اللشمانيا وسوء التغذية والتسممات... أمراض تجتاح المخيمات العشوائية في جنوب إدلب

22 يونيو 2019
أوضاع مأساوية لنازحي المخيمات (Getty)
+ الخط -
تنتشر في ريف مدينة معرة النعمان جنوب إدلب، عشرات المخيمات العشوائية التي تقطنها مئات العائلات النازحة والمُهجّرة من عدة محافظات ومناطق سورية، بالأخص منطقة ريف حماة الشرقي. وفي الآونة الأخيرة توافد إلى هذه المخيمات، المزيد من العائلات النازحة من ريف إدلب الجنوبي، وريف حماة الشمالي والغربي.

ويبلغ عدد المخيمات الواقعة شرق مدينة معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي، 13 مخيما عشوائيا، يقطنها قرابة 12 ألف نسمة، غالبيتهم من منطقة ريف حماة الشرقي، بعدما كانوا قد نزحوا جرّاء المعارك التي دارت بين قوات النظام من جهة وفصائل المعارضة المسلحة من جهة أخرى، إذ أفضت هذه المعارك إلى سيطرة قوات النظام على مناطقهم في العام 2017، وهذه المخيمات هي  "الطليعة"، "الفداء"، "الناعورة"، "بينين"، "النواعير"، "شرق كفروما"، "الهدى"، "سوق الغنم"، "معرشمشة"، "بابيلا"، "معصران"، "حرش الدانا"، "مخيم شرق الدانا".

وقال خالد الهويان المسؤول عن إدارة هذه المخيمات بشكل كامل، لـ"العربي الجديد": "تفتقر  المخيمات المنتشرة في ريف معرة النعمان لأبسط مقومات الحياة الطبيعية، بسبب الحر الشديد وتصدع أنابيب الصرف الصحي وقلة الغذاء وتلوث المياه، وتنتشر العديد من الأمراض بين أوساط النازحين، مثل اللشمانيا وسوء التغذية والتسمم المفاجئ لدى الأطفال والعديد من الأوبئة الأخرى، في ظل غياب أي اهتمام من الناحية الطبية وعدم تقديم خدمات من قبل المنظمات الإنسانية المنتشرة في الشمال السوري".

وأوضح أنّ الوضع المعيشي متردٍّ بشكل كبير في هذه المخيمات بشكل عام، إذ تعاني جميعها من نقص حاد في المواد الغذائية والتموينية، كما تفتقر لوجود صرف صحي جيد ومركز طبي يتابع الحالات المرضية التي تصيب النازحين والمهجرين، ويقتصر الجانب الطبي على جولات لقاح تقوم بها بعض المنظمات على فترات متباعدة جدا، وقد تصل إلى أكثر من 6 أشهر للمرة الواحدة، والطرقات المؤدية إلى خارج تجمع المخيمات هي طرق فرعية ترابية، يصعب سلوكها في فصل الشتاء بسبب تحولها لطرق طينية، يصعب حتى على السيارات والشاحنات سولكها.

ومع دخول فصل الصيف، انتشرت الكثير من أنواع الحشرات بشكل لافت، ما تسبب بأمراض جلدية مثل اللشمانيا، كما تسبب الحر الشديد وعدم تدعيم الخيم بشكل جيد بوقوع حالات كثيرة من التسمم الغذائي، نتيجة تناول أطعمة تالفة بسبب شدة الحر.

ووفقا للمسؤول ذاته، فإنّ "غالبية الخيم مهترئة قد مضى عليها أكثر من عام ونصف دون تبديل، إنه واقع صعب بكل ما تحمله الكلمة من معنى تعيشه مخيمات شرق معرة النعمان، وبالأخص بعد توافد الكثير من العائلات إليه بعد بدء عمليات التصعيد الخطيرة على ريفي حماة وإدلب".


ويعدّ "مخيم الهدى" الصغير، الواقع ضمن تجمع مخيمات ريف معرة النعمان جنوب إدلب،  نموذجا لواقع حال جميع هذه المخيمات، وتقاسمها المأساة نفسها. 

في السياق، قال أحمد العبيد الجاسم، مدير مخيم الهدى لـ"العربي الجديد": "يضم المخيم  قرابة 300 نسمة، وهو صغير تم تشييده وإقامته في بداية العام 2016، غالبية سكانه من منطقة ريف حماة الشرقي، وتوافدت العديد من العائلات إليه من ريف إدلب الجنوبي وحماة الشمالي والغربي بعد التصعيد الخطير الذي حصل، ومع دخول فصل الصيف، وفي ظل الوضع الخدمي المتردي في المخيم، بدأت تطرأ العديد من الأمراض، وتصيب فئة الأطفال بشكل أكبر، مثل اللشمانيا والتسمم الغذائي، حيث يوجد أكثر من 70 حالة مرضية حدثت بعد دخول فصل الصيف الجاري".

