فساد يحرم العراق الارتواء

22 مارس 2019
هنا ثمّة مياه صالحة للشرب (فاضل سنّا/ فرانس برس)
+ الخط -
يشكو العراقيون من انقطاع المياه الذي يصل في بعض مناطق العراق إلى ساعات طويلة يومياً، بينما تغيب لأيام في أخرى. وأزمة المياه تشتدّ في خلال الصيف، وتترافق مع انقطاع التيار الكهربائي في وقت تتخطّى الحرارة 50 درجة مئوية. بالنسبة إلى العراقيين، يفضلون أن تصلهم مياه غير نقيّة عبر الأنابيب الحكومية المتهالكة والتي يفوق عمر بعضها 80 عاماً، على أن تنقطع عنهم.

حسن الربيعي، مسؤول بلدي في قاطع شمال بغداد، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "أسباباً محدّدة تقف وراء انقطاع المياه عن أحياء في داخل بغداد، منها قدم الأنابيب الناقلة للمياه وتعرّضها للتلف، وذلك يتطلّب إصلاحها باستمرار. كذلك يأتي التجاوز على شبكات الأنابيب من قبل مواطنين، بهدف الحصول على المياه بطرق غير قانونية". يضيف: "أمّا السبب الأبرز فهو انقطاع التيار الكهربائي نتيجة تعرّض الشبكة الوطنية للكهرباء لأحمال زائدة في فصل الصيف في ظل ارتفاع درجات الحرارة التي تجبر المواطنين على استخدام أجهزة التبريد. بالتالي يتوقّف ضخ المياه عبر شبكة الأنابيب إلى الأحياء السكنية حيث تعمل مضخات المياه بالطاقة الكهربائية".




ويرى الربيعي أنّ "كل الحلول في الوقت الحالي غير مجدية، لأنّها ترقيعية"، موضحاً أنّ "الحل الأمثل لمشكلة انقطاع المياه ولمشكلات البلد كلها هو القضاء على الفساد"، مؤكداً أنّ "الفساد يقف وراء ما يعانيه المواطن العراقي منذ عام 2003". ويتابع أنّ "ملايين الدولارات أنفقت على مشاريع وهمية وأعمال لا ترتقي إلى المهنية تحت عنوان إصلاح وتجديد شبكات المياه الصالحة للشرب". ويشير الربيعي إلى أنّ "هذه المشاريع يطاولها الفساد نفسه المتغلغل في مشاريع الكهرباء. ثمّة جهات سياسية وشخصيات نافذة منتفعة من بقاء الحال على ما هي عليه، لأنّ الأمر يدرّ عليها أموالاً طائلة من خلال مشاريع عدّة تتعلق بإصلاح شبكات قديمة ومدّ أخرى جديدة. والمواطن لا ينتفع من أيّ منها، في حين أنّ أموالها تذهب إلى جيوب الفاسدين".

شهد العام الماضي، 2018، غضباً كبيراً من قبل المواطنين على خلفية نقص في الخدمات وانقطاع المياه والكهرباء، ولعلّ الاحتجاج الأكبر شهدته محافظة البصرة (جنوب). وقد نتجت عنه صدامات انتهت بسقوط قتلى وعدد كبير من الجرحى، بالإضافة إلى اعتقال القوات الأمنية مجموعة من المحتجين. ويتوقّع ناشطون عراقيون أن تنظّم احتجاجات في الصيف المقبل، لا تقل حجماً عن التي عرفتها البلاد في العام الماضي في حال بقيت الحال على ما هي عليه ولم تتّخذ الجهات الحكومية أيّ إجراءات لتوفير المياه الصالحة للشرب للسكان وكذلك الكهرباء.

من جهته، علي عبد الحسن، وهو ناشط في أعمال الإغاثة وأحد أعضاء تنسيقية تظاهرات بغداد، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الخوف الحكومي من ارتفاع حدّة الغضب الجماهيري كان وراء قمع الاحتجاجات في البصرة في العام الماضي"، مؤكداً أنّ "الجهات الرسمية تدخلت من خلال زعماء قبائل وشخصيات يحظون بقبول العراقيين ونجحت من خلالهم في إخماد الغضب الشعبي بعدما تعهدت بإصلاحات وبتقديم خدمات". يضيف أنّ "تلك الإصلاحات كانت آنية، فوُفّرت من خلالها المياه وقُلّصت ساعات انقطاع التيار الكهربائي. أمّا في حقيقة الأمر، فلم تكن الإصلاحات جذرية، وهذا يعني أنّ الأزمة سوف تعود من جديد في خلال الصيف المقبل. سوف تزداد أحمال الكهرباء على الشبكة، وهو ما يؤدّي إلى زيادة عدد ساعات انقطاع الكهرباء لتصل إلى عشرين في اليوم، ما يعني انقطاع المياه عن السكان. وهي حال لن يسكت الناس أمامها". ويتابع عبد الحسن أنّه "في العام الماضي، عمدت وزارة الداخلية وجهات مدنية إلى توزيع المياه عبر خزانات متنقلة في المناطق التي قُطعت عنها المياه. وهذه عادة تدخّلات تتمّ في حال وقوع كوارث مثل الزلازل، أي إنّها حلول مؤقتة".

وكان وزير الداخلية السابق قاسم الأعرجي قد طلب من مديرية الدفاع المدني في صيف العام الماضي العمل على توفير المياه الصالحة للشرب ونقلها في مركبات خاصة إلى المناطق التي تعاني من شحّ المياه، بعد مناشدات أهالي تلك المناطق عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. يُذكر أنّ تلك المناطق بمعظمها تقع في أطراف بغداد الشمالية والجنوبية والشرقية.




يقول صادق عبد الواحد، وهو من سكان حيّ الحسينية شماليّ العاصمة بغداد، إنّه وجيرانه وسكان حيّهم جميعاً يدركون أنّ المياه الواصلة إلى مساكنهم غير صالحة للشرب، لكنّهم يستخدمونها على الرغم من ذلك، ويشربونها بمعظمهم. يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "منطقتنا تعدّ من المناطق المكتظة بالسكان وهي معروفة بأنّها مدينة الفقراء. أهلها بمعظمهم من العمّال البسطاء الذين يحصلون على أجر يومي يؤمّنون به قوتهم، ويحرمون عوائلهم من حاجات مهمة كثيرة". ويتابع عبد الواحد الذي يعمل في مشتل، أنّ "الناس هنا يشربون مياه الإسالة (الواردة عبر شبكات المياه الحكومية)، إذ إنّهم غير قادرين على تحمّل تكلفة المياه المعبّأة النقية".
المساهمون