- سيتم تمويل الصندوق من منحة الدولة ورسوم التأمينات والفحص الفني والمخالفات المرورية، بهدف ضمان التغطية الصحية والتأمين ضد الحوادث والأمراض المهنية، وتوفير جراية تقاعد وبرامج دمج اقتصادي.
- تواجه العاملات الفلاحيات تحديات كبيرة، منها الحوادث المرورية، حيث وقعت 50 وفاة و700 إصابة بين 2015 و2021، مع تغطية اجتماعية لا تتجاوز 33.3%، مما يستدعي إصلاحات اجتماعية عاجلة.
ستحظى العاملات في القطاع الزراعي في تونس بحماية أكبر عبر إنشاء "صندوق الحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات" بعد تهميش اقتصادي واجتماعي، في حين تتوالى الحوادث المهنية التي تؤدّي بهنّ إلى الموت أحياناً.
في إطار مشروع قانون موازنة لعام 2025 الذي أحالته الحكومة التونسية على البرلمان، يأتي قرار إنشاء أوّل "صندوق للحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات"، من شأنه أن يضمن التغطية الاجتماعية للنساء في القطاع الزراعي، وكذلك المساعدة في تحقيق الدمج الاقتصادي في إطار نظام الحماية الاجتماعية للعاملات في القطاع الزراعي.
تمثّل النساء العاملات في القطاع الزراعي نحو 60% من اليد العاملة النشطة في هذا القطاع الذي يوفّر قوت كثير من التونسيين، غير أنّهنّ لا يتمتّعنَ بأيّ حقوق اجتماعية ولا بتأمين خاص بالصحة المهنية ولا بحوادث العمل. وكان إنشاء آلية لحماية النساء المزارعات اجتماعياً مطلباً أساسياً لـ"الديناميكية النسوية" التي تضمّ عدداً من الهيئات المدافعة عن المرأة، وكذلك للمنظمات المدنية التي طالبت بضرورة القطع مع الهشاشة الاقتصادية كما الاجتماعية للمزارعات وتوفير آليات حماية مستدامة لفائدتهنّ.
وفقاً للمشروع الذي قدّمته حكومة تونس إلى البرلمان، من المتوقّع أن يموَّل "صندوق الحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات" بمنحة مباشرة من الدولة، ومعاليم (رسوم) ستوظف على أقساط التأمينات وخدمات الفحص الفني للعربات والخطايا (المخالفات) المرورية.
يهدف "صندوق الحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات" إلى إرساء نظام لفائدة العاملات في القطاع الزارعي يضمن لهنّ التغطية الصحية والتأمين ضدّ حوادث العمل والأمراض المهنية مع جراية تقاعد، إلى جانب مساعدتهنّ في الاستفادة من برامج الدمج الاقتصادي.
يفيد مؤشّر التنمية الزراعية في تونس، الذي نشرته وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، بأنّ المرأة الريفية تمثّل نسبة 35% من مجموع النساء التونسيات ونحو 58% من اليد العاملة في الريف. لذلك فإنّ المرأة الريفية حلقة أساسية في مجال الزراعة، سواء من خلال قوة عملها أو مساهمتها في أمن البلاد الغذائي.
في هذا الإطار، تقول الناشطة النسوية، ريم بن بلقاسم، إنّ "من المهم جداً وضع آليات تساعد في تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء العاملات في القطاع الزراعي". وتوضح لـ"العربي الجديد" أنّ "إنشاء صندوق الحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات قد يرمّم شيئاً من المآسي التي عاشتها المزارعات التونسيات من جرّاء الحوادث المرتبطة بالعمل التي تعرّضنَ لها، ومن جرّاء تعرّضهنَ للعنف الاجتماعي كما الاقتصادي".
