لا تزال ظاهرة التسرب المدرسي تتسع في سورية، وتدقّ معها ناقوس الخطر حول مصير عدد كبير من الأطفال يغادرون مقاعد الدراسة في سن التمدرس، ويقصدون سوق الشغل بحثاً عن مصدر دخل يغطي حاجات أسرهم، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة وموجات التهجير، بالإضافة إلى غياب تشريعات رادعة لمنع عمالة الأطفال.
وفي هذا السياق، كشف "فريق منسقو استجابة سورية" أنّ عدد الأطفال المتسربين من التعليم في مناطق شمال غرب سورية فقط وصل إلى 318 ألف شخص، بينما وصل عدد الأطفال المتسربين من التعليم في عموم سورية لنحو 2.5 مليون، متطرقا إلى جملة أسباب دفعت إلى ارتفاع معدلات التسرب من التعليم في المنطقة.
واستعرض الفريق في تقرير بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال، الذي يوافق 12 يونيو/حزيران، الأسباب وراء اتساع ظاهرة التسرب المدرسي، ومن بينها قلة عدد المدارس مقارنة بالكثافة السكانية والاتجاه نحو التعليم الخاص، والأوضاع الاقتصادية الصعبة، وغياب التشريعات من السلطات المحلية لمنع ولوج الأطفال سوق العمل وغياب الحد الأدنى للعمر القانوني، بالإضافة لاستمرار موجات النزوح والتهجير، مع اعتبار التعليم قطاعا مُهمشاً من قبل المنظمات الإنسانية المحلية والدولية وغياب الدعم الكافي لهذا القطاع.
وقال الفريق: "إن الاستمرار في هذا المنحى سيجعل من الجيل المتسرب من المدارس وغير المتعلم يعاني من الأميّة، وسيكون مستهلكا غير منتج، وبالتالي سيكون الأطفال غير المتعلمين عبئا على المجتمع".
وقد اختارت الأمم المتحدة أن يكون شعار اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال 2023 هو "تحقيق العدالة الاجتماعية للجميع. إنهاء عمل الأطفال!".
وأكدت أنه على الرغم من التقدم الكبير في معدلات الالتحاق بالمدارس في أجزاء كثيرة من العالم، فإن أكثر من 175 مليون طفل غير مسجلين في التعليم قبل الابتدائي، ويفقدون فرصة استثمارية مهمة ويعانون من عدم المساواة بشكل متأصل منذ البداية، فيما 6 من كل 10 يتركون المدرسة الابتدائية دون تحقيق الحد الأدنى من مستويات الكفاءة في القراءة والكتابة أو القيام بعملية حسابية أساسية.
"إن الطفل هو الضحية الأولى للتسرب المدرسي والعمالة"، وفق ما أوضح عمر ليلة، مدير مدرسة وعضو "مجلس فرع حلب لنقابة المعلمين السوريين الأحرار"، الذي قال لـ"العربي الجديد": "هناك عدة أسباب تدفع للتسرب المدرسي في سورية، يأتي الفقر في مقدمتها، إذ يجبر الأهالي أبناءهم على ترك مقاعد المدرسة لتأمين مصدر دخل مادي للأسرة، وبالتالي يعمل الطفل في ورشات صغيرة لتأمين هذه الحاجيات، بالإضافة إلى جهل أولياء الطلاب بأهمية العلم والتعليم بالتزامن مع موجات النزوح والتهجير التي تعرضت لها المنطقة بفعل القصف والتخريب من نظام الأسد بمناطق شمال سورية، فاضطر الأهالي لترك بيوتهم والسكن في الخيام والمخيمات التي لا توجد فيها مقومات العملية التعليمية، دون إغفال قلة إمكانات المدارس في استقطاب الطلاب وتأمين مستلزمات العملية التعليمية، ما يجبر الأهالي على عدم إلحاق أبنائهم بالمدارس لعجزهم عن تأمين الاحتياجات".
