يبدأ العام الدراسي في قطاع غزة الفلسطيني المحاصر، اليوم الأحد، بصورة خجولة، لدى التلاميذ الذين ارتدى معظمهم الزي المدرسي القديم، وأصلحوا سراويلهم وأحذيتهم، لعدم قدرتهم على شراء الجديد
في الأيام الأخيرة شهدت الأسواق والمحلات التجارية المخصصة للملابس المدرسية والمكتبات في قطاع غزة الفلسطيني المحاصر، حركة ضعيفة جداً شبيهة بالعام الماضي، لكنّها تختلف عن بدايات أعوام دراسية سابقة لطالما شهدت نشاطاً كبيراً.
فقبل انطلاق العام الدراسي 2019- 2020 اليوم الأحد، عاش الغزيون أزمات معيشية حادة، ازدادت شدتها منذ بداية عام 2019، في ظل عدم التحسن في رواتب الموظفين التابعين للسلطة الفلسطينية في رام الله وحكومة غزة السابقة، وهم الذين تشكل رواتبهم العجلة الاقتصادية الأساسية في الأسواق الغزية، إلى جانب إغلاق عشرات المنشآت التجارية والصناعية نتيجة اشتداد الأزمات والديون على أصحابها وتوقف آلاف العمال عن أعمالهم.
تحركت بعض الجمعيات الخيرية لمساندة الأسر التي لم تجلب لأطفالها الأزياء المدرسية أو القرطاسية، لكنّ آلية التوزيع التي اقتصرت على الأسر الأشدّ فقراً المصنفة سابقاً لدى الجمعيات، قوبلت بغضب من السكان الذين اعتبروا أنّ التوزيع غير عادل كونه لم يشمل أسراً وصلت إلى الفقر مؤخراً، لا سيما أنّ موظفين عموميين كثيرين باتوا داخل السجون نتيجة عدم قدرتهم على سداد الديون العادية والقروض المصرفية.
حرمان
سيمضي بشار (13 عاماً) في الصف الثاني الإعدادي عامه الدراسي الجديد، بزيّ مدرسي قديم، وللمرة الأولى لم تتمكن والدته إيمان، من توفير المال له، بالرغم من أنّها موظفة تتبع للسلطة الفلسطينية في رام الله ولا تتقاضى سوى نصف راتبها، بسبب أزمة السلطة الفلسطينية المالية، علماً أنّ زوجها عاطل من العمل منذ عامين، وكان يعمل محاسباً في إحدى شركات غزة الكبرى التي أعلنت إفلاسها في منتصف 2017.
تقول إيمان لـ"العربي الجديد": "لا طبقة متوسطة في غزة. بدأت أرى الجميع فقراء. هذا العام سيكون أكثر الأعوام الدراسية صعوبة في غزة، كما أنّ الفقر والبطالة والمشاكل الاجتماعية ستنعكس على سلوك أبنائنا. العام الماضي تدبرت المال لشراء ما يلزم بشار وابنتيّ سعاد (6 أعوام) ودينا (8 أعوام) واليوم حرمت بشار لتأمين زيّ لسعاد ودينا كونهما الأصغر".
من جهتها، لم تؤمّن جميلة عوض الزيّ المدرسي لأبنائها الأربعة، فزوجها عاطل من العمل منذ سبعة أعوام، ولم تحصل على أيّ مساعدات من الجمعيات التي تكفلت سابقاً بمصاريف أبنائها وزيهم المدرسي، بسبب تقلص دعم الجمعيات من الخارج. تشعر بالحسرة الكبيرة، لأنّها غير قادرة حتى على توفير المصروف اليومي لأبنائها، وتعتبر أنّ هذا العام سيكون الأسوأ علي أسرتها. تقول لـ"العربي الجديد": "دائماً ما كنا نقول: لا ذنب لأبنائنا التلاميذ إن ساءت ظروفنا المعيشية، لكنّنا عجزنا الآن عن تأمين أبسط احتياجاتهم المدرسية".
مدارس "أونروا"
تعيش وكالة "أونروا" في قطاع غزة خصوصاً أزمة شديدة، فأكثر من مليون لاجئ فلسطيني في القطاع يعتمدون على معونتها الغذائية، مقارنة بما مجموعه 80 ألفاً فقط عام 2000، الى جانب البرامج الطبية والتعليمية. وقد حذر مدير عمليات "أونروا" في غزة ماتياس شمالي في نهاية يونيو/ حزيران الماضي، من احتمال إغلاق مدارس "أونروا" قبل نهاية العام الدراسي الجديد، بسبب الأزمة المالية، ووصف الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في قطاع غزة بأنّها تتجه نحو الأسوأ. وبالفعل، هناك احتمال لتقليص في عدد العاملين في الإرشاد النفسي في مدارس الوكالة، كما يشير شمالي، مبدياً قلقه بشكل أكبر على المسيرة التعليمية للتلاميذ.
لكن، بالرغم من الأزمات، قال الناطق الرسمي باسم الوكالة، سامي مشعشع، إنّ أكثر من 525 ألف تلميذ وتلميذة سيتوجهون إلى مقاعد الدراسة، داخل 711 مدرسة في مناطق العمليات الخمس؛ الضفة والقدس، وغزة، وسورية والأردن ولبنان، من بينهم 28.800 تلميذ في 274 مدرسة ابتدائية وإعدادية في قطاع غزة.
