سهيلة النجار... تربية المواشي منذ الصغر في غزة

15 نوفمبر 2019
هذا رزقي... (محمد الحجار)
+ الخط -
في صباح كلّ يوم أحد، منذ عشرات الأعوام، تقصد سهيلة أحمد النجار البالغة من العمر 62 عاماً سوق المواشي في خان يونس، جنوبي قطاع غزة. وكانت المرأة الستينية قد بدأت ترعى الأغنام قبل 46 عاماً، في بلدة خزاعة جنوب شرقي القطاع المحاصر، مذ تزوّجت إبراهيم النجار (64 عاماً) وهي في السادسة عشرة من عمرها. ونشاط سهيلة يتنوّع، فهي تصنّع الأجبان والألبان، إلى جانب البيع والشراء، بذلك تساند أبناءها العاطلين من العمل وزوجها المصاب بسرطان الغدة الدرقية.

ووالد سهيلة كان مختار عائلة النجار في بلدة خزاعة، وكان مربّي أبقار ومتاجراً بها، ولحّاماً أيضاً، وهي كانت ترافقه مذ كانت تبلغ من العمر 12 عاماً، فتحلب الأبقار وتساعد والدها في بيع الحليب لسكان مدينة خان يونس والبلدات الشرقية. وعندما تزوّجت، استمرّت بتربية الأبقار مع زوجها هذه المرّة، علماً أنّ ظروفه المادية كانت جيّدة، فهو كان فلاحاً يملك أراضٍ يزرعها، فيما تتولى سهيلة أمور الماشية في مزرعتهما.

تقول سهيلة لـ"العربي الجديد": "كانت ظروفنا المعيشية جيّدة، ولأنّنا من الفلاحين، كان يجب على المرأة والرجل العمل معاً، لذا، كنّا نتوزّع المهمات فيما بيننا. من جهتي، كنت أحلب الأبقار والأغنام وأبيع الحليب في السوق، أو أصنع منه أجباناً وألباناً وأبيعها كذلك في السوق". وتتحسّر على ذلك الماضي، عندما كانت الحياة رغيدة. ولأنّ العائلات الفلاحة كانت تستوجب عدداً كبيراً من الأفراد، أنجبت سهيلة وزوجها ثمانية أبناء وثلاث بنات، غير أنّ الأحوال تبدّلت في القطاع، وراح الفقر ينتشر بين الناس، وهو ما ألقى بثقله على عائلة النجار كذلك.

تحب ما تقوم به (محمد الحجار)


وتشير سهيلة إلى أنّ اثنَين من أبنائها اليوم "يعملان مع السلطة الفلسطينية التابعة لرام الله، لكنّ ظروفهما الاقتصادية صعبة، وهما يسدّدان قروضاً مصرفية بسبب تقليص الرواتب الذي يشكو منه موظفو غزة منذ ثلاثة أعوام. بالتالي، هما يستعينان بي مع أسرتَيهما في مصاريفهما".

وتتحدّث سهيلة عن "التطوّر التكنولوجي وعزوف الناس عن الحياة التقليدية الفلسطينية، وكيف أنّ أبناء الجيل الجديد وبناته ينظرون إلى تربية المواشي بنظرة دونيّة وكأنّها مهنة معيبة. وهذا ما يدفعني إلى استعراض حياتي والعيش في بلدتنا هذه والتشديد على أنّني أحافظ على مهنتي، وسأستمرّ بها حتى ألفظ أنفاسي الأخيرة".

تضيف: "لا أستطيع ترك مهنتي، فأنا تعايشت معها بكل تفاصيلها، وصارت لي خبرة كبيرة في أنواعها وكيفية تمييز بعضها عن بعض، وكذلك المحافظة عليها". ولا تخفي امتعاضها من "شابات وزوجات هذه الأيام اللواتي يشكينَ من التعب، وهنّ لا ينجزنَ ولو 10 في المائة من مهمات المرأة الفلسطينية الفلاحة".

تعمل سهيلة لمساعدة أفراد أسرتها (محمد الحجار)


قبل أيام، باعت سهيلة مع زوجها الذي يرافقها إلى سوق المواشي، كلّ يوم أحد، اثنَين من الأغنام ذات الجودة العالية، لتساعد ابناً لها يبلغ من العمر 30 عاماً يرغب في الزواج، غير أنّه لا يملك المال. وحال ابنها لا تختلف عن حال العائلة ككلّ، فهي لم تعد تملك اليوم إلا 12 رأساً من الأغنام، وسط ظروف اقتصادية صعبة، فيما كانت تربّي في العام الماضي 20 رأساً. وتكدّ المرأة الستينية لتصنع من الأجبان والألبان والكشك والزبدة بحسب الطريقة القديمة، مشيرة إلى أنّ الأغنام تحتاج إلى علف كثير في فصل الشتاء.


في سياق متصل، تقول سهيلة إنّ "ثمن رأس الغنم الواحد الذي يراوح وزنه ما بين 80 كيلوغراماً و100 يُقدَّر بنحو 200 دينار أردني (نحو 280 دولاراً أميركياً)، لكنّ كثيرين يحاولون الحصول على الرأس الواحد بأقلّ من ذلك، نتيجة الإقبال الضعيف على شراء اللحوم في خلال العامَين الأخيرَين على خلفيّة الأزمات الاقتصادية التي تلاحق الناس". وتلفت إلى أنّ عائلتها تواجه من جهة أخرى تحديات أخرى، "فنحن نملك أرضاً بالقرب من السياج الحدودي، ولا نستطيع الوصول إليها في أيّ وقت نريده. فالاحتلال الإسرائيلي يتحكّم بالأمر ويطلق النار لمنع الفلاحين عموماً من بلوغ أراضيهم".

تجدر الإشارة إلى أنّ إبراهيم، زوج سهيلة، أصيب بمرض السرطان في عام 2014، وهو ما جعله منهكاً، ففقد نشاطه، وراح يعتمد بالتالي على زوجته في رعي المواشي ومتابعة الفحوص الدورية عند الطبيب البيطري. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الحياة التي عشناها في بيتنا شرقي خان يونس كانت حياة تكافل، إذ إن الجميع يستطيعون العمل في تربية الماشية، المرأة كما الطفل والمراهق وكبير السنّ. العائلة تحتاج إلى كلّ أفرادها لتصمد". يضيف: "لكنّ كلّ شيء اختلف عند إصابتي بالسرطان، وأنا أحاول مقاومته من خلال غضّ الطرف عنه من جهة، وتناول الأطعمة الطبيعية الصحية من جهة أخرى، وكذلك مرافقة زوجتي التي تدعمني إلى كلّ مكان".
دلالات
المساهمون