العدالة البيئية... أميركيون يتحدّون ترامب من أجل المناخ

07 نوفمبر 2019
لا بدّ من التحرّك سريعاً (جون لامبارسكي/ Getty)
+ الخط -

لم يتمكّن الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الانسحاب من اتفاق باريس بشأن المناخ مباشرة بعد انتخابه، بسبب قواعد الاتفاق التي ألزمته الانتظار حتى الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري.

أخطرت الولايات المتحدة الأميركية، رسمياً عبر وزير خارجيتها مايك بومبيو، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بانسحابها من اتفاق باريس بشأن المناخ، الإثنين الماضي. وتأتي هذه الخطوة تنفيذاً للتعهّد الذي قام به الرئيس الأميركي دونالد ترامب عند تولّيه رئاسة البلاد في عام 2017، علماً أنّ هذا الانسحاب يصير ساري المفعول بعد عام واحد من الإخطار، أي في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2020 وهو اليوم التالي لانتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة. وكان المتنافسون من الحزب الديمقراطي على الرئاسة الأميركية قد أعلنوا عن نيّتهم العودة إلى الاتفاق في حال فوزهم، لا بل المتنافسون جميعاً، باستثناء جو بايدن، نائب الرئيس الأميركي، أعلنوا عن ضرورة العمل على خطط وبرامج تأخذ بعين الاعتبار "العدالة البيئية". ويُقصد بتلك العدالة تبنّي سياسات لا تعمل على مكافحة التغيّر المناخي والاحتباس الحراري والحدّ منهما فحسب، بل كذلك على إطار يعالج الظلم السياسي الاجتماعي الذي تعانيه الطبقات الفقيرة والأقليات، خصوصاً أنّها تتحمل العبء الأكبر من تبعات التغيّر المناخي والتلوّث البيئي. فثمّة مناطق أكثر تلوّثاً مع بنية تحتية هشّة، على خلفيّة سياسات التمييز التي يعانيها الفقراء والأقليات، حتى في الدول الصناعية. ويحاول هذا التوجّه الأخذ بعين الاعتبار الظلم التاريخي الاجتماعي السياسي ومحاولة تصويبه عن طريق تطوير تلك المناطق اقتصادياً واجتماعياً وإعطائها أولوية في المشاريع والتخطيط، إلى جانب خفض نسبة التلوّث وتوفير طاقة نظيفة والعمل على إفادتها من خلال تحسين البنية التحتية وخلق فرص عمل جديدة وما إلى ذلك. وسوف يحتاج الرئيس الجديد، إذا كان ديمقراطياً، إلى نحو شهر للانضمام من جديد إلى الاتفاق. لكنّ الخبراء يحذّرون من الاستهانة بالموضوع، لأنّ تنفيذ البنود المتعلقة باتفاق باريس يحتاج إلى وقت ومال وتنسيق دولي وتغييرات جذرية يتطلّب العمل عليها أعواماً.




وكان اتفاق باريس بشأن المناخ قد اعتُمد في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2015، ووقّعت عليه 195 دولة عضواً في الأمم المتحدة، باستثناء سورية ونيكاراغوا. والاتفاق يدخل حيّز التنفيذ ويصير ملزماً، على أقلّ تقدير في عدد لا بأس به من بنوده، عندما تودع الدولة المعنيّة صكوك تصديقها أو قبولها أو انضمامها إلى الاتفاق عند الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس مثلما تنصّ المادتان 25 و29 من الاتفاق. وقد التزمت الأغلبية الساحقة من الدول الموقّعة بذلك، باستثناء عشر معظمها من الشرق الأوسط، فهي لم تودع حتى الآن صكوك قبولها على الرغم من توقيعها على الاتفاق. ومن خلال الإخطار الذي وُجّه إلى غوتيريس، تكون الولايات المتحدة الدولة الأولى التي تنسحب من الاتفاق بعدما وقعت عليه وأودعت صك قبولها لدى الأمين العام للأمم المتحدة في الثالث من سبتمبر/ أيلول من عام 2016، خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. ويبرّر ترامب قراره بالانسحاب بأنّ الاتفاق يرتّب "عبئاً اقتصادياً ويوقع ظلماً على العمّال الأميركيين والشركات، وكذلك دافعي الضرائب في الولايات المتحدة". يُذكر أنّ من بين أهداف اتفاق باريس بشأن المناخ، الذي يُشار إليه كذلك باسم "كوب 21"، الحدّ من الارتفاع المستمر في درجات حرارة الأرض، عبر خفض انبعاثات الغازات الدفيئة، وخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وتقديم المساعدات المناخية المادية إلى الدول النامية والمتضررة من التلوث البيئي الذي سبّبته الدول الصناعية والمتطوّرة.

