حمل منتخب الأردن آمال الشعب المحب لكرة القدم في البلد العربي بعيدا في منافسات كأس آسيا، ووصل النشامى بأحلامهم إلى المشهد الختامي الذي خسره بسلاح "الخبرة" الذي أشهره المنتخب القطري مستغلا العديد من الهفوات للاعبي النشامى، ليخطف اللقب بجدارة واستحقاق، وبدا ظاهرا للجميع أن وصول الأردنيين للمباراة النهائية لأول مرة في التاريخ كان بحد ذاته إنجازا لا يمكن وصفه إلا بـ"المعجزة".
نقول معجزة؛ لأن الكرة الأردنية تعيش على أطلال المعاناة المالية تحديدا، فالاتحاد الأردني لكرة القدم بلا راعٍ رسمي كبير، وصناديق الأندية خاوية تسببت في أزمات بينها وبين لاعبيها ومدربيها، وما كان للمدير الفني للمنتخب الأردني الحسين عموتة، إلا أن يظهر تلك الحقيقة المرّة أثناء حديثه في المؤتمر الصحافي الذي جرى السبت في أعقاب الخسارة 1-3 أمام قطر في النهائي، حين استشهد بفريق الفيصلي الذي احتجب بعض لاعبيه عن التدريبات بسبب مستحقاتهم المالية وحول مدى إمكانية بناء الأحلام على هذا المنتخب في ظل هذه الظروف السلبية.
وثمة العديد من النقاط المضيئة التي دوّنها النشامى في كأس آسيا، فهو المنتخب الذي أظهر وجها مذهلا استحق الثناء عليه من الجميع، كما قدم نجوما لا يقلون عن أشهر النجوم العرب والعالميين أداء وتألقا، لكنهم لم ينجحوا في السيطرة على مشاعر الارتباك من المباراة النهائية أمام حامل اللقب، فظهروا بضعف في الشوط الأول، ثم عادوا في الثاني، قبل أن يجنحوا يمينا في ظل قرارات صحيحة وقاسية في آن للحكم الصيني ما نينغ.
أسلوب عموتة.. تساؤلات وتعديلات
على غير العادة، ظهر رجال المدرب عموتة بصورة مخيبة في الشوط الأول والذي كان سرا من أسرار الهزيمة في النهائي، فقد بدا اللاعبون يشعرون بهيبة النهائي، كما أن عموتة لم يتصرف بشكل سريع مع لاعبيه، بل يطرح البعض عدة تساؤلات بأن عموتة نفسه الذي أوصى لاعبيه قبل أن يهزموا كوريا الجنوبية، بألا يحترموا الخصم أكثر من اللازم، لكن المدرب بدا في النهائي أنه يشعر بالرضا لما وصل إليه المنتخب الأردني من إنجاز، فظهر مخيبا للآمال في النهائي، وظهرت قلة خبرة لاعبي الأردن في المباريات النهائية وهو ما يجب عليهم تحسينه، عكس لاعبي العنابي الذين استغلوا تماما ذلك الأمر ونجح "عفيف" في استثمار دهائه في خطف ركلات الجزاء التي كانت السبب الحقيقي لإيقاف أحلام النشامى، كما أن المدرب واصل عادته بعدم إشراك الأوراق البديلة اللازمة لأنه يرى أن المنتخب لا يحتاج لتبديلات، لكن التبديلات كانت لتساهم في زيادة إيقاع المنتخب الأردني لو حدثت وربما السيطرة على الهفوات والأخطاء في الملعب أمام سرعة المنتخب القطري. ويحسب لعموتة أنه قام بتغير تاريخي في خطط لعب المنتخب الأردني عبر الاعتماد على خطة 3-4-3 التي تعد حديثة العهد على لاعبي الكرة الأردنية بشكل عام بعدما اعتادوا اللعب بطريقة 4-4-2 التقليدية منذ سنوات طوال.
