خارج الواقع... عن مسلمي الغرب

07 يناير 2017
المساجد كمكان لنشاط اجتماعي أيضا كعقد القران (العربي الجديد)
+ الخط -


يستغرب بعض العرب والمسلمين، ومعهم باحثون غربيون جديون في عملهم، كل هذه الجلبة المثارة منذ أعوام عن "أسلمة الغرب". ولسان حال الطرفين يقول:" هذه أكبر الأكاذيب التي بثت... فكيف يمكن لبضعة مئات آلاف أن يقلبوا ويهزوا ثقافة أغلبية البلدان بمئات الملايين؟".

في إحدى المدن الدنماركية جلس إمام في مسجد كبير، يتسع لبضعة مئات، تتبعه مدرسة عربية معروفة في أوساط الدنماركيين بـ"الوسطية"، يخبر الحاضرين من الضيوف وهم بالعشرات و من أهل الشاب والشابة المنوي عقد قرانهما ( ويسميه الناس "كتب كتاب") بأنها المرة الأولى منذ العام الماضي التي يقام فيها عقد قران، فقد:" جرى تشويه سابق منع المسجد من القيام بهذا الأمر".

الإمام هنا هو الفلسطيني رضوان منصور "أبو لؤي". عائلته مندمجة في مجتمعها ، وأحد أبنائه رجل أمن في الشرطة. استغربت، وأنا مدعو لزفاف ابنة صديقي، أن تكون المقدمة، التي سجلتها بالصدفة، كجزء من عمل حول "كيف يتزوج المهاجرون"، بهذه النبرة المعاتبة وبحرقة كبيرة.

الإمام أبو لؤي يتحدث عن صعوبات (العربي الجديد) 


 
راح الإمام يعدد معاني أن شيخا عارفا بما يستوجبه "كتب الكتاب":" بورقة  لا تعني شيئا قانونيا رسميا، وكيف اعتبروها، بنتيجة دسائس وتسجيلات محرفة لخطب الجمعة وما يجري خلف جدارن مصليات وزوايا و مراكز( تسمى في الإعلام المحلي مساجدا)، وكأنها محاولة بناء دولة الشريعة".


وعندها ساد بعض الهمس وأسئلة منخفضة النبرة:" لما يجب أن يكون الحال على ما هو عليه؟". أكثر من طرح هذا السؤال هم من الجيل الثاني، من عرب مسلمين وجدوا أنفسهم تحت "شبهة"، طالما سُلطت على رؤوسهم تهمة:" أسلمة المجتمع". حيث تحضر السلبيات ، على قلتها، وتغيب الإيجابيات الكبيرة عن وسائل الإعلام المحلية.

خارج هذا الواقع ثمة مأساة تحت قشور الغربة، بعض أوجهها لا يتسق مع الحقيقة، وبعضها متخيل على الجانبين.

وعليه، يخرج بين فينة وأخرى ما يسمى "دراسات" وتقارير من مراكز ومعاهد أبحاث، تتحدث عن واقع المسلمين، ومنهم العرب، في دول الغرب وتصورهم وكأنهم في "سنة كذا"، وهو ما سمعته منذ 32 سنة، سيصبحون هم المسيطرون.

 الواقع الديموغرافي والحياة اليومية، والنسب المئوية، التي تقدمها تلك "الدراسات" تختلف عن الواقع المعيش لدى تلك الجاليات.

جانبا في "جاليات -العربي الجديد"، اخترنا نقل الواقع كما هو، وليس ذلك المتخيل لا في تقرير "بيو" الصادر والمحدث صيف 2016 العام الماضي، ولا عند بعض المسلمين الذين يظنون ويؤمنون بأن "القارة العجوز ستصبح قارة إسلامية". فالخطابين، على الجهتين، فيهما كثير من التشويه والتضخيم، ولو بوسائل تزوير واقحام عقل المتلقي بأرقام بعيدة عن الواقع. وهو ما يخدم الشعبوية المتنامية.

