تصنع شهادة البكالوريا الحدَث في فرنسا سنوياً، هذه الشهادة "السحرية" وامتحاناتها التي تعتبر من أرقى الامتحانات، ولا يزال وهجُها حاضراً. ويُعتبَر الحصول عليها مدعاة للفخر والسعادة، حتى أن من فاتتهم تلك الشهادة من المُسنّين، رجالا ونساء، يواظبون على الامتحان كل عام حتى يحققوا هذا الحلم، ولو قُبَيل رحيلهم عن هذا العالَم.
ويواكب المجتمع الفرنسي امتحانات البكالوريا، ويستعرض الأسئلة المطروحة على التلاميذ، منذ اليوم الأول، ما يثير جدلا مشوّقاً. ثم ينتظر الجميع النتائج التي تفتح آفاقا كثيرة ومتعددة، نحو المهنة أو الدراسات العليا.
وكان من المفترض أن تصدر يوم الجمعة الماضي، نتائج كل الطلاب الذين خاضوا امتحانات البكالوريا في فرنسا لسنة 2019، التي يتنظرونها مع عائلاتهم وعامة الشعب. ولكن النزاع بين النقابات التعليمية ووزير التربية الوطنية، جان ميشيل بلانكير، بشأن قانون إصلاح الثانويات حَالَ دون ذلك. فالمدرّسون والمصححون النقابيون يعتبرون أن الوزير فرض قانون الإصلاح بالقوة، ورفضوا تسليم أوراق الامتحانات والعلامات (30 ألف نسخة من بين 4 ملايين نسخة على الصعيد الوطني)، للضغط على الوزير ودفعه للتراجع عن قراره والعودة للحوار.
وعلى الرغم من تحذيرات الوزير بفرض عقوبات مالية على هؤلاء، وهم في حدود 700 مدرس ومصحح من بين 175 ألفاً، وعلى الرغم أيضاً من استنجاده بالرأي العام الفرنسي الذي يريد ظهور نتائج الجميع في وقتها، لكن بعض الفرنسيين يتفهمون مطالب النقابات المشروعة، لذلك لن تخرج النتائج النهائية إلا ابتداءً من يوم غدٍ الاثنين.
ويشار إلى أن من أُعلِنَ عدم نجاحهم، وتلقوا رسائل هاتفية قصيرة (إس إم إس) من الوزارة تطلب منهم الحضور لأداء امتحانات شفوية استدراكية، ما بين يومي الاثنين والأربعاء، قد يكتشفون أن معدلاتهم النهائية بعد أخذ نتائج التصحيحات بعين الاعتبار، تكفي لإعفائهم من هذه الاستحقاقات الجديدة. كما أن بعض من أُعلن عن رُسوبهم، يوم الجمعة الماضي، قبل الاطلاع على نتائج التصحيحات، قد يُدعون في النهاية للمثول أمام لجان، في حال حصولهم على معدل 8 على عشرين.
فوضى كان من الأفضل تجنبها، وهنا يفكر كثير من الآباء في اللجوء إلى القضاء، لمعرفة إن كان عمل هؤلاء الأساتذة المضربين قانونياً أم لا. ولكن العلاقات غالبا ما تكون متوترة بين وزراء التربية الوطنية، والنقابات التعليمية القوية، خاصة حين يفكر وزير التربية الوطنية بإنجاز إصلاح، دون استشارة كافية مع النقابات ودون أخذ بعض مقترحاتها بعين الاعتبار. وهنا تهدد النقابات بمواصلة الإضراب مع بداية الدخول المدرسي 2019-2020.
والحقيقة أن البكالوريا الفرنسية هذه السنة لم تكن عادية، ليس فقط لأنه وقع تسريبات فيما يخص بعض مواد الرياضيات في بعض المناطق، وسيُحاكَم بسببها بعضُ التلاميذ المرشحين الضالعين مع بعض حرّاس الامتحان، إلا أن النتائج أيضاً لم تَسْلَم من الصراع الدائر بين الوزير جان ميشيل بلانكير، وبين نقابات الأساتذة المعترضين على إصلاح يرونه مدمرا للشُّعَب الدراسية، ويخل بالمساواة بين الطلبة، ويجد كثير من الطلبة أنفسهم في بعض المؤسسات التعليمية، خلافاً لآخرين، أمام خيارات محدودة بعد النجاح في البكالوريا.
وعلى الرغم من أن نسبة النجاح تعتبر مرتفعة، وبلغت هذه السنة 77.7 في المائة (ناقص 1.1 في المائة مقارنة مع سنة 2018)، قياساً مع امتحانات أخرى، إلا أن الذين لم يُوفَّقوا في الامتحان الكتابي أمامهم فرصة استدراكية شفوية، تبدأ يوم الاثنين، 8 يوليو/تموز وتنتهي الأربعاء في العاشر منه، ما يمكن أن يرفع نسبة النجاح بعض الشيء.
وفي انتظار ظهور النتائج النهائية، يجب التذكير ببعض النتائج الباهرة في بعض الثانويات الفرنسية، فالطالبة إيلويز جياكوميتي (17 عاماً)، حصلت على معدل20/20 في الثانوية الدولية في فالبورن (مقاطعة الألب ماريتيم) في السلك الاقتصادي والاجتماعي، كما نال الشاب اللبناني جورج غسان مهاوج المعدل ذاته. وهي إنجازات تكشف أن الطلبة العرب، أو الأجانب لا يقلون تفوقاً مقارنة بزملائهم الفرنسيين.
وهنا نذكّر بالطالبة الفرنسية ذات الأصول المغربية مريم بورحايل(18 عاماً)، التي حصلت سنة 2014، على أعلى معدل في البكالوريا بفرنسا في شعبة العلوم. وكانت الطالبة مريم تدرس بالثانوية الأوروبية فيلي ريفيروز، في مدينة دوماس الفرنسية، وحصلت على أعلى معدل في امتحانات الباكلوريا بفرنسا وصل إلى 21.03 على 20.