نهضة جديدة عنوانها النشامى بطل غير متوج
رغم الهزيمة في نهائي كأس آسيا، لكن منتخب الأردن كتب التاريخ في إنجازه الكبير وبوصوله لهذه المرحلة التي باتت محط أنظار وبوابة للبدء بنهضة الكرة الأردنية وكتابة صفحة جديدة من المشاركة في مثل تلك الأحداث، بعيدا عن شح الإمكانات التي تعاني منها اللعبة وأزماتها بشكل عام، ليطلق عليه المتابعون في النهاية "البطل غير المتوج"، بعد الفوز على العراق وكوريا الجنوبية ومقارعة المنتخب القطري بطل القارة، إلى جانب تألق نجومه موسى التعمري ويزن النعيمات ومحمود مرضي ويزن العرب وقدرات المدرب عموتة، وجماهيره التي أسعدت الجميع في العاصمة القطرية الدوحة بشغفها، كل ذلك صب في مصلحة "البطل غير المتوج"، في حين كسب العرب لقبا جديدا في البطولة الآسيوية.
كأس العالم 2026.. هدف
بات الهدف واضحا جليا أمام الأردن بعد إنجاز كأس آسيا، فالكل بصوت واحد يجمع على أن التأهل لكأس العالم هو الأهم في تلك المرحلة، بل إن المنتخب الأردني يعاني من تراجع نتائجه في تصفيات آسيا وعليه أن يدرك التعويض سريعا اعتبارا من شهر مارس/آذار المقبل موعد الجولة المقبلة، حيث يحتل النشامى المركز الثالث في الترتيب برصيد نقطة واحدة فقط خلف السعودية 6 نقاط وطاجيكستان 4 نقاط فيما يحتل منتخب باكستان المركز الأخير بلا نقاط، حيث سيلعب ذهابا وإيابا مع باكستان ثم يلاقي طاجيكستان وبعدها يواجه السعودية ولا يزال أمله قائما في بلوغ المرحلة المقبلة الأصعب، ليفكر بعدها في المرحلة الحاسمة التي ستنقله لنهائيات كأس العالم 2026.
الاتحاد الآسيوي
بدت واضحةً حاجة الاتحاد الأردني لكرة القدم لعمل ثقل إداري كبير في الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، وهذا الثقل سيساعد على التطوير والاهتمام باللعبة كثيرا، وإذا أراد الاتحاد النجاح لخططه وطموحاته فعليه أن يشكل ثقلا مهما في الاتحاد القاري، سواء عبر الحرص على المشاركة في صناعة القرار أو حتى على مستوى التمثيل في إدارة الاتحاد القاري.
كما باتت الأندية الأردنية مطالبة بالوقوف بصدق مع المنتخب وبذل التضحيات الجسام، رغم أزماتها المالية، لكن الأولوية باتت تقضي بعد الإنجاز دعم المنتخب الأردني لو أراد الجميع التكاتف من أجل المحافظة على الصورة التاريخية للنشامى التي ظهروا عليها في كأس آسيا وفي الوقت ذاته يجب على الجهاز الفني للنشامى أن يقدم كامل الدعم أيضا لإنجاح منافسات دوري المحترفين ورفع نسبة عدد دقائق اللعب الفعلية للاعب في المسابقة.
قرارات مهمة منتظرة
ومن أجل استثمار هذا الإنجاز، بات على جميع الجهات المسؤولة عن الكرة الأردنية التفكير جليا في زيادة الاهتمام وتمويل الكرة المحلية لرفد المنتخب الأردني، ويتم ذلك بالاهتمام أولا بقواعد الناشئين الصغار، كما كان أيام الراحل محمود الجوهري (أكاديميات الأمير علي) والبدء ببناء ملعب ذي مواصفات عالمية، إلى جانب عمل دورات للمدربين واللاعبين وحتى وكلاء الأعمال لترويج اللاعب الأردني في أوروبا، للمساهمة بزيادة عدد لاعبي النشامى هناك مع الأندية، أو عبر فترات المعايشة مع أكبر أندية أوروبا، وغيرها من القرارات التي ستساهم بشكل مؤثر في استثمار هذا الإنجاز التاريخي للنشامى.