تغوّل إدارة ترامب

25 نوفمبر 2017
غطاء ترامب لنتنياهو جعل حكومته أكثر عدوانية(حازم بدر/فرانس برس)
+ الخط -
تدلل الحقائق التي زخرت بها وسائل الإعلام الإسرائيلية والشهادات التي قدمتها النخب والتقديرات التي انتهت إليها مراكز التفكير في تل أبيب على أن صعود دونالد ترامب للحكم في الولايات المتحدة قد أحدث تحولا جوهريا على البيئة الداخلية والإقليمية والدولية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي لصالح الاحتلال. فحسب هذه الحقائق والشهادات والتقديرات، فقد اعتمدت آليات التحرك التي اعتمدها ترامب في إحداث هذا التغيير اتجاهين رئيسيين، وهما: تبني سياسة تجاه الصراع تقوم على الانحياز الفج لصالح إسرائيل ومحاولة الاستنفار بهدف تطويع الفلسطينيين وجعلهم يتعايشون مع الهوامش التي تسمح بها حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب، إلى جانب تفويض مهمة تنفيذ هذه السياسة لنخبة من غلاة التيار الديني اليهودي الأرثوذكسي في الولايات المتحدة. وكان على رأس هؤلاء جارد كوشنر، صهر ترامب، وكبير مستشاريه، والمسؤول المباشر عن إدارة ملف العلاقات الأميركية مع إسرائيل والدول العربية والسلطة الفلسطينية، وجيسون غرينبلات، مبعوث الإدارة لجهود تحقيق "التسوية"، والسفير الأميركي في تل أبيب ديفيد فريدمان، الذي يعد أيضاً عضواً فاعلاً في الطاقم المسؤول عن تصميم وتنفيذ السياسة الأميركية تجاه المنطقة. وتدل التحقيقات الاستقصائية التي زخرت بها وسائل الإعلام الإسرائيلية على أن بعض هذه الشخصيات قد تماهت بشكل مطلق مع مواقف اليمين الديني الصهيوني تطرفاً، ولعبت دوراً مباشراً في رفد بيئة الإرهاب اليهودي ضد الفلسطينيين، قبل أن تتولى المسؤوليات ضمن إدارة ترامب. فقد دلل تحقيق نشرته صحيفة "هآرتس" بتاريخ 5/12/2016، على أن كوشنر تبرع بعشرات الآلاف من الدولارات لمؤسسات في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، وضمنها مدرسة "عود يوسيف فحاي" في مستوطنة "يتسهار" القريبة من نابلس، وهي المدرسة التي ألّف اثنان من كبار الحاخامات فيها، وهما: إسحاك شابيرا ويوسيف إليتسور، المصنف الفقهي "شريعة الملك"، الذي تضمن أدلة "فقهية" تجيز قتل الأطفال الرضع العرب. ويدلل تحقيق آخر نشرته "هارتس" في 5/4/2016 على أن معظم أعضاء منظمة "شارة ثمن" الإرهابية قد تخرجوا من هذه المدرسة، وضمنهم عميرام بن أويل، الذي قام بإحراق عائلة دوابشة أواخر آب/ أغسطس 2015، وهي الجريمة التي اعتبرها مدير المدرسة الحاخام إسحاك غزنبرغ "فريضة شرعية". وكان من ضمن طلاب هذه المدرسة أيضا يونان روفني ويهودا أسرف، اللذين دانتهما محكمة إسرائيلية بإحراق عدد من الكنائس، كان آخرها كنيسة "السمك والخبز" في الجليل. وقد فاجأ ترامب حتى اليمين الإسرائيلي عندما أصر على تعيين فريدمان سفيرا في تل أبيب، على الرغم من أن أنشطته السابقة في دعم المشروع الاستيطاني في الضفة، من خلال ترؤسه جمعية تجمع التبرعات للمستوطنات، ناهيك عن أن وسائل الإعلام الإسرائيلية قد عرضت فيديو يظهر فيه وهو يشبه اليهود الذين ينتقدون إسرائيل باليهود الذين تعاونوا مع النازية عشية الحرب العالمية الثانية، كما أشارت إلى ذلك هارتس في تقرير نشرته في 6/12/2016.
