ليست الإحصاءات الخاصة بحالات الطلاق دقيقة في سورية، لأن عقود زواج كثيرة لا تسجّل في المحاكم الشرعية، لكن لا يمكن تجاهل الأرقام المخيفة التي تكشفها هذه الإحصاءات وتأثيراتها السلبية.
وسجلت سورية خلال السنوات الأخيرة ارتفاعاً غير مسبوق في معدلات الطلاق، وانخفاضاً في عدد حالات الزواج، وكشفت إحصاءات نشرها المكتب المركزي للإحصاء في منتصف العام الحالي، عن ارتفاع نسب الطلاق إلى 12.4%، بزيادة 11% عن عام 2021، بإجمالي 46,827 حالة طلاق في عام 2022 مقابل 225,549 عقد زواج.
وتقول مصادر من دوائر الشؤون المدنية لـ"العربي الجديد": "تستند إحصاءات المكتب المركزي للإحصاء إلى سجلات المحاكم الشرعية ودوائر الشأن المدني في المحافظات، لكن لا يمكن اعتمادها باعتبارها بيانات قاطعة، لأن الظروف التي تعاني منها سورية زادت عقود الزواج المكتومة التي لا يجري تسجيلها لأسباب عدة".
وتذكر المصادر أن "أكثر من 4% من حالات الزواج تكتفي بالإشهار المجتمعي الذي قد يظل مكتوماً لسنوات، ويشمل ذلك خصوصاً الشبان المتزوجين المتخلفين عن الخدمة الإلزامية أو الفارين منها، والمطلوبين في قضايا سياسية، لأنهم يحاولون تفادي المعاملات الحكومية التي قد تكشف أوضاعهم. إحصاء حالات الزواج والطلاق شبه مستحيل في ظل الظروف السائدة، وإجراء إحصاءات أكثر دقة يتطلب تشكيل فرق جوالة لزيارة القرى والبلدات وأحياء المدن بهدف تنفيذ توثيق حي".
ويقول أحد المصادر لـ"العربي الجديد" إن "دائرة الشأن المدني في مسقط رأسه بإحدى قرى ريف دمشق سجلت 37 زواجاً و9 حالات طلاق خلال عام 2022، لكن الأرقام الحقيقية أكبر بسبب تزايد الزيجات المكتومة التي تخفى عن دوائر الأحوال المدنية والمحاكم".
وتكشف الإحصاءات الرسمية المتوافرة أن العاصمة دمشق تضم أعلى معدلات طلاق، بنسبة 33.9%، وبعدها ريف دمشق (30.9%) والسويداء (30%) والقنيطرة (29.9%) واللاذقية (28.7%) ودرعا (26.1%) وطرطوس (23.3%) وحمص (23.2%) وحماة (22.4%) وحلب (20.1%). واحتلت إدلب ودير الزور والحسكة والرقة المراكز الأربعة الأخيرة في معدلات الطلاق.
ويقول ناشط حقوقي من دمشق لـ"العربي الجديد": "كشفت دراسة أجريناها على عيّنة أشخاص في أحياء وبلدات وقرى خلال أربعة سنوات متتالية، أن معدلات الطلاق تزداد بنسبة لا تقلّ عن 2%، وأن معدلات الزواج تتناسب عكسياً مع معدلات الطلاق". وهو يربط هذا "الاعتلال الديمغرافي" بعدة عوامل، أبرزها الاقتصاد والأمن. ويقول: "تدني الحالة الاقتصادية لأكثر من 80% من الشعب السوري يدفع الشبان من الجنسين إلى الإحجام عن الزواج، فيما يشكل العامل الأمني سبباً موازياً".
يضيف: "بالنسبة للذكور، يؤدي عامل عدم الاستقرار الأمني إلى مخاوف أكبر من الإقدام على الزواج، وبالنسبة للإناث، فأغلبهنّ يبحث عن شبان غير مطلوبين للخدمة العسكرية أو لأي جهة أمنية، ومقتدرين يستطيعون تلبية رغباتهنّ المادية. وعلى صعيد ارتفاع معدلات الطلاق، فالوضع الاقتصادي الصعب من أبرز الأسباب، وهو القاسم المشترك الأكبر مع نقص معدلات الزواج، أما العامل الثاني الخطير الذي يساهم في الطلاق، فهو وسائل التواصل الاجتماعي التي تلعب دوراً كبيراً في تفكك الأسرة نتيجة إقامة الأزواج من الجنسين علاقات افتراضية تؤدي في البدء إلى طلاق نفسي، ثم إلى الطلاق الشرعي بعد تفاقم الحالة".
ويؤكد الناشط الحقوقي الذي زاول مهنة المحاماة سنوات قبل أن يتقاعد، أن "الفارق في العمر يشكل أيضاً عاملاً إذا تداخل مع العاملين الأولين، وأكثر من 80% من حالات الطلاق يحصل بسبب الفارق العمري بين الزوج والزوجة، والذي يظهر عوامل أخرى من بينها الفارق في الفكر والثقافة".
إلى ذلك، تكشف إحصاءات المكتب المركزي أن 24,710 من أصل 30,284 حالة طلاق هي لرجال أكبر سناً كثيراً من زوجاتهم، أي بنسبة 81.59% من حالات الطلاق. ويلفت الناشط الحقوقي السوري إلى أنه لاحظ خلال بحثه ومقارنته الإحصاءات الرسمية أن أكبر نسب الطلاق تحصل بين فئتين من الأزواج، هم من ينجبون أقلّ من 4 أولاد، أو الذين لم ينجبوا أولاداً بالمطلق، فالأولاد يشكلون رابطاً أكبر لردع فكرة الطلاق في المجتمعات الشرقية، رغم أن ذلك ليس قاعدة ثابتة، لكن هذا ما تشير إليه الإحصاءات الرسمية واستطلاعات الرأي.
ويوضح: "حسب أرقام المكتب المركزي، فإنه مع ازدياد عدد الأولاد تقلّ نسبة الطلاق، فنسبة 26% من المطلقين لديهم ولد واحد، فيما لا تتجاوز نسبة من لديهم أكثر من أربعة أولاد 4%".