قبل أقلّ من شهر، وُعد الشباب في قطاع غزة بانتخابات قريبة يشاركون فيها، هم الذين لم تُتَح لهم قطّ فرصة ممارسة حقّهم في اختيار ممثّلين لهم
في خطابه الأخير الذي ألقاه في خلال مداولات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، في 27 سبتمبر/ أيلول الماضي، أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنّه سوف يدعو إلى إجراء انتخابات عامّة في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، داعياً الأمم المتحدة وجهات دولية مختلفة إلى الإشراف عليها. مذ ذلك الحين، راح شباب غزة يأملون خيراً وقد عدّوا الأمر سبيلاً إلى تغيير الواقع الذي يعيشونه، بالإضافة إلى أنّه يُعَدّ تجربتهم الأولى في الانتخاب.
ويطمح الشباب إلى تغيير واقع حكم الأحزاب الفلسطينية الذي استمرّ منذ تأسيس السلطة الفلسطينية في عام 1994 وحتى منتصف عام 2006، في البداية كانت السيطرة بمعظمها لحركة فتح، قبل أن تحكم حركة حماس القطاع منذ عام 2006 وحتى اليوم. وبينما يأمل غزيون كثر بتحقيق تغيير ما وبوصول وجوه جديدة إلى الحكم بعدما شهدوا ما أتت به القيادات الفلسطينية ودورها السلبي في مجتمعهم، ثمّة مَن يشعر بأنّ الانتخابات لن تؤدّي إلى أيّ نتيجة، وإحباط هؤلاء نابع من اعتقادهم بأنّ الأحزاب الفلسطينية سوف تعيد إنتاج نفسها.
يقول عمر قاعود (28 عاماً) لـ"العربي الجديد": "سوف أخوض تجربتي الأولى في الانتخابات الفلسطينية في حال تطبيقها"، موضحاً "عايشت فترة الانقسام الفلسطيني في عزّه وشهدت ظروف الشباب الصعبة في مجتمع محاصر من دون أن تقدّم لهم القيادات الفلسطينية أيّاً من الفرص التي تعدهم بها أو أيّ تغيير". يضيف قاعود: "حُرمت وبقيّة الشباب من ممارسة حقّي في الانتخاب، وهذا ما أثّر على حالنا من بطالة وأزمات اقتصادية إلى جانب حصار الاحتلال الإسرائيلي. نحن الذين دفعنا ثمن كل شيء، على الرغم من أنّ فتح وحماس ادّعتا أنّهما خدمتا المواطن والشباب. لذا، حان الوقت ليتركونا نحدث التغيير بحرية".
ويشير قاعود إلى أنّ "الانتخابات التشريعية الفلسطينية في عام 2006 كانت انتخابات نزيهة وأدّت إلى فوز حركة حماس، لكنّ التفرّد في القرار بقطاع غزة من قبل حماس جاء سلبياً على جيل الشباب، كذلك الأمر بالنسبة إلى تفرّد حركة فتح في السيطرة على الضفة الغربية. وهذا ما دفع الشباب الفلسطينيين إلى تضحيات كثيرة، فلجأ عدد منهم إلى الهجرة فيما آخرون عاطلون من العمل، إلى جانب تزايد حالات الانتحار وإدمان المخدرات. لذا، فإنّ الانتخابات المفترضة قد تخلق أملاً للشباب". ويؤكد قاعود أنّ "شباب غزة لن ينتخبوا من شارك في تدمير مستقبلهم، وسوف يختارون المرشّح الذي يقدّم لهم أملاً معقولاً ولو كان بنسبة واحد في المائة فقط. هم لن ينتخبوا أصحاب الشعارات، بل من يقدّم لهم معالجة لملفّ عودة الشباب الذين هاجروا إلى خارج الوطن ويرسم سياسات جديدة لواقعهم".
من جهته، يقول محمد أبو ياسين (28 عاماً) الذي يمارس أعمالاً حرّة عبر الإنترنت، لـ"العربي الجديد"، إنّ "جيلنا ضاع أمام الأوهام التي جعلنا السياسيون نعيشها، مع شعاراتهم الزائفة التي بقيت مجرّد شعارات لم تحقّق أيّ تغيير. همّهم كان البقاء في مناصبهم". يضيف أبو ياسين: "أتمنى أن تجرى انتخابات فلسطينية، وسوف أشارك فيها ولن أنتخب أيّ سياسي من هؤلاء. خياري سوف يكون المستقلين الأكاديميين الذين يتحدّثون بلغة المنطق"، متأسفاً لأنّ "ثمّة أشخاصاً سوف ينتخبون من لهم مصلحة خاصة معهم، حتى لو كانوا ينتمون إلى أحزاب شاركت بالانقسام الفلسطيني". ولا يخفي أبو ياسين قلقه من "تكرار التجربة السابقة عندما اندلع النزاع على السلطة بين حركتَي حماس وفتح في عام 2007"، غير أنّه يراهن على "وعي الشباب اليوم. هؤلاء ينظرون إلى الانتخابات المفترضة كطريق يقود إلى التغيير بعد سنوات صعبة من الانقسام والحصار الإسرائيلي وفشل القيادات الفلسطينية في إدارة شؤون البلاد".
أمّا بلال الهطل (30 عاماً) وهو عاطل من العمل منذ تخرجه في عام 2012 مع شهادة بالعلوم المصرفية من جامعة القدس المفتوحة في غزة، فيؤكد لـ"العربي الجديد" أنّه سوف يشعر "بالإحباط في حال نجح في الانتخابات المفترضة مرشّحو حركتَي حماس أو فتح الأقوى على الساحة الفلسطينية". والهطل الذي يتوقّع التغيير كما سواه من الشباب، يخبر أنّه لم يشارك في العملية الانتخابية في عام 2006 "لأنّني كنت أبلغ حينها 17 عاماً فقط". ويقول: "نريد انتخابات تحقّق التغيير، وإذا لم يتمكّن الفائزون من توحيد الوطن والتخفيف من حدّة الحصار على غزة، فلا بدّ من أن يمثلوا في محاكمة وطنية أمام الشعب الذي انتخبهم. لكنّ ذلك لن يحصل بالتأكيد، لأنّنا شعب يشتمل على فصائل عدّة تتاجر بالوطن". يضيف الهطل: "سوف أنتخب المستقلين ليس حباً بهم، بل لأنّنا سبق واختبرنا ما قدّمته فتح وحماس وآن الأوان لتجربة سواهما".