فاطمة الزطمة... صانعة "الآيسكريم رول" في رفح

23 يونيو 2020
تبيع البوظة بنكهات مختلفة (محمد الحجار)
+ الخط -

تحدّت الغزية فاطمة الزطمة بيئتها الاجتماعية وظروفاً كثيرة أخرى، لتفتح محلها الخاص حيث تعد وتبيع "الآيسكريم رول" في مدينة رفح. وتحلم في أن تصير فتيات بلادها رائدات.

في الشارع الرئيسي في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، وتحديداً عند حدود مخيم يبنا (الحدود الجنوبية مع مصر)، يسمع المارة صوتاً يبدو أنه ناتج عن مطرقة أو إناء. يقودهم الصوت إلى محلٍ صغير جدرانه زهرية، حيث تعد فاطمة الزطمة (24 عاماً) البوظة. وتجذبهم طريقة صنعها لها.

في نهاية مايو/ أيار الماضي، أطلقت فاطمة مشروعها في مدينة رفح لصناعة وبيع البوظة بنكهات مختلفة. وحمل المحل اسم "!It's Me"، هي التي حرصت على صنع بوظة لذيذة كما كانت تحلم منذ سنوات، لمساعدة أسرتها على مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها نتيجة مرض والديها وعدم قدرتهما على الحركة بشكل طبيعي. كما أن أشقاءها يعانون من البطالة.

تدرس فاطمة في جامعة غزة تخصص إدارة الأعمال. صحيح أنها ما زالت في السنة الأولى، إلا أنها أرادت من خلال مشروعها بدء تطبيق ما تعلمته في الجامعة على أرض الواقع، وتحسين ظروف عائلتها، وتأمين مصاريف جامعتها، وعدم انتظار الحصول على وظيفة بعد التخرج، على الرغم من الظروف القائمة والتدهور الاقتصادي نتيجة انتشار فيروس كورونا الجديد. تقول: "واجهت ظروفاً صعبة إذ لم أستطع متابعة تعليمي الجامعي. ومثل أي فتاة، كنت أحلم في العيش بشكل جيد ومتابعة تعليمي. اليوم، عدت لأقول إنني هنا، وقد ساندتني أسرتي لأنطلق في مشروعي، على الرغم من أن مدينة رفح لم تعتد على فكرة أن تعمل فتاة في إدارة محلّ لإعداد الطعام أو ما شابه، لأنها بيئة محافظة".



أعدت فاطمة دراسة للمشروع قبل إطلاقه مستفيدةً مما درسته في الجامعة إضافة إلى تشجيع أسرتها. واختارت صناعة "الآيسكريم رول" الطازجة. في البداية، وجدت صعوبة للحصول على تمويل خصوصاً أن العديد من المؤسسات لم تحصل على تمويل خارجي في ظل الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة. أخيراً، استطاعت الحصول على تمويل من خلال مشروع لجمعية "حياة"، التي وفرت لها ماكينة تبريد المثلجات.



يبدأ يوم فاطمة باكراً. تتدبّر كل أمور المنزل بسبب مرض والديها ثم تتوجه إلى السوق لشراء الفاكهة الطازجة وبعض ما قد تحتاجه لإعداد البوظة. وعند العصر، تستعد لفتح محلها الصغير برفقة شقيقها الذي يساعدها في إدارة المحل. وفي أحيان كثيرة، وخلال توجهها لفتح المحل، ترى الكثير من الزبائن، من بينهم أطفال، ينتظرونها. تقول: "شعرت بسعادة حقيقية حين بدأ يقصدني زبائن من مدينتي. بداية، قصدني البعض لتذوق البوظة فأعجبتهم، وبدأوا يدلون آخرين على محلي. ثم صار يقصدني ناشطون اجتماعيون وصحافيون وشخصيات مهمة ويتصورون معي ويدعمون تقدمي في المشروع. وبالفعل، صار الجميع يعرفني ومن كل محافظات قطاع غزة. البعض جاء من شمال قطاع غزة لزيارة أقارب له في رفح، وقصد محلي لتناول البوظة".



تصنع فاطمة البوظة بنكهات عدة. وتضع أنواعاً مختلفة من الشوكولاتة بحسب طلب الزبون، إلى جانب المكسّرات والفاكهة. من خلال عملها هذا، لاحظت أنها أصبحت اجتماعية بعدما زاد تعاملها مع الناس، وزادها قوة تشجيع أسرتها لها. وتقول إن والدها الذي رأى صورها على وسائل التواصل الاجتماعي يشعر بالفخر والاعتزاز بها. "البعض في رفح لا يحبّذ أن تُدير شابة مشروعاً لاعتبارات اجتماعية. وعادة ما تخاف العائلات كثيراً على بناتها، لكن يتوجب علينا كسر التقاليد والصور النمطية"، توضح. وتذكر أنه في يوم عملها الأول، نظر الناس إليها باستغراب كونها فتاة تعمل في صناعة وبيع البوظة. أما اليوم، فقد باتوا أكثر تقبّلاً لها. "أرغب في أن أرى الفتيات يدرن مشاريع من دون التفكير في الجانب السلبي".



تضيف فاطمة: "كبرتُ في مجتمع لم ترحمه الحروب الإسرائيلية. عشنا تحت الاحتلال الإسرائيلي وما زلت أذكر المستوطنات الإسرائيلية التي كانت قبل عام 2005. عانيت من ظروف نفسية صعبة، وكان والدي يعاني من إعاقة دائمة نتيجة بتر في ساقه اليمنى، وكسر في يده اليمنى. واليوم، وجدت نفسي مثابرة وقادرة على إنشاء مشروع قد يصبح أكبر وأكبر".



تتطلّع إلى مواصلة مشروعها بشكل أكبر وتطويره، وصنع البوظة للعديد من محافظات قطاع غزة والتنقل بينها في أيام متفرقة، وتوظيف فتيات لمساعدتها في العمل. في أحيان كثيرة، تنهي عملها في ساعة متأخرة من الليل. على الرغم من التعب، تشعر بسعادة كبيرة لأنها تمكنت من تأمين احتياجات والديها من أدوية وغير ذلك، إضافة إلى احتياجات المنزل. أكثر من ذلك، باتت أكثر ثقة في نفسها وأكثر قدرة على التعامل مع محيطها.