما عند الخسارة أو الإخفاق، وسيأتي اليوم الذي سيخسر فيه المنتخب الجزائري، ويغضب عليه الإعلام والجمهور، لكن لا أحد بإمكانه أن يشكك في قدراته ونواياه والتزامه مع الخضر، رغم كلّ العروض المغرية التي تلقاها، ليصبح النجم الأول من دون منازع لدى الجزائريين، لا يتجرأ على انتقاد خياراته الإعلاميون، وهي قاعدة متعارف عليها في عالم الكرة ما دام المنتخب يلعب جيداً ويفوز، لكن الفترة القادمة ستكون صعبة مع إجراء خمس مباريات في تصفيات كأس العالم، ونهائيات كأس أمم أفريقيا شهر يناير في الكاميرون.
الأفضال متبادلة بين بلماضي والمنتخب الجزائري الذي قادته الظروف لمنح الرجل فرصة استغلها، وسمعة زادت من قيمته كمدرب بإمكانه أن يدرب أي منتخب في العالم بمقابل يفوق ثلاثة أضعاف ما يتقاضاه اليوم، لكن بدوره صنع فارقاً بشخصيته وكفاءته وطموحاته، حتى صار نموذجاً للنجاح في الجزائر وخارجها، يستمتع بتجربته الجزائرية التي يريد من خلالها دخول التاريخ ببلوغ أدوار متقدمة في نهائيات كأس العالم في قطر.