وأضاف "نقطع مسافات طويلة حتى نتمكن من إيصال الحالة المرضية لمشفى أو مركز طبي، بسبب عدم وجود مركز طبي قريب من المخيمات بشكل عام"، وأكد أن أسبابا كثيرة جعلت من هذه المخيمات بيئة خصبة لانتشار الأمراض، منها قلة دورات المياه، ناهيك عن انتشار القمامة والأوساخ، ما يؤدي إلى انتشار الحشرات الضارة، كما أن الخيم غالبيتها قديمة جدا ولم تعد صالحة للاستعمال، ولا يمكن حفظ أي نوع من أنواع الطعام فيها، خشية تسجيل مزيد من التسممات الغذائية، كما أن نفاد حليب الأطفال وعدم الحصول عليه من المنظمات الإنسانية، وغلاء سعره تسبب بحرمان الأطفال منه وإصابة عدد منهم بسوء تغذية.

وتابع "هذا هو الواقع في جميع مخيمات ريف معرة النعمان، كما أن الأهالي في هذا المخيم يشتكون من النقص الحاد في الغذاء ومياه الشرب، ومن حالة الصرف الصحي المتصدع، وانبعاث روائح كريهة، كل تلك المعاناة تستمر تحت مرأى ومسمع المنظمات الإنسانية والجهات المسؤولة".

من جهته، يشرح الطبيب عامر العلي ( 33عاما) من ريف حماة الشرقي، وهو أحد نازحي مخيمات ريف معرة النعمان، ويقوم بشكل تطوعي بتقديم بعض الخدمات الطبية للنازحين في هذه المخيمات، لـ"العربي الجديد" الأسباب التي جعلت من هذه الأمراض تشق طريقها إلى مخيمات ريف معرة النعمان، من خلال مشاهداته والحالات التي وقف عليها من العديد من المرضى ومن كافة الفئات العمرية.

وقال: "يمضي الآن على وجود تجمع مخيمات ريف معرة النعمان قرابة العام ونصف، وتعاني جميع العائلات في هذه المخيمات من أوضاع معيشية صعبة للغاية، بسبب التجاهل الكبير من قبل المنظمات الإنسانية لحالها، حتى أن الخيام التي مرت عليها العواصف المطرية والحر الشديد خلال هذه الفترة الطويلة، أصبحت مهترئة ولا تصلح للعيش، تصدع كبير في الصرف الصحي وغياب الخدمات بشكل كامل ونقص الغذاء والدواء، كلها أسباب ساهمت في انتشار العديد من الأمراض بين أوساط النازحين، وأنا واحد من نازحي هذه المخيمات، أقوم بشكل فردي بتقديم علاج لبعض الحالات التي تصادفني، بسبب بعد المسافة عن المشافي والمراكز الصحية وصعوبة الطرقات".

وفيما يخص مرض اللشمانيا، بيّن الطبيب أنه "في العام الماضي كانت هناك حالات إصابة بشكل أكبر من العام الجاري، ولكن بشكل عام نستطيع القول إن أكثر من 200 حالة إصابة بهذا المرض في جميع المخيمات غالبيتها من الأطفال، ويعود السبب الرئيسي لظهوره إلى ذبابة الرمل أو الذبابة البيضاء التي تتواجد في الأماكن الملوثة، وتقوم بنقل الفيروس لجسم الإنسان ليصاب بداء اللشمانيا، وتظهر عليه الأعراض بعد أقل من أسبوعين من انتقال الفيروس له".

 

أما عن سوء التغذية، فينتج حسب المتحدث عن سببين، قلة الغذاء، أو الاستمرار في تناول غذاء غير صحي يفتقر للبروتينات والمعادن، وكلتا الحالتين للأسف موجودة في جميع المخيمات التي تعيش على الدعم الهزيل، أو على أطعمة يتم شراؤها على نفقة النازح الشخصية بقيمة مادية قليلة وتفتقر عادة لجميع المكونات الأساسية للجسم، وقد وقفت خلال هذا العام على أكثر من 20 حالة من هذا النوع، ومع دخول فصل الصيف طرأ موضوع التسمم الغذائي بسبب تناول أطعمة غير صالحة للأكل، لحرارة الشمس الشديدة في الخيم غير المجهزة بشكل كامل، وأيضا تلوث الغذاء لعدم توفر كميات كبيرة من المياه النظيفة.

وأضاف "بشكل أسبوعي أعاين أكثر من حالتين أو ثلاث في تجمع مخيمات ريف معرة النعمان، للأسف لا يمكنني أو حتى عدة أطباء بشكل فردي التصدي لكل هذه الأمراض، يحتاج التجمع لوجود مشفى بشكل فوري وتقديم الرعاية الطبية بشكل متكامل للنازحين، قبل أن تتفشى الأمراض بشكل أوسع".

ويناشد نازحو مخيمات ريف معرة النعمان، جميع المنظمات الإنسانية والمؤسسات والهيئات والجهات المعنية، بضرورة النظر لحال هذا التجمع، وتزويد سكانه بما يلزم من دعم طبي وخدمي وغذائي، وتبديل الخيام ورصف الطرقات وترحيل القمامة، والحفاظ على المخيمات بشكل جيد، حتى يستمر وجودهم فيها، على اعتبار أنها باتت الحل الوحيد بسبب كثافة القصف والتصعيد الخطير على معظم قرى وبلدات ريفي إدلب وحماة.