استمع إلى الملخص
- الشركات والمحلات التجارية اضطرت لتعديل جداولها وتقليل ساعات العمل، بينما لجأ البعض إلى شراء مولدات كهربائية وأجهزة تعمل بالشحن لضمان استمرارية الأعمال.
- ظهرت روح التكيف والابتكار لدى المصريين، حيث انتعش سوق المولدات والشواحن، واستخدم البعض مصادر طاقة بديلة وحلول مبتكرة لتشغيل الأجهزة الضرورية.
يتعامل المصريون مع انقطاع التيار الكهربائي وزيادة ساعات التقنين باعتبارها حالات متجددة في حياتهم استدعت حصول تغييرات.
أحدث قطع التيار الكهربائي يومياً في مصر وتزايد فتراته وفقاً لخطة "تخفيف الأحمال" التي أعلنتها الحكومة المصرية، تغييرات جذرية في عادات وتصرفات المواطنين للتعايش مع الأزمة التي أربكت حياتهم اليومية.
وكانت الحكومة قد أعلنت في يوليو/ تموز 2023 أن الكهرباء ستُقطع لمدة ساعتين يومياً نتيجة نقص مواد توليد الطاقة من الغاز الطبيعي، ما أثار حينها غضباً شعبياً كبيراً.
وأخيراً، أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أنه تقرر تمديد فترة الانقطاع إلى ثلاث ساعات يومياً مع تزايد الاستهلاك بسبب ارتفاع درجات الحرارة. وأوضح أنه سيجري خفض الانقطاع بحلول الأسبوع الثالث من يوليو/ تموز الجاري حين تنجز الخطة المعلنة الخاصة بتوفير إمدادات وقود كاملة لمحطات توليد الكهرباء.
ومع تفاقم مشكلات انقطاع التيار الكهربائي التي شملت نواحي الحياة كافة، حاول العديد من المصريين إيجاد حلول بديلة تستجيب لظروف الطوارئ، وتمنع الأضرار الناجمة عن أزمة عدم استقرار إمدادات الكهرباء، وتضمن استمرار الحياة اليومية بشكل طبيعي بقدر الإمكان.
واللافت أن المشكلات لم تعد تقتصر على المنازل، بل امتدت إلى الشركات والمحلات التجارية التي اضطرت إلى تعديل جداولها اليومية بشكل كبير، سواء عبر تخفيض عدد العاملين في مقارّها، أو عدد ساعات العمل لمواكبة مواعيد قطع الكهرباء المتغيّرة، التي تصل إلى ثلاث ساعات يومياً أو أكثر في بعض الأحيان.
ودفع انقطاع الكهرباء المهندس مصطفى السيد (45 عاماً) الذي يعمل في شركة مقاولات، إلى تغيير نظام حياته مع أفراد أسرته. ويقول لـ"العربي الجديد": تماشياً مع جدول قطع الكهرباء غير المنتظم أصلاً، انقلب ليلنا نهاراً ونهارنا ليلاً. مثلاً اعتدنا أن نتناول وجباتنا الغذائية الثلاث في أوقات محددة للحفاظ على الصحة ومواعيد النوم، وضبط جداولنا اليومية بين العمل وأشغال المنزل ومذاكرة الأبناء وغيره، لكن كل شيء انقلب رأساً على عقب الآن، فلا مواعيد محددة للأكل، ولا للمذاكرة ولا للخروج أو لفعل أي شيء بسبب قطع التيار".
وتقول زوجته يسرا محمود لـ"العربي الجديد": "غيّرت أزمة قطع الكهرباء كل عاداتنا، فالخروج من المنزل والعودة إليه أصبحا يخضعان لجدول تخفيف الأحمال أيضاً، فسكان العمارات يضطرون إلى العودة في أوقات محددة لتجنب توقف المصاعد في أثناء قطع التيار، خصوصاً أولئك الذين يسكنون في طوابق عالية والأطفال وكبار السن".
أيضاً ألقت أزمة انقطاع الكهرباء بظلالها على المهندسة رشا السيد التي باتت تعاني من المأزق مثل غيرها من أصحاب الأعمال والمحلات التجارية. وتقول لـ"العربي الجديد": "اشتريت أجهزة تعمل بالشحن، من بينها كشافات إضاءة ومراوح وأخرى تشغّل الإنترنت لمواجهة الانقطاعات المفاجئة والمتكررة للكهرباء، ما سبّب أعباءً مالية أخرى".
تتابع رشا التي تعمل مديرة في شركة للدعاية والإعلانات في الإسكندرية: "كانت مواعيد العمل في الشركة تستمر حتى الساعة الثامنة مساءً، لكننا نعمل الآن حتى الساعة الخامسة فقط بسبب انقطاع التيار الكهربائي الذي يعطّل أعمالنا، ويلحق بنا خسائر في ظل صعوبة تعديل مواعيد العملاء".
وتخبر أنها حاولت التكيّف مع الأوضاع الجديدة للحفاظ على عملها، وقررت شراء مُولّد كهرباء ومنظم للتيار لمواجهة مشكلة تخفيف الأحمال، لكنها تراجعت بسبب صعوبات واجهتها، أبرزها غلاء الأسعار والصوت المزعج للمولد الكهربائي تحديداً، إلى جانب ضرورة توفير كميات من الوقود لتشغيله باستمرار، بخاصة مع زيادة فترات الانقطاع في المنطقة التي تقطن فيها إلى أكثر من ثلاث ساعات، علماً أن هذه المدة تزيد في مناطق أخرى.