وبعيد الإعلان عن فوز ترامب، وقبل توليه مهامه، عمد هو وفريقه إلى محاولة إحداث تغيير على البيئة الدولية للصراع من خلال محاولة منع إصدار قرار 2334 عن مجلس الأمن، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، الذي دان الاستيطان. فقد كشفت وسائل الإعلام الأميركية والإسرائيلية، يوم الأربعاء، أن كلا من ترامب وكوشنر اتصل في حينه بعدد من قادة الدول في محاولة لثني ممثليهم عن التصويت لصالح القرار. وقد تنافس قادة إسرائيل في كيل المديح لممثلة ترامب في الأمم المتحدة نيك هيلي، التي تصدت لكل محاولة لإدانة جرائم إسرائيل في الأراضي المحتلة، في الأمم المتحدة أو مجلس الأمن. وقد جاء قرار ترامب بالانسحاب من منظمة "اليونسكو" بسبب صدور قرارات غير مريحة لإسرائيل، وتهديده بإغلاق ممثلية منظمة التحرير في واشنطن في حال توجه الفلسطينيون لمحكمة الجنايات الدولية، ضمن التحرك الأميركي الهادف لتوفير بيئة دولية تمكن حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب من تطبيق سياساتها بأقل قدر من الممانعة الأممية. وفي الوقت الذي ساد شبه إجماع حتى داخل إسرائيل على أن حكومة نتنياهو تتحمل قسطا كبيرا من المسؤولية عن تفجر هبة الأقصى الأخيرة، فقد نقل موقع "وللا" في 1/10 عن كوشنر دفاعه عن نتنياهو وانتقاده لـ"التحريض" الفلسطيني الذي قاد إلى هذه الأحداث.
وفي ما يتعلق ببيئة الصراع الداخلية، يجزم أوري سافير، وكيل الخارجية الإسرائيلي الأسبق، في مقال نشره موقع "يسرائيل بالس" في 15/10، بأن الغطاء الذي منحه ترامب لنتنياهو جعل حكومته أكثر عدوانية ضد الفلسطينيين. وتدلل الوقائع على أن تولي ترامب مقاليد الأمور قد مثّل تحولا كبيرا في البيئة الداخلية للصراع. فبفضل الغطاء الذي تمنحه إدارة ترامب، قررت حكومة نتنياهو لأول مرة منذ 30 عاما تدشين مشروع استيطاني في قلب مدينة الخليل، التي يقطنها أكثر من 150 ألف فلسطيني، وأقرت خطة لمضاعفة عدد المستوطنين في منطقة "غور الأردن"، وكثفت الاستيطان في القدس ومحيطها، وضمن ذلك تنفيذ مشروع "E1"، الذي سيسدل الستار على أية إمكانية لتدشين دولة فلسطينية، لأنه يفصل جنوب الضفة الغربية عن شمالها.

