اعتزال ليو ميسي..قرار متسرع وعاطفي لكنه إيجابي وموفق بشروط!

28 يونيو 2016
ميسي قرّر الاعتزال الدولي بشكل مفاجئ (Getty)
+ الخط -



"الأمر ليس مكتوباً لي، بالنسبة لي انتهى المشوار مع الفريق الوطني. لقد بذلت كل ما بوسعي، من المؤلم ألا تكون البطل، لذلك أعلن نهاية مسيرتي مع المنتخب الأرجنتيني، وأن تكون مباراة شيلي هي الأخيرة لي بألوان الفريق"، هكذا أنهى الملك رقم 10 قصته مع بلاد الفضة، ليختار ميسي الابتعاد تماما عن الأجواء الدولية، والاستسلام لأول مرة للهزيمة، لأنه لم يستوعبها أو يتحملها هذه المرة، لذلك جاء قراره بمثابة الصدمة للجميع، العدو قبل الصديق.

صدمة شعبية
اتفقت الأرجنتين بمختلف ميولها وأيديولوجياتها على محاولة إرجاع ميسي عن قراره، واستمالته مرة أخرى للعودة إلى صفوف المنتخب. ولأول مرة على الإطلاق، لا يوجه أحد سهام النقد لميسي فقط كما كان يحدث بالسابق، رغم أنه من أضاع ركلة الجزاء الأولى في النهائي، ووضع الضغط على البقية حتى أضاع بيليا الضربة قبل الأخيرة.

مارادونا نفسه طالب ميسي بالعودة وبعث برسالة إلى الجمهور مفادها بأن عليكم أن تقفوا بجواره. غريب موقف بطل مونديال 86، النجم الذي وضع نفسه بدون سابق إنذار في مواجهة أمام ليو، وتفنن في التقليل منه والهجوم عليه في كل مناسبة يظهر فيها، ليتحول سريعا من معجب بقدراته إلى ألد خصومه، رغم أن مارادونا نفسه لم يفز بالكوبا طوال مسيرته.

ميسي أم مارادونا؟ مارادونا أم ميسي؟ الحقيقة أن هذا السؤال سيستمر للأبد طوال مشوار اللعبة، وبدأ يحصل فعليا على مكانة السؤال القديم الخاص بالمفاضلة بين مارادونا وبيليه، بسبب شعبية ميسي العملاقة، وأرقامه المبهرة التي وضعته في مصاف الأساطير مبكرا، مع موهبة فذة لم يشاهد مثلها الجيل الحالي، وبالتالي زادت الضغوط على ليو، وعلت الأمنيات التي تتحدث عن هدف واحد، عليك الفوز بكل شيء مع بلادك كما فعلت مع برشلونة، ليصل ميسي إلى كل نهائي، ليس فقط من أجل الانتصار، ولكن لكي يدافع ويبرئ نفسه من تهم عديدة وانتقادات معلبة جاهزة في انتظار أي سقوط.

بدون إجابة
هل تستطيع تصنيف ميسي؟ "من الصعب تحديد الصفات الرئيسية التي تستطيع بها تحديد قيمة اللاعب أو دوره، وهنا لفظ اللاعب يطلق فقط على عظماء اللعبة. مارادونا، دي ستيفانو، بيليه، وميسي، أسماء لها ثقل كبير تاريخياً، لكن من الصعب تحديد أفضلية نجم على آخر، لأن كل لاعب له صفاته الخاصة التي جعلته في مكانة مختلفة عن الجميع، وبالتالي يجب أن يطلق عليهم مصطلح اللاعب بشكل شمولي"، يتحدث الهولندي الخبير يوهان كرويف عن فكرة الألقاب في كرة القدم، ويؤكد أن هناك نجوماً فوق مستوى التصنيف.

أي هناك من يقول دييغو الأعظم، بيليه، دي ستيفانو أو ليونيل ميسي، وكل واحد له أحقيته الكاملة، لأن البطولات وحدها لا تكفي للبت في حكم نهائي ينهي هذا الجدل، فمارادونا حقق المونديال وفاز بعدة ألقاب مع نابولي، لكنه في المقابل فشل في نادٍ كبير كبرشلونة، ولم يفز بأي بطولة أوروبية تخص أبطال الدوري "المسمى القديم للشامبيونزليغ"، كذلك مسيرة بيليه مليئة بالبطولات والأرقام، لكنه لم يلعب في أوروبا مع أي فريق كبير.