مناهضة للوقود الأحفوري في نيويورك (أنجيلا فايس/ فرانس برس)

في مقابل تعنّت ترامب وإنكار وجود تغيّر مناخي ومشكلات بيئية حقيقية في الولايات المتحدة كما في باقي الدول، فإنّ عدداً من الولايات والمدن والشركات اتّخذ قراراً بالبقاء ملتزمة ببنود الاتفاق المتعلقة بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة وخفض درجة الحرارة وغيرها. ومن بينها مدينة نيويورك وهي أكبر مدينة أميركية، وولاية كاليفورنيا التي يوازي اقتصادها حجم اقتصاد دول أوروبية. ويُسجّل تنسيق على أكثر من مستوى لتطبيق بنود اتفاق باريس بشأن المناخ، ومن بين المنظمات أو الاتحادات المعنيّة "التحالف من أجل المناخ في الولايات المتحدة" الذي يضمّ حكام 25 ولاية أميركية يعيش فيها أكثر من نصف سكان البلاد. وتحاول تلك الولايات كما المدن خلق تكنولوجيا نظيفة والتكيّف مع اقتصاد خال من الكربون والعمل على إبقاء متوسط ارتفاع درجة حرارة الأرض أقلّ من درجتَين مئويتَين، الأمر الذي يؤدّي إلى تقليص انبعاثات الغازات الدفيئة من 40 إلى 70 في المائة بحلول عام 2050، بحسب ما نصّ عليه اتفاق باريس بشأن المناخ، وهو ما يعني التخلّي تدريجياً عن الوقود الأحفوري وغيره.

تجدر الإشارة إلى أنّ النظام الفدرالي في الولايات المتحدة الأميركية يسمح للولايات بقدر كبير من الاستقلالية، وهو ما يمكّنها من تحقيق أهداف معيّنة من دون العودة بالضرورة إلى الحكومة الفدرالية، غير أنّ الأمور تبقى على المستوى التطبيقي أكثر صعوبة، لا سيّما أنّ ذلك يستوجب تنسيقاً بين الولايات على المستوى الفدرالي ودعماً من الحكومة الفدرالية لضمان الاستمرارية وإعطاءها زخماً دولياً لأنّ الولايات المتحدة ليست الدولة الوحيدة المسؤولة عن الاحتباس الحراري والتلوّث البيئي، فالصين تُعد اليوم الملوّث الأكبر. ومن المتوقع أن يحتلّ موضوع المناخ حيّزاً مهماً في الحملة الانتخابية، فيضطر بالتالي الحزب الجمهوري إلى التعامل مع قضية التغيّر المناخي كجزء من أجندته والقبول بوجودها على الأقل لدى بعض سياسيي الحزب في بعض الولايات.



وتزامناً مع الإعلان الأميركي بالانسحاب من اتفاق باريس بشأن المناخ، أصدر 11 ألف باحث وعالم متخصص في المناخ والبيئة من 153 دولة بياناً يعلنون فيه حالة الطوارئ، نشر في مجلة "بايوساينس". وقد أكّد هؤلاء أنّهم ينطلقون من التزام أخلاقي يحتّم عليهم تحذير البشرية من الكوارث المقبلة والتحدّث بوضوح وصراحة عن حالة الطوارئ التي يواجهها كوكب الأرض. وأشاروا إلى خطوات سلبية، منها ارتفاع مستوى استهلاك اللحوم والتنقّل جوّاً وقطع أشجار الغابات بوتيرة لا سابق لها مع ازدياد انبعاثات أوّل أكسيد الكربون. وقد ركّز بيانهم على ستّة أهداف هي: الاتجاه نحو بدائل للوقود الأحفوري، وخفض الملوّثات مثل غاز الميثان، وإعادة تأهيل المنظومة البيئية وحمايتها، وخفض استهلاك اللحوم، والسيطرة على النموّ السكاني، والتحوّل إلى اقتصاد لا يعتمد على الكربون. وذكّر البيان بأنّه على الرغم من المستجدات السلبية والأعراض المقلقة، فالأمر ما زال قائماً وثمّة إمكانية لإنقاذ الكوكب و"الإبقاء على الحياة على الأرض... وطننا الوحيد".
المساهمون