الغطاء السعودي
يرى كثير من كبار المعلقين والباحثين في إسرائيل أن التطور الكبير الذي طرأ على العلاقات بين السعودية وإسرائيل في عهد ترامب قد حسن بشكل كبير من قدرة حكومة نتنياهو على استنفاد سياساتها العدوانية ضد الفلسطينيين. وحسب يوسي ميلمان، المعلق في صحيفة "معاريف"، فإن نتنياهو يستغل العلاقة مع الرياض لإقناع الإسرائيليين بأن إصرار حكومته على مواصلة الاحتلال وتطوير الاستيطان لا يهدد مصالح إسرائيل الحيوية. وفي تحليل نشرته الصحيفة في 14/11، اعتبر ميلمان أن تلميحات نتنياهو الدائمة إلى العلاقة مع الرياض باتت عنصراً مهماً في تكتيكه الهادف إلى "تضخيم إنجازات حكومته"، مشيرا إلى أن نتنياهو يحاجج بأن حرص السعودية على التواصل مع إسرائيل رغم مواقف حكومته من الصراع مع الفلسطينيين يدلل على أن عدم حل هذا الصراع لا يشكل تهديدا للمصالح الإسرائيلية. ولا خلاف داخل الأوساط الإسرائيلية واليهودية على أن صعود ترامب للحكم قد لعب دوراً مهمّاً ليس فقط في دفع السعودية للتقارب مع إسرائيل، بل إنه أفضى إلى تبني السعودية سياسات مريحة لحكومة اليمين المتطرف في تل أبيب. وحسب التقديريات الإسرائيلية واليهودية، فإن الكيمياء الشخصية التي نشأت بين كوشنر وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، كان لها بالغ الأثر في تعزيز العلاقات بين تل أبيب والرياض. وفي مقال نشرته "جيروزاليم بوست" في 23/11، قال مارتين أولنير، مدير عام "اتحاد اليهود المتدينين الصهاينة" في الولايات المتحدة، إن بن سلمان تحول إلى "محبوب" إسرائيل وكل الأطراف المؤيدة لها في الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن هذا التعاطف يرجع بشكل خاص إلى العلاقة التي توثقت بين بن سلمان وكوشنر. وحسب تقرير نشره "مركز يروشليم لدراسة الجمهور والدولة"، الذي يرأسه دوري غولد، بتاريخ 23/7، فقد كان لإدارة ترامب دور في إقناع السعودية بمنح حكومة نتنياهو الموافقة على تركيب البوابات الإلكترونية على مداخل المسجد الأقصى، وهي الخطوة التي فجرت هبة الأقصى الأخيرة. وحسب شهادات النخب الأمنية الإسرائيلية، فإن الفلسطينيين يقعون ضحية تعاظم التعاون الأمني والاستخباري بين إسرائيل والسعودية. ففي مقابلة نشرها موقع "جيروزاليم بوست" بتاريخ 19/11، لمّح نائب رئيس الموساد السابق الجنرال رام بن براك، إلى أن السعودية تساعد إسرائيل على القيام بجهدها الأمني في الضفة الغربية. فقد وصف بن براك التعاون الأمني والاستخباري بين السعودية وإسرائيل على النحو التالي: "عندما نتمكن من توقيف شخص ما، وفي حال زودناهم بمعلومات استخبارية تساعد على توقيف ( شخص ما)، وفي حال قمنا بجمع المعلومات الاستخبارية وعملنا معا ضد الأمور الكبيرة المتعلقة بالشيعة (من ناحية السعودية)، أو تلك المتعلقة بالعمليات (الإسرائيلية) بيهودا والسامرة (الضفة الغربية)، فهذه مساع جديرة بالاهتمام"، على حد تعبيره. ومن الواضح أن العمليات الإسرائيلية في الضفة الغربية تستهدف الفلسطينيين فقط. وحسب الشهادات الإسرائيلية، فإن السعوديين يحرصون على مساعدة إدارة ترامب على تمرير مشروع لحل الصراع يفضي عمليا إلى تصفية القضية الوطنية الفلسطينية. فحسب ما كشفه المعلق بن كاسبيت في موقع "يسرائيل بالس" بتاريخ 13/11، فإن كوشنر اتفق مع بن سلمان على تحذير الفلسطينيين وتهديدهم بالعقوبات في حال أبدوا اعتراضات على أية مبادرة تقدمها واشنطن، بغض النظر عن بنودها. وحسب ما كشفته قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية، الأحد الماضي، فقد تبين أن مبادرة ترامب العتيدة تنص على إبقاء جميع المستوطنات وعدم إخلاء أي مستوطن، وتأجيل بحث قضية القدس، وتقوم على مفهوم جديد للسيادة، يتم بموجبه احتفاظ إسرائيل بالسيادة على المستوطنات اليهودية في المناطق التي ستقام عليها الدولة الفلسطينية.
لقد دفع السلوك السعودي، واندفاع الرياض للتعاون مع تل أبيب على هذا النحو، وزير الخارجية والحرب الإسرائيلي الأسبق موشيه أرنس، إلى أن يستنتج في مقال نشرته "هارتس" في 29/5، قائلا: "السعودية غير معنية بالقضية الفلسطينية، وكل ما يعنيها الحصول على التعاون مع إسرائيل من أجل مواجهة الإرهاب".




المساهمون