جنوب تونس يضيق بمهاجري جنوب الصحراء

16 مايو 2019
خلال إحدى عمليات الإنقاذ (محمد خليل/ فرانس برس)
+ الخط -

لم يعد جنوب تونس قادراً على استيعاب مهاجري جنوب الصحراء. وإن كان المعنيون يقومون بواجبهم الإنساني لناحية عمليات الإنقاذ، يبدو أن هناك عدم قدرة على استيعابهم من قبل مدينة مدنين، ما يشير إلى وجود أزمة 

تحوّلت وفود المهاجرين غير النظاميّين القادمين من جنوب الصحراء، على أمل الوصول إلى أوروبا من خلال اجتياز المتوسط، إلى عبء يثقل كاهل السلطات التونسيّة، التي وجدت نفسها في مأزق. وصارت عمليات الإنقاذ الإنسانية أكثر صعوبة في ظل تزايد موجات الوافدين. ومع تنصل المنظمات الدولية من دورها وتخليها التدريجي عن مهمتها الأساسية في التعامل مع ملف المهاجرين، تجد السلطات التونسية نفسها بين خيارين أحلاهما مرّ؛ إما التخلي عن دورها الإنساني أو قبول مهاجري جنوب الصحراء الذين تعجز عن إيوائهم. 

وكان محافظ مدنين الحبيب شواط قد صرّح للصحافة المحلية قبل أيام بأنّ منطقته لم تعد قادرة على استقبال المزيد من اللاجئين والمهاجرين الذين أصبحوا يمثلون عبئاً أمنياً واجتماعياً في جهة حدودية تواجه تحديات أمنية وتستعد للموسم السياحي وزيارة كنيس الغريبة اليهودي. يضيف أنه من غير الممكن أن تستقبل ولاية مدنين بمفردها المهاجرين واللاجئين لأن الأولوية هي ضمان أمن الجهة على الرغم من أهمية الدور الإنساني، داعياً بقية الولايات والمنظمات الإنسانية إلى تقاسم هذا العبء.

وتأتي تصريحات شواط بعد وصول 16 مهاجراً غير شرعي على متن خافرة عسكرية إلى ميناء جرجيس، بعد نجاتهم من حادث غرق مركبهم في سواحل صفاقس، وغرق أكثر من سبعين آخرين.

من جهته، يوضح رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبد الكبير، لـ"العربي الجديد"، أنه "يقولون إن تونس لا يمكن أن تصبح قاعدة خلفية لإيواء المهاجرين غير النظاميين القادمين من جنوب الصحراء، والذين تكون وجهتهم الرئيسية عادة أوروبا". يضيف أن "تونس ليست أرضاً للهجرة غير النظامية. لكن موقعها الجغرافي يجعلها مرحلة من مراحل الهجرة نحو أوروبا".



ويوضح عبد الكبير أن هناك استراتيجية من قبل دول أوروبية، مثل مالطا وإيطاليا ودول أخرى لإبقاء المهاجرين في تونس حتى لا يصلوا إلى سواحلها. يضيف أن عمليات الإنقاذ الإنسانية توقفت بإرادة أوروبية، وهناك باخرة رفضتها إيطاليا ومالطا العام الماضي، وقبلت تونس إيواء مهاجريها الذين كانوا على متنها. ويشير إلى أنه في ظل تردي الأوضاع في ليبيا، فإن آلاف الأيدي العاملة فيها ستكون وجهتها أوروبا، وقلة سيعودون إلى بلدانهم. بالتالي، تصبح تونس مخيماً لاستقبال المهاجرين.

ويبين أن تونس ليست ضد العمل الإنساني، لكن الإيواء ليس حكراً على محافظة مدنين، وعلى بقية المحافظات تحمّل جزء من المسؤولية، وخصوصاً أن الجهة تستقبل المتوغلين من الحدود البرية، وأولئك الذين يأتون عبر ميناء جرجيس. ويؤكد أنه من غير المعقول أن يرسل كل من يلفظه البحر أو يقبض عليه في محافظات أخرى مثل المهدية أو صفاقس إلى مدنين، لأن الوضع أصبح صعباً. كما يؤكد أن المنظمات الدولية للهجرة تتنصل من واجباتها في ملف المهاجرين خلافاً للمفوضية السامية للمهاجرين في تونس، والتي ما زالت تقوم بعمل إنساني كبير جداً وتقدم مساعدات ملموسة.

ويشير إلى أن تونس معنية بحماية الحدود، وهناك أولويات. وفي ظل ارتفاع العدد، هناك مشاحنات بين مهاجري جنوب الصحراء الماليين والإيفواريين والصوماليين، حتى أن بعضهم يقدم هويات غير صحيحة. ويبيّن أن بعض الأشخاص يرون أن افتعال المشاكل سيسرع ترحيلهم إلى أوروبا، مؤكداً أن تونس والمرصد في صدد الحث على إنقاذ المهاجرين ولعب دور إنساني. ويتوجب على بقية الولايات أن تتقاسم هذا الجهد.

ويشير عبد الكبير إلى إيواء 16 مهاجراً إثر غرق مركب في صفاقس، ما أسفر عن وفاة 75 شخصاً أخيراً، وتقديم مساعدات طبية، لافتاً إلى العثور على مركب ثان في صفاقس على متنه 69 مهاجراً، يضم 10 نساء و3 أطفال، وقد أحيلت النساء والأطفال إلى العاصمة، والبقية ما زالوا في ميناء صفاقس، لأن مدنين لم تعد قادرة على استيعاب المزيد من المهاجرين. ويقول إنه لا بد من فتح مركز للإيواء الظرفي في صفاقس، وأن تبادر المنظمات الدولية للهجرة إلى لعب دورها. وعلى السلطات التونسية وضع خطة وطنية للتعامل مع ملف المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء.

ويؤكد المكلف بالإعلام في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، لـ"العربي الجديد"، أن "ما قاله محافظ مدنين يعكس الواقع ويشير إلى غياب خطة مركزية للتعامل مع التدفقات المحتملة من ليبيا، على الرغم من الحديث سابقاً عن مخطط طوارئ". ويتحدث عن وجود أزمة على الرغم من أن الأعداد الوافدة لا تعد كبيرة. كما يشير إلى أن حجم الأزمة بين محافظي المناطق المعنية بالملف، أي بين مدنين وصفاقس، يجعل المهاجرين ينتظرون ساعات إلى حين نقلهم.



ويكشف بن رمضان أن الحديث عن المهاجرين يبين أنهم يمثلون تهديداً للموسم السياحي والنشاط الاقتصادي، وكان من الأفضل عدم سماع تصريح كهذا من مسؤول تونسي. يضيف أن صراحة محافظ مدنين كشفت العجز الواضح في استيعاب المهاجرين على الرغم من أن دور تونس إنساني بالأساس.

يتابع بن رمضان أنه بعد إغلاق مركز الإيواء في مدنين، وزّع المهاجرون على مساكن في جرجيس وسط خدمات متردية تصعب مراقبتها أو توفير الرعاية الصحية والأغذية. ويشير إلى أن تونس قد تحولت إلى منصة إنزال رغماً عنها. لذلك على السلطات التونسية توجيه رسائل واضحة للاتحاد الأوروبي، وعليها مراجعة مسارات التعاون لمزيد من الضغط.
المساهمون