لكن، واحدة من المآسي التي يجب ذكرها، ولمواجهة عقمها ودرجة إيذاء الواقع، يتحمل مسؤوليتها بعض المسلمين والعرب، إذ أن عدم مصارحة هؤلاء قد تأخذنا إلى مصائب أكبر مما نحن عليه.

كاتب هذه السطور قالها مباشرة لأصحاب العلاقة، أئمة ومشائخ في أحاديث مباشرة:

  • ما المغزى من أن يصر البعض على تغذية رواية اليمين المتطرف بعدم الفصل بين واقع المسلمين المعيش في مجتمعات هم مواطنون فيها وعمليات قتل تتم باسم الدين، والتنظير المبكر لـ"داعش"؟
  • كيف يقع "أساتذة فقه" في فخ "محطات تلفزيونية"، بالأصل غير موجودة وإنما يرتكب باسمها انتحال دور الصحفي المسلم الآتي من فرنسا، أو شابة تقدم نفسها كمسلمة، ويصورا لهم سرا حديثا خارج الواقع أيضا " سنفتح هذه البلاد فقد وصل عددنا إلى نصف مليون الآن!". حدث هذا في برنامج "خلف جدران المساجد" الذي ضجت الدول الإسكندنافية به بعد أن وقع كثيرون في فخ الرغبات والأمنيات لا الواقع الحقيقي.
  • ما هو المقصود دائما من الإبقاء على ذهنية التحريم كالصراط المستقيم لجيل ثان يعرف ثقافته ولغته ودينه، بادخاله في دوامة تحريم الاندماج وفق فهم غير صائب على الأقل عند البعض لمسائل الاندماج.


 

لا شك  بأن نظرة سلبية مبتادلة، نتيجة ظروف موضوعية، بدأت بالتنامي بين المجتمعات الغربية ومواطنيها المسلمين، أكثر من أية ديانة أخرى.

ما ينطبق على كوبنهاغن ينطبق على عواصم دول الشمال الأخرى. فرغم أن "مركز أبحاث النرويج" على سبيل المثال يقدر العدد بحوالي 190 ألفا، ومنهم فقط 106 آلاف يعتبرون تابعين لـ"الطائفة الإسلامية" (وهي تسمية رسمية تنطبق حتى على اليهود)، يرى هذا المركز بأنهم بعد 30 سنة سيصبحون 5 ملايين، دون تقديم دلائل علمية عن كيفية حدوث هذا الانتقال المستقبلي،  آخذين بالاعتبار كل تلك الصرامة في وقف استقبال لاجئين مسلمين أصلا. 

العملية  فيها تضخيم وتهويل "تزرع التخويف"، وفقا لباحثيين منهجيين في أوسلو.

إشارة لابد منها جاءت سريعة في التقرير المنشور عن "أكاذيب أسلمة أوروبا": ما الذي يجعل العرب والمسلمين في الغرب بهذه الفرقة التي يعيشونها دون قدرة على التأثير المؤسساتي في واقعهم؟

لنأخذ المثل التالي: حين خرجت أصوات يمينية نشاز تطالب بمنع اللحم الحلال وختان الذكور، وبحملات منتظمة ومؤثرة ومستمرة، اصطدمت في آخر المطاف بالجالية اليهودية في الشمال، وهي فقط بضعة آلاف. لكنها آلاف مندمجة ومؤثرة ومتغلغة في الأحزاب والمجتمع، بينما بعض المسلمين غارقين في سؤال: الحلال والحرام في التصويت لانتخابات ، في بلد ولد أولادهم وبناتهم فيه...

ما تحدثت على انفراد مع مرجع عربي مسلم في أوروبا إلا وطرح  الأطروحات الإيجابية، لكن حين يجب أن يكون الأمر ممأسسا ترى للأسف الفرقة تدب وتفشل الجهود ومعها  الحدود الدنيا من التوافق...

المساهمون