جلست غدير والدة الشهيد الفلسطيني عمر أبو ليلى قرب منزلها الذي فجّره جيش الاحتلال الإسرائيلي في بلدة الزاوية غرب سلفيت شمال الضفة الغربية، وحولها نساء البلدة لمؤازرتها، إحداهن وفور وصولها بدأت تبكي فقالت لها غدير أبو ليلى: "هذا ليس موقفاً للبكاء".
ووجّهت أمّ عمر كلامها لعدد من كاميرات الصحافيين قائلة: "على والدة كل شهيد أن تصبر على أي انتقام من الاحتلال الإسرائيلي، أنا أقول لهم فشلتم في قهرنا، وإن ظننتم أن هدم منازلنا سيحقق لكم ذلك فإنكم مخطئون، لن تقهروني، وسأظل صامدة وعزيمتي قوية أنا وجميع عائلتي، ليفعلوا ما يريدون آخر همي هدم المنزل، وعمر شهيد ينتظرني في الجنة، الله يرضى عليك يا عمر، هم يحبون الدنيا، ونحن نحب الآخرة، وهمي الآخرة، وإن شاء الله تتحرر فلسطين منهم ويأتي أمثال عمر لكي يحرروها".
وكان عمر أبو ليلى قد نفذ عملية مُركبة نوعية على مفترق مستوطنة أريئيل المقامة على أراضي سلفيت، طعن خلالها جنديا إسرائيليا واستولى على سلاحه وأطلق النار على جنود ومستوطنين آخرين، ثم استولى على مركبة إسرائيلية، وأسفرت العملية عن قتيلين في صفوف الاحتلال، وكان استشهد في 19 مارس/ آذار 2019، في منزل بقرية عبوين شمال رام الله وسط الضفة، باشتباك مع جيش الاحتلال بعد ثلاثة أيام من تنفيذه العملية.
انسحاب جيبات وآليات الاحتلال التي فاق عددها ثلاثين آلية بعد هدم منزل أسرته، كان على شكل سرب طويل من المركبات العسكرية، وفي تلك اللحظة توافد أهالي الزاوية إلى المنزل المهدوم، محاولين إزالة بعض الركام الذي قد يشكل خطرا على من يقترب منه، فجيش الاحتلال فجر مرتين الطابق الثاني الذي تقطن به عائلة أبو ليلى وبقيت الكثير من الحجارة معلقة وشاهدة.
وقال رئيس بلدية الزاوية نعيم شقير لـ"العربي الجديد": إن "جيش الاحتلال أخلى في وقت متأخر من ليلة أمس، جميع المنازل المجاورة واحتجز سكانها في ساحة مدرسة مجاورة، وبدأت قوات الاحتلال بالهدم اليدوي لجدران منزل عائلة الشهيد عمر أبو ليلى، وهو شقة تقع في الطابق الثاني من بناية سكنية، وفي تمام الساعة السادسة صباحا بالتوقيت المحلي فجرت قوات الاحتلال شقة عائلة الشهيد، ثم قامت بتفجيرها مرة أخرى في حدود الساعة السابعة صباحا، هدمت الشقة السكنية بالكامل وتأثرت شقة جدة الشهيد عمر في الطابق الأرضي، ومنزل مجاور بتشققات واضحة للعيان نتيجة التفجير".
وأشار شقير إلى أن عملية الاقتحام للزاوية وهدم منزل عائلة الشهيد تزامن مع اندلاع مواجهات ما بين الشبان وقوات الاحتلال، ما أوقع إصابة بجروح بالرصاص الحي والعديد من الإصابات بحالات اختناق تمت معالجتها ميدانيا. ومن بين المصابين الصحافي محمد السايح الذي أصيب بالاختناق خلال تغطيته للأحداث.
أمين أبو ليلى، والد الشهيد عمر كرر رسالة زوجته قائلا: "إذا هدموا المنزل، فإنهم لن يهدموا عزيمتنا، والحمد الله، عمر ذلهم بحياته، والمنزل لا يساوي شيئا، وعزيمتنا أقوى منهم".
وردا على سؤاله أين سيسكن، أجاب والد عمر بأنه مؤقتا سيقطن في منزل لشقيقه، وتدخلت والدته الكبيرة في السن لتقول: "أنا أضعه في عيني، منزلي ومنازلنا جميعا له ولأسرته".
أما رئيس البلدية نعيم شقير فأكد أن مبادرة مجتمعية من المجلس البلدي والمجالس البلدية والقروية في محافظة سلفيت، إضافة لحركة فتح، بدأت اليوم لكي لا يترك ذوو الشهيد دون منزل، والتحضيرات بدأت منذ اليوم لتجهيز وتجريف الأرض التي سيقام عليها المنزل الجديد برعاية الخيرين، لتكريس فكرة التكافل الاجتماعي.
ومازالت عائلة الشهيد عمر تنتظر جثمان ابنها المحتجز، إذ طالب والده بضرورة الضغط على الاحتلال لتسليم الجثمان ودفنه على الطريقة والطقوس الدينية الإسلامية، وأن لا يقوم الاحتلال بدفنه بما يعرف بمقابر الأرقام. فيما يواصل الاحتلال احتجاز جثامين 42 شهيدا منذ العام 2015، بحسب إفادة منسقة الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء والكشف عن مصير المفقودين سلوى حماد في حديث لـ"لعربي الجديد"، أقدمهم الشهيد عبد الحميد أبو سرور من بيت لحم والمحتجز منذ 18 إبريل/ نيسان 2016.