تشير بن بلقاسم إلى أنّ "إنشاء الصندوق تأخّر كثيراً، غير أنّه يبقى قراراً جيداً قد يساعد الأجيال الجديدة من العاملات في قطاع الزراعة في حفظ حقوقهنّ المهنية". تضيف أنّ "هؤلاء العاملات يتعرّضنَ للعنف الاقتصادي، ويعانينَ كذلك الظلم على مستويات عديدة"، بالتالي فإنّ "الحاجة إلى إصلاحات اجتماعية في هذا القطاع صارت أكثر إلحاحاً، من أجل ضمان المساواة والعدالة الاجتماعية وضمان مستوى عيش لائق لآلاف النساء العاملات في القطاع الزراعي". وتتابع أنّ "نقل العاملين والعاملات في القطاع الزراعي بتونس قضية اجتماعية واقتصادية تؤثّر على معيشة شريحة اجتماعية بأكملها".
تجدر الإشارة إلى أنّ عشرات العاملات في القطاع الزاعي يقعنَ سنوياً ضحايا حوادث مرور، وقد سجّل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية 50 وفاة وأكثر من 700 إصابة ذات صلة، ما بين عام 2015 وأوائل عام 2021. وبحسب إحصاءات، أُجريت ما بين عامَي 2020 و2022، سُجّل وقوع 50 ضحية في حوادث مرور، فيما وُثّق 11 حادثاً في عام 2024 الجاري، راحت ضحيتها ثماني نساء من بينهنّ قاصرة. وتُعَدّ الحوادث المرتبطة بنقل العاملات في القطاع الزراعي من أكثر ما يعرفه الناس عن المخاطر التي تهدّد هؤلاء العاملات، وذلك بفضل التغطية الإعلامية التي تُخصَّص لتلك الحوادث، بالإضافة إلى التوعية التي قامت بها جمعيات عدّة على نطاق واسع في السنوات الأخيرة في تونس.
ترى بن بلقاسم أنّ "للنساء دوراً ريادياً في تحقيق الأمن الاقتصادي للعائلات الأكثر فقراً، إذ يخصّصنَ جزءاً مهماً من دخلهنّ لتوفير الغذاء والصحة والتعليم لأفراد أسرهنّ، بما في ذلك الأطفال". لكنّ الناشطة النسوية تلفت إلى أنّ "الاعتراف الاجتماعي بدورهنّ محدود جداً، الأمر الذي أخّر لسنوات كلّ الحلول المطروحة لحمايتهنّ اجتماعياً وتوفير الحدّ الأدنى من مقوّمات الضمانة المهنية لهنّ". وتبيّن أنّ هؤلاء العاملات "لا يملكنَ إلا 4% من إجمالي مساحة الأراضي الزراعية، و17% منهنّ فقط ينتمينَ إلى فئة العمّال الثابتين. وحتى مع زيادة حضورهنّ في إطار إجمالي اليد العاملة في القطاع الزراعي، فإنّ عملهنّ يظلّ هشاً بسبب طبيعته غير المستقرّة أو الموسمية وكذلك أجره المنخفض جداً".
تطمح عاملات الريف التونسي إلى الاحتماء بمنظومات اجتماعية توفّر لهنّ الحدّ الأدنى من الضمانات الاجتماعية والصحية، وتكشف البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية أنّ نسبة 33.3% فقط من النساء الريفيات العاملات في القطاع الزراعي يتمتّعنَ بالتغطية الاجتماعية. ووفقاً للبيانات نفسها، لا يتجاوز عدد النساء الريفيات العاملات في القطاع الزراعي المنخرطات في خدمات الضمان الاجتماعي 93.5 ألف امرأة في مقابل 377 ألف رجل يعملون في المجال نفسه وينتفعون بالتغطية الاجتماعية.
في عام 2018، حاولت السلطات المعنية في تونس معالجة أزمة الحماية الاجتماعية للنساء العاملات في القطاع الزراعي تحت ضغط المنظمات المدنية، عبر إطلاق منظومة "احميني" لتسهيل تسجيل الريفيات الناشطات في القطاع الزراعي في منظومة الضمان الاجتماعي. وكان الهدف من المشروع توسيع قاعدة المنخرطات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من العاملات في القطاع الفلاحي، اللواتي يعملنَ في ظروف قاسية ولا يتمتّعنَ بالتغطية الاجتماعية، غير أنّ هذا المشروع واجه عراقيل عديدة ولم يحقّق أهدافه.