لا شيء يدل على أن الفرنسيين من أصول عربية يُصوّتون جماعياً، ككتلة قادرة على التفاوض مع الأحزاب السياسية الفرنسية وعرض همومها ومشاغلها ومطالبها.
أمر يؤكده لنا عمار لصفر، رئيس منظمة "مسلمو فرنسا"، حين قال إن "عرب ومسلمي فرنسا يصوتون، كما باقي مواطنيهم، ويحاسبون المسؤولين السياسيين حول قضايا تهم كل المواطنين، كالشغل والصحة والسكن والأمن وغيرها من هموم المواطن اليومية".
وأضاف بأنه "لا يحتاج المرء إلى كثير من الأمثلة حتى يكتشف أن سكان الضواحي والأحياء الشعبية، وغالبيتهم من أصول مهاجرة وعربية، هم الأكثر تعرضا للتمييز، وتبلغ البطالة مستويات عالية بينهم".
ولأن أحزاب اليسار، عادة، هي التي تهتم أكثر بالشؤون الاجتماعية، وتبدي مواقف أكثر تسامُحا مع المهاجرين، فإنها تحظى بأغلبية أصواتهم. وإن كانت النخبة التي باتت تخرج من هذه الجاليات، بدأت تجد مكانا لها بين أحزاب اليمين الليبرالية، وهو ما جعل أقطاب هذه النُّخَب ينضمون إلى اليمين، ووصل بعضهم إلى مناصب قريبة من أصحاب القرار (بعض مستشاري رئيس الحكومة اليميني الأسبق جان بيير رافاران من أصول عربية، ورئيس الحكومة السابق والمرشح فرانسوا فيون..).
لكن الفرنسيين من أصول عربية يقيسون أهميتهم في المجتمع، أيضا، من خلال تمثيلهم في الأحزاب السياسية، ثم عدد المقاعد التي يحصلون عليها، وهو ما قالته النائبة في مجلس الشيوخ الفرنسي، ناتالي غوليت، لـ"العربي الجديد". وتضيف غوليت بأنه "يجب على العرب المتحدرين من الهجرات أن ينخرطوا في العمل السياسي وفي الأحزاب السياسية، حتى يثبتوا وجودهم واندماجهم".
وبما أن اليمين الفرنسي، في هذه الانتخابات قدم مرشحين لهم توجه يميني محافظ، كفرانسوا فيون ونيكولا دوبون إينان ومارين لوبان، فقد استخدموا جميعا، وإن بدرجات متفاوتة، الإسلام والهجرة في حملتهم الانتخابية، وسقطوا في إسقاطات وخلط كبير أقلق الناخب الفرنسي من أصول عربية، فإن الأغلبية الساحقة من عرب ومسلمين صوتت في الدور الأول لصالح مرشح اليسار جان لوك ميلانشون، وللمرشح إيمانويل ماكرون "إلى الأمام"، ثم مرشح الحزب الاشتراكي، بونوا هامون.
وليس سرّا أن عقودا عديدة من المطالبة بالمساواة ووقف كل أنواع التمييز، ابتدأت مع وصول ميتران للسلطة، سنة 1981، ولا تزال مستمرة، لم تُثمر عن كثير من الإنجازات.
ولهذا بات لدى الكثير من الفرنسيين، من أصول عربية، قناعة بأن الأحزاب السياسية الفرنسية، لن تفعل أكثر مما فعلت، وأنه آن الأوان كي يأخذ هؤلاء الفرنسيون مصيرَهم بأيديهم.
وهذا ما قاله لـ"العربي الجديد" القيادي في حزب أهالي الجمهورية المؤرخ يوسف بوسوماح بأن: "مختلف الأحزاب تتعامل معنا، وكأننا قاصرون. اليمين يهددنا، كل مرة بالعصا، واليسار يعاملنا بوصاية وأبويّة"، ويضيف: "لهذا السبب، فنحن في "حزب أهالي الجمهورية"، لا نرى في هذه الأحزاب سوى أحزاب كولونيالية، أو نيو-كولونيالية، وإن حضورنا في المجتمع يجب أن يكون حضوراً سياسياً".
