أطباء السودان... قانون لحماية "الجيش الأبيض" من الاعتداءات

05 يونيو 2020
شارك الأطباء بقوة في الثورة السودانية (أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -

مع تكرار حوادث الاعتداء على الأطباء والممرضين وغيرهم من المساعدين الطبيين، والضغوط التي مارسها هؤلاء لحمايتهم، أعلن في السودان عن قانون جديد يجرّم الاعتداءات ويقدم مرتكبيها إلى القضاء.

لأول مرة في تاريخ السودان، أجازت الحكومة، السبت الماضي، قانوناً جديداً لحماية الأطباء والكوادر والمنشآت الصحية، بعد ضغوط كبيرة قادها الأطباء، هدفها الحدّ من تنامي حالات الاعتداء عليهم من قبل ذوي المرضى ومرافقيهم. وحالات الاعتداء على الأطباء والكوادر الصحية المساعدة لهم، ليست وليدة السنوات الماضية فحسب، بل هي قديمة، لكنّها تنامت في السنوات الأخيرة أكثر من ذي قبل، كما ازدادت بعض الشيء مع بدء تفشي فيروس كورونا الجديد في مارس/ آذارالماضي في البلاد.

في نهاية مايو/ أيار الماضي، وقع حادثان هزا الوسط الطبي؛ الأول حينما نُقل مصاب بخمس طعنات سكين إلى مستشفى "أم درمان التعلميي"، غربي العاصمة الخرطوم، وبدأ الأطباء في محاولة إسعافه، لكنّه توفى في غضون 5 دقائق من وصوله إلى المستشفى لا أكثر، وهو ما قاد عدداً من مرافقيه إلى ضرب الأطباء الموجودين في الطوارئ، بمن فيهم مدير المستشفى. ورداً على ذلك، دخل الأطباء في إضراب عن العمل، وأغلق المستشفى الذي يستقبل يومياً مئات الحالات. ولم تمرّ ساعات على الحادث الأول، حتى وقع الثاني، حينما اعتدى شخص يرافق والدته المريضة على الطبيب جمال فرنسيس، داخل عيادته الخاصة بالخرطوم، فقط لأنّ الطبيب أخبره بأنّ والدته تحتاج إلى الدخول لقسم العناية المشددة في المستشفى. وقبل الحادثين بأيام، وقعت حوادث مماثلة في مستشفيات خارج الخرطوم، مثل مدينة نيالا، التي تعرّض فيها أطباء للضرب بعد وفاة مريضة أثناء إجراء عملية جراحية طارئة لها اعتقاداً من ذويها بأنّ العملية تمت من دون استشارتهم، في حين تبادل الأطباء والأسرة تحريك إجراءات قانونية، كلّ طرف ضد الآخر.

ولا يعتدي المدنيون وحدهم على الأطباء والكوادر الصحية، فمن اللافت أنّ عدداً كبيراً من الحوادث ينفذه أفراد يتبعون لقوات نظامية، سواء من الشرطة أو الأمن أو الجيش، على غرار ما حدث قبل أيام في مستشفى "الضعين"، غربي البلاد، حينما داهم أحد ضباط قوات الدعم السريع طبيباً، بعد وفاة طفله مباشرة، متهماً الطبيب بالتأخر في إسعافه من إصابات تعرض لها في حادث سير، وقد أدى الحادث الى مغادرة الأطباء المستشفى.



ومع كل حالة، غالباً ما يلجأ الأطباء في المستشفى لسلاح الإضراب، ومع تزايد الاعتداءات، قرر الأطباء، الشهر الماضي، من خلال هيئاتهم النقابية المختلفة، الدخول في إضراب عن العمل، ابتداء من الأحد ما قبل الماضي، ما أثار قلقاً كبيراً وسط المواطنيين والحكومة، خصوصاً أنّ البلاد تشهد تصاعداً في عدد الإصابات والوفيات الناتجة عن تفشي كورونا. وهو ما دفع الحكومة للاجتماع بالنقابات الطبية والتوصل معها إلى اتفاق بسنّ تشريع في مدة أقصاها أسبوع يشدد على العقوبات على المعتدين عليهم ويتخذ جملة من التدابير لحمايتهم، وذلك مقابل رفع الإضراب.

وبالفعل، عقد مجلس السيادة الانتقالي، ومجلس الوزراء، السبت الماضي، اجتماعاً مشتركاً، باعتبارهما سلطة تشريعية في ظل غياب البرلمان، وصادقا على القانون الذي أخرج بتسمية "قانون حماية الأطباء والكوادر والمنشآت الصحية لسنة 2020". وحدد القانون، الذي سيدخل حيز التنفيذ بعد نشره في الجريدة الرسمية بوزارة العدل، عقوبة السجن عشر سنوات والغرامة بحق كلّ من يعتدي جسدياً أو لفظياً على طبيب أو كادر مساعد، وبحق كلّ من يحطم أثاث المنشآت الصحية أو ينشر معلومة غير صحيحة تساهم في الاعتداءات. كذلك، نص القانون على إنشاء نيابات متخصصة في قضايا الاعتداء على الأطباء، لضمان سرعة التعاطي معها، على أن يجري تقديم المتهمين لمحاكمات فورية. وبشأن الأخطاء الطبية التي يقع فيها الأطباء، والتي قد تؤدي في بعض الأحيان إلى الوفاة، والتي كانت تعد جريمة جنائية، فإنّ القانون الجديد منح حصانة كبيرة للطبيب أثناء عمله ومنع تقديمه إلى المحاكمة بشأن خطأ طبي وقع فيه، على أن تجري المحاسبة عبر المجلس الطبي فقط.



