اشتهرت قرية كفر عانة الفلسطينية بمقاومة الانتداب البريطاني، واشتراك أهلها في القتال ضد الجيش البريطاني خلال الثورة الفلسطينيّة، مع أهالي قرى ومدن عدة، في الفترة ما بين 1936 و1939، والتي انتهت بتخاذل عربي، وفرض وقف القتال بحجة أن "بريطانيا صديقة العرب".
في نهاية المطاف سقطت كفر عانة كباقي القرى الفلسطينيّة في الخامس والعشرين من شهر إبريل/ نيسان من عام 1948، ويبدو جزء من القرية حالياً أرضاً خالية، وينبت في أنحاء القرية شجر الزيتون، إلى جانب أشجار السرو والكينا التي غرسها الإسرائيليون.
لم يعد هناك أي أثر للمنازل القديمة، وقد بنيت بعض الأبنية السكنية، ومنتزه صغير على الأراضي المحيطة بالقرية. كما بنيت بلدة أور يهودا الإسرائيليّة على أغلب أراضي القرية بعد النكبة.
نشر ابن القرية علي سعيد حمّاد كتاباً عن قريته، وتواصلت ابنته ريم حمّاد، المقيمة في العاصمة الأردنية عمان، مع "العربي الجديد"، لتروي قصة زيارتها إلى القرية في سبعينيات القرن الماضي، وعن ذكريات والدها بخصوص القرية في زمن النكبة، وصلة القرية بيافا، المدينة الأم، والحاضنة لجميع القرى المحيطة بها من الشرق والشمال.
ولد علي حمّاد في كفر عانة عام 1931، وتعلّم في يافا حتى يوم النكبة، وتذكر ريم أن والدها رافقها في زيارة إلى القرية عام 1976، وهناك شاهدوا بقايا البيوت الفلسطينيّة التي احتلّها المستوطنون اليهود، الذين وصلوا من العراق وسائر الدول العربيّة. ووجدوا صدفة بيت جدها لأمّها، وهو ما زال عامراً وتسكنه عائلة يهودية عراقيّة، استقبلتهم بحفاوة، وروت لهم أنها ندمت لترك بيتها في العراق، والعيش في بلاد ليست بلادها، وفي بلدة غير متطورة. وأضافت أنهم زاروا جامع القرية الذي بقي قائماً حتى عام 2015، لكنه كان مهجوراً كباقي المباني في القرية. كذلك شاهدوا أثاثاً تابعاً للجامع والمقهى المحاذي له، وكأنه ينتظر أصحابه، بالإضافة إلى شجر الصبّار الذي لم يتم اقتلاعه مثل بيوت القرية.
وتذكّرت دراسة والدها في المدرسة العامرية، في حي النزهة، في يافا، وكيف تم إعلامه هو وزملاؤه في أواسط شهر مايو/ أيار 1948 بتوقيف الدراسة بسبب الوضع الصعب في يافا، والغارات التي كانت تقع على أحيائها من جهة مستعمرة تل-أبيب، الواقعة شمالي يافا وبالقرب من حي النزهة.
وتضيف ريم حمّاد أنّ الأستاذ آنذاك طلب من طلّابه أن يعودوا إلى بيوتهم أو قراهم، لأن الوضع غير آمن، وأنهم من باب الأمن والسلامة عليهم انتظار التعليمات في حال
تحسّن الوضع. الأمر الذي لم يتحقق، إذ تهجّرت الغالبيّة العظمى من سكّان المنطقة، وبقي فيها ما يقارب الأربعة آلاف نسمة من أصل ما يقارب الثمانين ألفاً من يافا، ومائة وعشرين ألفاً في قضاء يافا، الذي ضمّ 23 قرية.
وواصلت ريم سردها عن ذاك اليوم المشؤوم، عندما عاد والدها إلى القرية وسأل عن أهله فلم يجدهم، وبحسب الناس الفارّين من هول المعارك، فقد أخبروه بأن يحاول البحث عنهم ناحية الشرق، إذ لجأ العديد من القرويين إلى مدينة اللّد التي لم تسقط حتى شهر يوليو/ تموز من العام ذاته. وبالفعل وجد عائلته في الطريق إلى المدينة، لكن والده بقي في القرية لمساندة قوات مقاومة العدوان الصهيوني. فطلب والد ريم الرجوع إلى القرية، لكن أمه أصرّت عليه بالبقاء معهم لأنهم بحاجة إلى شاب يحميهم في الطريق، وليرافقهم إلى اللّد، آملين بالعودة من بعد انتهاء الهدنة الأولى التي حصلت بين الصهاينة والعرب.
وهكذا بقي جدّها أسبوعاً كاملاً في القرية لمحاولة وقف العدوان عليها، ولكن بعد نفاد الذخيرة مثلما حصل في باقي القرى الفلسطينيّة، انسحب المقاتلون، وجدّها من بينهم، وعاد والتحق بعائلته في اللّد. لكن في شهر يوليو، سقطت اللّد والرملة، وتمّ القضاء على أمل العودة إلى القرى التي تهجّر أهلها في إبريل/ نيسان ومايو/ أيار من العام ذاته، ومن ثم انتقلت العائلة، بعد أن نجت من نيران العدوان في اللّد، إلى قرية الرنتيس، التي لم تسقط في عام النكبة، بل في عام النكسة 1967، ومن ثم إلى بير زيت والبيرة قضاء رام الله.
وأورد حماد في كتابه أبياتاً من القصيدة تعود للشاعر الراحل محمد القيسي (1945- 2003) ابن قرية كفر عانة المهجّرة منذ النكبة عام 1948، ومما جاء فيها:
وحين ابتعدتِ
ومالت على البحر شمس حكاياتنا
وغيّبك الليل عنّي
وأطبق أفق ثقيل الجناح
عرفت مدى اللوعة الحارقة
وكنت صغيراً على الحب،
لكنّني
بكيت كشيخ،
وأنت تغيمين في عربات الرحيل
ولمّا كبرت،
رسمتك في الذاكرة..