نساء "يوم تلات"

01 سبتمبر 2019
تنبغي مناقشة ما يقدمه الفنانون أخلاقياً (فرانس برس)
+ الخط -

انشغل كثيرون مؤخراً بأغنية المطرب المصري عمرو دياب الجديدة "يوم تلات"، وتباينت الآراء حولها، فقابلها البعض بتنويعات من السخرية من المطرب، والفكرة، والكلمات، وصولاً إلى اختيار يوم الثلاثاء، في حين عبّر آخرون عن إعجابهم بها.

لست هنا مهتماً بمستوى الكلمات أو تكرار اللحن، وإنما يعنيني بالأساس الأثر الأخلاقي لعمل فني رائج، وهو أمر مسكوت عنه عادةً بحجة رفض التعرض إلى حرية الإبداع، وهذه الفزاعة ينبغي تجاوزها لمناقشة ما يقدمه الفنانون في إطار مبادئ أخلاقية، وضمن سياق حرية الرأي، وحرية التعبير.

تكرّر الأغنية، كمثال فني، تكريس الوضع التمييزي للمرأة، وتتجاهل كلماتها أفكاراً عملت مئات النساء والرجال طيلة عقود على تثبيتها في وعي وثقافة المجتمع، مثل التعامل مع الأنثى ككيان مكافئ للذكر، وليس كائناً ناقصاً، أو إنساناً من الدرجة الثانية.

تعيد "يوم تلات" ما تداولته أعمال فنية كثيرة سابقة من عدم استهجان فئات من المجتمع، وأحياناً إعجابها، بتصرفات للذكور ما زالت محظورة على الإناث، والمثير أن كثيرات من النساء لا تلفت نظرهن تلك الفكرة كثيراً، كما لا تبدي غالبيتهن اعتراضاً على هذا النوع من التمييز.

والمستغرب أن ناشطات حقوق المرأة يخفت صوتهن كثيراً في مواجهة ما تقدمه كثير من الأعمال الفنية من إهانات للنساء، سواء على مستوى تصوير المرأة ككائن أضعف، أو أقل جدارة، أو تكريس استخدام جسدها كوسيلة للمتعة، أو تبرير هيمنة الرجال، وبعض تلك الأعمال الفنية المتهمة تقدمها نساء للأسف.

يفترض بالنساء جميعاً، وليس فقط الناشطات، استغلال كل المناسبات المتاحة للتذكير بضرورة توقف الفن ووسائل الإعلام عن التعاطي مع موضوعات الحقوق والحريات جندرياً، أو تنميط المرأة، أو منح الرجال حقوقاً أو صلاحيات أو امتيازات تحرم منها النساء.

لا أنكر أنني طالعت أصواتاً نسائية عبرت عن غضبها سابقاً من خطورة رسائل الفن والإعلام، لكنها تظل أصواتاً محدودة، وخافتة، وبالتالي لا تلقى تفاعلاً كافياً.




من بين التساؤلات التي طالعتها تعليقاً على "يوم تلات": ماذا لو أن مطربة تغنت بكلمات مشابهة؟ وأين دعاة حماية أخلاق المجتمع من تكرار تعبير الرجال عن رغباتهم الجنسية؟ ولماذا لا يرفض الجمهور المشاهير عندما يتضح أنهم بلا أخلاق؟

في رأيي أن تلك التساؤلات المتناثرة يتم طرحها على استحياء، أو بطرق ملتوية خشية من تداعياتها، كما تلجأ بعضهن إلى قصر الأزمة على كون المجتمع ذكورياً، وهو كذلك بالطبع، لكن الواقع يؤكد أن المجتمع لن يتغير طالما استمر الخوف من مواجهته بمشكلاته، وحثه على ضرورة معالجتها.
المساهمون