وتقول: "اضطررت إلى اتخاذ تدابير طبقتها شركات أخرى عبر تغيير مواعيد دوامات للموظفين. وفي الوقت ذاته كان من غير المجدي مطالبتهم باستكمال الأعمال في منازلهم، باعتبار أن انقطاع الكهرباء يطاردهم هناك أيضاً. وفي بعض الأحيان أضطر إلى اصطحابهم جميعاً إلى أي مقهى أو كافتيريا لاستكمال الأعمال، ثم بمجرد قطع التيار في المقهى ننتقل إلى مقهى آخر، وهكذا".
بدوره، اضطر محمد عبد العزيز، وهو صاحب محل في وسط الإسكندرية، إلى التعايش مع الأزمة عبر شراء مولّد كهرباء للحفاظ على نشاطه التجاري في بيع الملابس الجاهزة، بعدما تعرّض لخسائر فادحة نتيجة استمرار مشكلة انقطاع الكهرباء لمدة طويلة. ويقول لـ"العربي الجديد": "ليست الكهرباء رفاهية، ويؤثر انقطاعها في نواحي الحياة كافة، واستمراره يُلحق خسائر بأصحاب الأعمال الحرة والمحلات التجارية الصغيرة، والتي تتزامن حالياً أيضاً مع معاناة المواطنين من الارتفاع الكبير في درجات الحرارة".
وبرزت محاولات المصريين لتخفيف حدّة أزمة انقطاع الكهرباء والحرارة المرتفعة خلال فصل الصيف عن طلاب الثانوية العامة، بعدما انتشرت صور لمعاناتهم وهم يدرسون تحت أضواء الشموع والكشافات. وفتحت عدة كنائس ومساجد ومقاهٍ أبوابها لهم للمذاكرة داخل قاعاتها في أوقات ومواعيد تخفيف الأحمال. واتفق بعض الطلاب على تبادل أماكن المذاكرة في منزل كل منهم وفقاً لخطة انقطاع الكهرباء بين المناطق للتخفيف من الآثار السلبية للظلام الذي يخيّم على حياتهم اليومية،
وهرباً من انقطاع الكهرباء. ويحرص علي السعدني، الطالب في جامعة الإسكندرية، على ارتياد مقاهٍ أو مراكز تجارية (مولات) في مناطق لا تنقطع فيها الكهرباء، أو تحتوي على مولدات. ويقول لـ"العربي الجديد": "لا أطيق الشعور بالحرارة أو الاستغناء عن الإنترنت طوال فترة قطع الكهرباء، وهذا ما يدفعني إلى البحث عن طرق أو حيل لاستخدام الإنترنت حتى مع انقطاع الكهرباء، وذلك باستخدام طريقة تشغيل راوتر من دون كهرباء، إذ يمكن استخدام أجهزة باور بنك لإمداد الراوتر بالطاقة اللازمة لتشغيلها من دون الحاجة إلى كهرباء".
ويؤكد المهندس أحمد غانم، عضو الغرفة التجارية في الإسكندرية، في حديثه لـ"العربي الجديد"، انتعاش سوق بيع المولدات والشواحن الكهربائية بسبب إقبال غالبية الأسر من مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية على شرائها بالتزامن مع استمرار قرار الحكومة تخفيف أحمال الكهرباء. ويلفت إلى تقديم عروض وخيارات للشراء على مواقع التواصل الاجتماعي المتخصصة في التسويق والتجارة بما يتوافق مع المتطلبات والإمكانات المادية المختلفة لكل الفئات.
ويشير إلى أن بعض المواطنين يستخدمون مصادر للطاقة البديلة مثل المولدات والمراوح المحمولة، كذلك زاد الطلب على اللمبات والكشافات والشواحن المحمولة لتلبية الاحتياجات المنزلية واستخدام خدمات الإنترنت، خصوصاً في ظل ارتفاع درجات الحرارة.
ويذكر أنه مع انقطاع الكهرباء، وخصوصاً في أوقات الليل، يتجه بعض المواطنين إلى شراء كشافات كهربائية تعمل بشكل متواصل لساعات، ومراوح تعمل بالشحن عند انقطاع الكهرباء، ويمكن إعادة شحنها، كذلك تُعَدّ المولدات الكهربائية ذات الطاقة الكبيرة اختياراً مهماً لأصحاب المنشآت التجارية".
ويقول الدكتور سيد رشاد، أستاذ الاجتماع في جامعة الإسكندرية، لـ"العربي الجديد": "لطالما اتسم المصريون بروحهم المرنة، وقدرتهم على التكيّف مع الظروف الصعبة والتغلب على التحديات، وهذا ما نراه اليوم خلال تعاملهم مع أزمة انقطاع التيار الكهربائي، فهم يلجأون بشكل طبيعي للإفادة من قاعدة أن الحاجة أم الاختراع، ويُبدعون في استخدام بدائل وحلول مختلفة تسمح لهم بمواصلة حياتهم في شكل طبيعي. هذا ما نراه اليوم من خلال استخدامهم المولدات والشواحن وغيرها من الابتكارات التي توفر الحدّ الأدنى من الخدمات الضرورية، ومن خلال إحداث ثورة في عاداتهم وأنماط عيشهم لمواكبة الظروف غير الطبيعية من قطع التيار المتكرر وغير المنتظم".