من جهته، يقول رئيس فدرالية الجمعيات المغربية في فرنسا محمد زرولت لـ"العربي الجديد" إن تصويت الأحد، سيكون، من دون أي شك وتردد، لصالح إيمانويل ماكرون "لأن مارين لوبان تشكل خطرا على فرنسا، وعلى المهاجرين وعلى الفرنسيين من أصول عربية وأجنبية".
وأما الأكاديمي ورئيس جمعية "فرنسا فلسطين، للتضامن"، والنشط في مقاطعة المنتوجات الإسرائيلية، توفيق التهاني، والذي تلقى مؤخرا تهديدات بالقتل من قبل منظمات يهودية فرنسية متطرفة، فموقفه لا يختلف عن موقف محمد زرولت في "ضرورة إيصال الفرنسيين لممثليهم إلى البرلمان، عبر انخراط شعبي في السياسة الفرنسية". ويَرى أن "الأحزاب أو الساسة الذين يجب أن يحصلوا على أصوات الفرنسيين من أصول عربية، هم من يُناصر الحقوق العادلة للشعب الفلسطيني".
من جهته يعتبر الباحث والأكاديمي حسن المصدق أنه "لا تزال نسبة الفرنسيين من أصول عربية في مختلف الأحزاب ضئيلة جدا، وغير مؤثرة"، رغم أنه أشاد بـ"وجود عدد متزايد من الشباب والطاقات، من أصول عربية، يعملون إلى جانب أهم المرشحين في الانتخابات الرئاسية، كجان لوك ميلانشون وبونوا هامون وإيمانويل ماكرون..."، وهو "ما يعتبر دليلا على اندماج هذه النخب في الحياة السياسية الفرنسية".
اختيار المرشحين... والاندماج
وعن الأشياء التي تدفع هؤلاء إلى التصويت على هذا المرشح وليس ذاك، يقول حسن المصدق: "الأقليات الضعيفة، والفرنسيون من أصول عربية جزءٌ منها، تصوت لصالح المرشح الذي يوحي بالأمن والذي ينادي بالسلم الاجتماعي ويَعِدُ بتفهم قضايا الضعفاء وضحايا التفاوت الاجتماعي، وإيجاد حلول لها، مَهْمَا كان التوجه السياسي والأيديولوجي للمرشح". ويضيف: "حظي فرانسوا ميتران، بسبب سياسته الاجتماعية، بشعبية كبيرة، وهو اشتراكي، كما أن جاك شيراك اليميني، هو الآخر، لا يزال يحظى بتقدير كبير".
لا شيء يسمح بالقول بأن الجالية العربية غير مندمجة في المجتمع الفرنسي، فهي مهتمة بالانتخابات مثل باقي المواطنين الفرنسيين. كما أنها تشارك في كل التظاهرات التي تندد بتصاعد اليمين الفاشي والعنصري، وكانت حاضرة، بقوة، في تظاهرة فاتح مايو.
وقبل سنتين، فقط، أكد المفكر والديمغرافي الفرنسي إيمانويل تُودْ، أن الجالية العربية في فرنسا أكثرُ اندماجا في المجتمع الفرنسي من كثير من الجماعات الأخرى، بل وهي أكثر اندماجا حتى من بعض المفكرين اليمينيين، الذين لا يزالون يتحدثون عن انطوائها.
وأيضا قبل سنتين، تجرأ رئيس الحكومة الفرنسي مانويل فالس، في خطاب له شكَّل "قطيعة" دلالية، وسياسية، مع الخطابات السياسية السابقة، على وصف الأحياء الشعبية والضواحي، التي يتكدس فيها فرنسيو الدرجة الثانية، المتحدرون أصول مهاجرة، بأنها "أبرتهايد" اجتماعي وإثني، واعداً بكسره.
لكن سكان هذا "الأبرتهايد" لم ينتظروا وصف رئس الحكومة ولا وُعودَه، التي اختفت باختفائه من الحكومة، حتى يُكسّروا جدرانه، ويعلنوا أنهم فرنسيون كغيرهم.