دي ستيفانو يشبه ميسي في معدلاته خصوصا على مستوى الأندية، فالثنائي حقق أرقاماً غير طبيعية مع ريال مدريد وبرشلونة، مع تميز في صناعة القرار بجزء من الثانية. حتى معضلة كأس العالم، هناك وجهة نظر تقول إن هيغواين وأغويرو وبالاسيو أسماء ليست أبدا في قيمة كانيجيا أو فالدانو، وإن كانت العبرة بهذه البطولة فقط، فبيليه حقق بطولات عالمية أكثر من دييغو وهكذا، أي ستظل هذه المقارنة مشتعلة للأبد، دون الوصول إلى إجابة شاملة كافية لكل المتابعين.

قرار متسرع
أن تخسر 3 نهائيات في 3 سنوات أمر صعب وغير مقبول، لكنه في النهاية لا يعتبر فشلاً أبداً، فالوصول إلى نهائي كأس العالم رفقة آخر نسختين في الكوبا، كلها أمور تصب في صالح أي فريق أو منتخب، لأنه يملك إذن ميزة تنافسية تساعده على المرور من مرحلة المجموعات والمباريات الإقصائية، لديه قصور في المباريات النهائية فقط، وهذا ما حدث مع راقصي التانغو، الفريق الذي يعاني من حاجز نفسي بينه وبين المحطات الفاصلة.

حالة الأرجنتين ليست فريدة من نوعها، منتخب مثل ألمانيا خسر في نصف نهائي مونديال 2006، 2010، ويورو 2012، مع ضياع اللقب في النهائي أمام إسبانيا في يورو 2008، لكنه عاد أكثر قوة وفاز باللقب العالمي في البرازيل 2014. إذن هذه الأمور تحدث وغير استثنائية، لكن الغريب في موضوع الأرجنتين أنه جاء في ثلاث سنوات متتالية، مع تكرار لنفس المشاكل تقريبا، محاصرة ميسي بأكثر من 3-4 لاعبين، ليو وحيدا في الهجوم، بالإضافة إلى ضياع فرص غريبة من المهاجمين.

لكن ما فعله ميسي بقرار الاعتزال يعد أمراً خاطئاً 100%، والأسباب عديدة أهمها بكل تأكيد أن ليو لم يكن أبدا المشكلة بل هو الحل الرئيسي للأرجنتين، وبالتالي التخلي عن منتخب بلاده قبل عامين فقط من المونديال فكرة ليست صائبة، حتى وإن كانت بسبب الخسارة في 3 بطولات متتالية، لأن الفوز كان قريبا في كافة هذه المعتركات، وحتى الخسارة جاءت بسبب ركلات الجزاء في آخر نسختين، وبالتالي تدارك نقاط الضعف التي أدت إلى الفشل مسألة ممكنة وليست مستحيلة.

المذنبون
يتحدث الصحافي المختص بالكرة اللاتينية رافائيل هيرنانديز عن كيفية إدارة اللعبة في الأرجنتين، مؤكدا أن الاتحاد الأرجنتيني لكرة القدم من أسوأ الأشياء الممكنة في القارة الجنوبية، فالقائمون على الكرة تفننوا في استهلاك نجوم المنتخب، بإقامة عدد كبير من المباريات الودية عديمة القيمة، للسعي واللهث فقط خلف الأموال، دون إعطاء أي أهمية للاستعداد الفني والتكتيكي قبل أي بطولة كبيرة.

ويضيف هيرنانديز قائلا إن هناك لوبي قوياً ضد ليو داخل الأرجنتين، هذا الجانب ينظر إلى ميسي وكأنه غريب، لأنه لعب منذ صغره في إسبانيا، وينتظر هؤلاء أي سقوط للمنتخب حتى يوجهوا كافة السهام تجاه الرقم 10 وحده، وهذا الأمر ظهر بوضوح بعد بطولة كوبا أميركا 2015، لكن تهديد ميسي وقتها بالابتعاد وظهور المنتخب بشكل سيئ في بداية التصفيات بعد غياب ليو، كلها عوامل رجحت كفة النجم الكبير عند غالبية الجماهير في الأرجنتين، لأنها تأكدت دون جدال أنه الحل لا المشكلة من جديد.