من جهتهم، يعيش المرشدون التربويون داخل مدارس "أونروا" في قلق مستمر حيال الأزمة. يقول المرشد التربوي جميل أبو راس، إنّه يعيش القلق من احتمال الاستغناء عنه وعن زملائه للتخفيف من الميزانية، وهو ما ينعكس بالسلب على التلاميذ، في ظل معايشته ظروفاً صعبة العام الماضي، مع نقص كثير من المعدات والأدوات التي تساعد التلاميذ في الخروج من الظروف النفسية المحيطة. يضيف أبو راس: "داخل المدارس هناك توجه للتخفيف عن الميزانية العامة، سواء على المعلم أو المرشد أو المدير وعلى عدد من الأنشطة، لكنّ هذا انعكس بشكل كبير على التلاميذ. وإذا لم يتحسن الوضع هذا العام سنتعامل مع مشاكل التلاميذ بالاستماع والنصائح فقط من دون تقديم الأنشطة لهم". يتابع أبو راس أنّ تلاميذ هذا العام يعايشون ظروفاً نفسية صعبة انعكست عليهم نتيجة الظروف السياسية والمعيشية، إلى جانب ملاحظته انّ عدداً كبيراً منهم يتنبؤون بمستقبل مظلم لهم عندما يكبرون في ظل النماذج التي يشاهدونها من الخريجين العاطلين من العمل، وهذا ما يقلص درجة الانتماء إلى المؤسسة التعليمية.
بدوره، يشير معلم العلوم الاجتماعية، في إحدى مدارس "أونروا" في غرب مدينة غزة، فتحي موسى، إلى أنّ تلاميذ هذا العام يحتاجون إلى أدوات تعليمية وأساليب جديدة في التعامل داخل الفصل، فخلال العام الماضي، كان في بعض الأحيان، يواجه عدم قدرة على حفظ الانضباط الصفي.
الحكومي
كذلك، تعيش المدارس الحكومية في حالة سيئة، خصوصاً أنّ المعلمين الذين يتبعون لحكومة غزة السابقة دخلوا في العام الدراسي الرابع من دون تلقي راتبهم الكامل، وسط متطلباتهم الحياتية المنزلية، إلى جانب عدم تمكن سلطات غزة من تلبية الاحتياجات اللوجستية واللوازم المدرسية الأخرى لدى 379 مدرسة حكومية للمراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية في القطاع.
يشعر المعلمون في المدارس الحكومية بالتهميش الكبير من الحكومة في غزة ورام الله، في ظل الانقسام المستمر على مدار 12 عاماً. وهكذا يعيش معلم المرحلة الثانوية لمادة العلوم، أحمد بدران، في ظروف معيشية صعبة في ظل تلقيه نصف راتبه الشهري، علماً أنّه أب لخمسة أبناء لا يستطيع تأمين احتياجاتهم. يقول بدران لـ"العربي الجديد": "المعلم الحكومي في غزة مطالب بالعطاء والالتزام ومتابعة الدروس، لكن من دون أيّ ضمان وظيفي أو تقدير، نحن فئة ضعيفة من الموظفين، نحاول ألاّ نجعل الظروف تؤثر في المستوى التعليمي للتلاميذ بالرغم من الظروف النفسية والمعيشية لدينا".
من جهته، يؤكد معلم الرياضيات، محمد راضي، أنّ المعلمين الحكوميين في غزة باتوا يعيشون ظروفاً نفسية واجتماعية صعبة، في ظل الانقسام الفلسطيني وعدم التزام الحكومة في غزة والضفة الغريبة بمطالبهم المعيشية. يقول لـ"العربي الجديد": "الحكومات الفلسطينية تريد من المعلم أن يكون رجلاً خارقاً. سئمنا من الواقع السياسي الذي يؤثر علينا. تقع على عاتق المعلم فصول دراسية كاملة، وهي أعباء كبيرة لا تقدير له تجاهها. أتمنى أن يقع أيّ تغير سياسي هذا العام، لأنّ التلاميذ يأتون محملين بمشاكلهم الأسرية والاجتماعية إلى الفصل، ولا نتمكن من ضبط جميع تصرفاتهم".
يوضح وكيل وزارة التربية والتعليم العالي بغزة، زياد ثابت، أنّ العام الدراسي الجديد يبدأ في قطاع غزة في ظل عدم معالجة مختلف القضايا التعليمية العالقة، في ظل الانقسام الفلسطيني بين وزارة التربية والتعليم في غزة والضفة الغربية. ويشير ثابت إلى أنّ الوزارة في غزة لا توظف معلمين جدداً منذ أربعة أعوام، بل تعين معلمين بنظام العقود السنوية فقط ليحصل هؤلاء على مقابل شهري ضعيف. ولا تتوفر ميزانية تشغيلية كافية لتسيير العملية التعليمية في غزة، خصوصاً أنّ الأسر تنقل أبناءها من المدارس الخاصة إلى الحكومية في ظل الأزمة المعيشية العامة. يقول لـ"العربي الجديد": "المدارس في غزة غير كافية لعدد التلاميذ الكبير، فخلال العام الماضي ازداد عدد التلاميذ 24 ألفاً، وهذا يتطلب 30 مبنى مدرسياً جديداً على الأقل. وهذا العام توجه إلى المدارس الحكومية والتابعة لأونروا، والخاصة، أكثر من 550 تلميذا".