وشدد ليلة على "ضرورة مساعدة الأطفال على الخروج من دوامة التسرب، ورفع الظلم الواقع عليهم في المرحلة العمرية الصغيرة التي تجبرهم على العمل، مع ضمان عودة المهجرين والنازحين إلى بيوتهم وقراهم، وتأمين مستلزمات العملية التعليمية بشكل أفضل، من دعم بشكل جدي وملموس من قبل القائمين على الأمر في الشمال السوري، وكل هذه المقومات من شأنها أن تضمن حق الطفل في التعليم بشكل أفضل".
ودعا المتحدث أيضا إلى "توعية الأهالي بضرورة استمرار تعليم أبنائهم، وإيجاد آلية تجبر الطالب على التعليم وعدم ترك المدرسة، مثل الدعم المادي لأسر المتسربين تحت ذريعة تأمين الدخل المادي"، مشيرا إلى أنه "بهذه الحالة يتابع الأطفال دراستهم، فضلا عن وضع المعلم في صلب العملية الإصلاحية، فالمعلم الذي يمتلك الخبرة والتجربة يستطيع استقطاب الطلاب وتحفيزهم على التسلح بنور العلم"، موضحا أن "الانتقال إلى مجتمع سليم معافى لا بد أن يتم من خلال استمرار الأطفال في التعليم حتى يسهموا في بناء مجتمع متعلم قادر على تطوير نفسه والازدهار في كافة مجالات الحياة".
وأشار ليلة إلى أن أعداد الطلاب المتسربين في زيادة مطردة، وفي بعض المناطق تتراوح النسبة بين 30 إلى 50 بالمائة، وهي في ارتفاع عاما بعد آخر.
المدرس براء سالم تحدث عن مخاطر ظاهرة التسرب من التعليم، وقال لـ"العربي الجديد": "لا يخفى على أحد أن من أسباب التسرب المدرسي عمالة الأطفال نتيجة الفقر في الشمال السوري.. إن هؤلاء الصغار ضحية المجتمع إلى أن يتم تأمين حياة آمنة لهم، ووجود بشار الأسد في السلطة يهدد مستقبلهم، كما أن عمليات التهجير أفقدت الأهالي البيت والأرض، وأجبر المهجرون على العمل بكبارهم وصغارهم للمساعدة في مصروف العائلة".
وتابع سالم: "حاليا معالجة الظاهرة تتم في الخيام التعليمية والباصات، وهذا الأمر غير كاف، فالخيمة تصيب الطالب بالملل وتنفره من العودة إليها، لأنه بحاجة إلى فضاء متكامل يشجعه على التحصيل العلمي، ولهذا لابد من الالتفات بجدية إلى هذه القضية، إلى جانب تأمين فرص عمل جيدة للأهالي لتشجيعهم على تعليم أبنائهم".
طلاب يتغيبون عن الامتحانات
وفي سياق متصل، بيّنت مديرة التربية التابعة للنظام السوري في محافظة الحسكة شمال شرق سورية، إلهام صورخان، أن 1145 طالبا وطالبة تغيبوا عن امتحانات الشهادة الثانوية العامة والشرعية والمهنية أمس الإثنين، من أصل 11119 طالبا مسجلين في الامتحانات، وفق ما أوضحت صحيفة "الوطن" المقربة من النظام في تقريرها الصادر أمس.
وأوضح المدرس أحمد عبد السلام المقيم في مدينة القامشلي، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن من بين أسباب غياب الطلاب عن الامتحانات صعوبة المواصلات، فـ"هم مجبرون على قطع مسافات طويلة، والبعض منهم لا يجد مكاناً يستقر فيه، إضافة إلى فقدان بعضهم الرغبة في إجراء الامتحانات".
وفي يناير/ كانون الثاني 2021، أكد المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية في سورية مهند هادي والمدير الإقليمي لمنظمة "يونيسف" تيد شيبان، في بيان مشترك، أن "نظام التعليم في سورية يعاني من الإرهاق والنقص في التمويل، وهو نظام مجزأ ولا يوفر خدمات آمنة وعادلة ومستدامة لملايين الأطفال".