حتى جانب الاستقرار منعدم داخل المنتخب، فالمدرب مارتينو لم يحصل على راتبه منذ عدة أشهر، وحاول الرجل استدعاء أكثر من اسم شاب إضافي للقائمة قبل البطولة، لكن الاتحاد رفض بحجة عدم وجود مال كاف لذلك، لدرجة أن ميسي نفسه ضاق ذرعا بما يحدث، وهاجمهم عبر حسابه الرسمي بأحد مواقع التواصل قبل النهائي، مشيرا إلى أن الفريق يتعرض لعملية إرهاق سخيفة، بسبب عدم حرص الاتحاد على إراحة اللاعبين أثناء الرحلات الجوية وخلافه.

من الممكن تلخيص كل ما سبق في تصريح شهير لفيلسوف الكرة اللاتينية جورجي فالدانو عندما قال مؤخرا، "ميسي يلعب كل مباراة نهائية مع الأرجنتين، حتى يغفروا له ذنوبه التي لم يرتكبها، وليس فقط من أجل الفوز والتتويج!".



صورة انتشرت عبر تويتر بعد النهائي، يظهر فيها بوضوح "تواكل" لاعبي الأرجنتين على ميسي، فاللاعب يحاصر بأربع خصوم في أكثر من مناسبة، مع عدم ظهور خيارات أمامه للتمرير أو خلق الفراغ، بينما في برشلونة يتحرك أكثر من لاعب طلبا للكرة، وكلما زادت خيارات التمرير اتسع جانب الابتكار في الكرة.

هل المشكلة فقط في اللاعبين؟ بكل تأكيد المدرب يتحمل جزءا، والحظ كذلك، لأن إصابة جايتان وأوجوستو قلبت أوراق الفريق في النهائي، لكن أيضا مارتينو بالغ في التحفظ، ولم يشرك لاميلا إلا في الدقائق الأخيرة، رغم أن لاعب توتنهام خفف الضغط بعد نزوله، وساهم في زيادة الخطورة الهجومية في الثلث الأخير.

رب ضارة نافعة
رغم كل ما حدث من تقصير فني وخططي ونفسي، إلا أن قرار ميسي بالابتعاد يجب أن يعود فيه، ولا يمكن أبدا اعتباره فعلا صحيحا، لأن الرهان الحقيقي سيكون في روسيا 2018، ربما سيستمر الفشل وربما سيتحول النهائي إلى لحظة تتويج لا تنسى. ولأنه ميسي، النجم الكبير الذي يوضع فوق القمة تاريخيا بمفرده، أو بالتزاحم مع لاعب أو اثنين، عليه مهام أكبر تبدأ بضرورة العدول عن قراره، ومحاولة استئصال الورم المتمثل في الاتحاد القائم على اللعبة في البلاد.

يمر الاتحاد الأرجنتينى بأزمة طاحنة، بعد صدور قرار قضائي بتأجيل انتخاباته الرئاسية، بالإضافة إلى تعيين اثنين من المفتشين داخل إدارة الاتحاد، ويراقب الفيفا الموضوع باهتمام شديد، في ظل تكهنات تشير إلى قرب التضحية بأكثر من رأس كروي داخل البلاد. وتأتي هذه الأمور مع قرار ميسي الأخير، لتؤكد أن القادم لن يكون سهلا، فالقرارات الثورية هي الخيار الوحيد بحثا عن طوق نجاة.

من الممكن أن يكون قرار ميسي إيجابياً للجميع، إذا تسبب في تغيير سياسة إدارة الكرة في بلاده، والتركيز أكثر على عدم إرهاق النجوم من خلال مباريات لا طائل لها، بالإضافة إلى توفير معسكرات أقوى للاستعداد، وبالطبع وجوب التفكير في مدرب جديد يقود هذا الجيل، ولا يوجد أفضل من دييغو سيميوني، الشولو الذي يواجه الشك في مسألة استمراره بالفيستني كالديرون، وستكون الفرصة مواتية هذه المرة لأنه الأجدر بإقناع ليو بالعودة إلى المنتخب.

رجل مثل سيميوني مع أسماء جديدة بقيادة ديبالا، مجموعة ستحمل ميسي وسيحملها، لأن الفريق في النهاية عبارة عن مجموعة متكاملة، كل واحد له دور محدد في اللحظة المناسبة، لكن كل شيء متوقف على ما سيحدث، وهل سيأتي جديد يجبر الملك رقم 10 على العودة قبل روسيا 2018؟