وبمجرد إجازة القانون الجديد، قوبل بموجة من الترحيب والإشادة، بدأ بها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، الذي كتب على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي: "كما وعدنا، أعلن لشعبنا قرار إجازة قانون حماية الكوادر الطبية، والذي يهدف لحماية جيشنا الأبيض من الاعتداءات المتكررة وتحديد العقاب القانوني الرادع لها وضمان التقدير اللازم لدورهم العظيم". ووعدت الشرطة من جانبها، بتعزيز وجود عناصرها في المستشفيات الكبرى وأقسام الحوادث والطوارئ، على أن يقود ضابط برتبة رفيعة كلّ قوة لضمان إنجاح عمليات الحماية. كذلك، تعهدت الشرطة بملاحقة جميع المتهمين بالاعتداءات وتقديمهم إلى المحاكمة.

أما وزير الصحة، أكرم علي التوم، فقال إنّ إجازة القانون، تتويج لنضال الكوادر الطبية إبان العقود الماضية، من أجل تقديم خدمة أفضل للمريض والمواطن والإبقاء على خدمات صحية متطورة تحترم طالبها. وأشار إلى أنّ المصادقة كذلك جاءت من أجل الحفاظ على المرافق والمنشآت الصحية لتكون بعيدة عن يد البطش والعدوان. وأكد أنّ القانون يمثل حماية فعلية لكلّ كادر طبي يعمل في أيّ مرفق صحي. وأشار الوزير إلى خطط لتدابير إدارية أخرى تضمن للكادر الطبي خدمة علاجية له ولأسرته عبر التأمين الطبي الشامل.

من جهته، أكد المكتب الموحد للأطباء، في بيان، أنّ جوهر القانون الجديد ليس غرضه التشفي من أبناء وبنات الشعب "إنما هو وسيلة للردع ومنع وقوع الجريمة، وذلك لإقفال الباب أمام إعاقة تقديم الخدمات العلاجية". وأشار البيان إلى أنّ القانون لا يعطي الأطباء والكوادرالصحية الحصانة في الأخطاء الطبية، بل يرسم الطريق لأخذ الحقوق والمحاسبة وفق القانون، مؤكداً أنّ الاحتفاء بصدور القانون سيكون بدحر وباء كورونا وبناء نظام صحي جديد.



وفي الإطار نفسه، يقول الطبيب محمد نقد الله، المدير العام للمستشفي الأكاديمي وعضو لجنة الأطباء السودانيين، لـ"العربي الجديد"، إنّ إجازة قانون حماية الأطباء، خطوة مهمة في طريق تحقيق العدالة الاجتماعية، وبذلك يلتحق السودان بعدد من الدول التي سنّت مبكراً مثل هذا القانون. ويوضح أنّ النظام السابق لعب دوراً كبيراً في تشويه سمعة الأطباء وتصويرهم بأنّهم مجرد باحثين عن المال فضلاً عن التعتيم الذي مارسه على حالات الإعتداء والتغاضي عنها، ما أدى إلى زيادتها وانتشارها. يضيف أنّ تفعيل القانون يحتاج إلى مزيد من التوعية، مع تخصيص عناصر شرطة متخصصة مهمتها حراسة المنشآت الصحية بعدما كانت المستشفيات تلجأ إلى تشغيل عناصر أمن خاص أو التعاقد مع شركات أمنية.

يشير نقد الله إلى أنّ الاعتداءت سببها تردي النظام الصحي في البلاد في سنوات النظام السابق، وشح الدواء، وارتفاع كلفة التشخيص، وغياب أقسام الإرشاد النفسي والاجتماعي للمرضى ومرافقيهم. وهي مشاكل يجري تحميلها للأطباء لذلك تقع الاعتداءات، عدا عن عدم توفر العدد الكافي من الأطباء بسبب ضعف الأجور الذي يدفعهم إلى الهجرة. يضيف أنّه في بعض الحالات يكون هناك 50 مريضاً مقابل طبيب واحد في المرفق الصحي، معرباً عن أمله في أن يكون للقانون الجديد أثر حقيقي في الحدّ من الاعتداءات وردع المرتكبين.



لكنّ المحامي عمر كابو، يستبعد أن يحقق القانون ذلك الهدف، خصوصاً أنّ العقوبات الواردة فيه تعتريها عيوب عدة، وتتصادم مع مبادئ حقوق الإنسان، لافتاً إلى أنّ الاتجاه نحو إنشاء نيابات ومحاكم خاصة لتحقيق عدالة ناجزة، لا يتسق مع ما ذهب إليه مبدأ محاكمة المتهمين في القضاء العادي والابتعاد عن المحاكم الفورية أو الاستثنائية. يضيف كابو لـ"العربي الجديد"، أنّ القانون الجنائي لسنة 1991 كان كافياً للتعامل مع كلّ حالات الاعتداء على أيّ طبيب أو كادر صحي، مبدياً استنكاره لمنح الطبيب حصانة مطلقة تجاه الأخطاء التي يقع فيها، مشيراً إلى أنّه في حال كان هناك إهمال فاحش ومتعمد من طبيب في علاج مريض، ففي هذا الحالة لا بدّ من محاسبته جنائياً، أما إذا كان هناك خطأ طبيعي ففي هذه الحالة وحدها تجري محاسبته إدارياً عبر المجلس الطبي. يضيف أنّه بالرغم من صدور القانون، فإنّه لن يمنع لجوء المرضى أو ذويهم إلى المحاكم المدنية للمطالبة بتعويض عن أيّ قصور طبي.
دلالات
المساهمون