تشدد جديد مع مهاجري الدنمارك

28 يناير 2019
"أليس لدينا الحق في العيش هنا؟" (العربي الجديد)
+ الخط -

صعود اليمين المتطرف في الدنمارك أدى إلى التعامل بحدّة أكبر مع المهاجرين. خطوة جديدة مرتقبة تستهدف هؤلاء من خلال قانون مقترح يمنعهم من الإقامة الدائمة في البلاد

عبّرت منظمات ومؤسسات دنماركية عدة، عن خشيتها من تشدد آخر يطاول قوانين الهجرة والدمج في البلاد، باتفاق حكومة يمين الوسط مع حزب الشعب الدنماركي المتشدد على قانون مقترح يجعل الإقامة الدائمة مستحيلة، وتحويلها إلى إقامة مؤقتة بهدف إعادة المقيمين إلى أوطانهم الأصلية.

بحسب القانون الجديد المسمى "القانون 140"، تحت عنوان "نقلة نوعية في سياسة الهجرة"، بضغط كبير من حزب الشعب الدنماركي في سياق موافقته على الموازنة العامة، سيتعين على من يحصل على إقامة في البلاد اعتبارها مؤقتة مهما طال الزمن. وبموجب هذا القانون الجديد يمكن للسلطات إلغاء إقامة المهاجر واللاجئ حتى، ما لم يتعارض ذلك مع التزام الدنمارك بمواثيق دولية موقعة عليها، باعتبار إقامته ليست في سبيل الدمج والبقاء في البلاد، بل بقصد الاستعداد للعودة إلى البلد الأصلي.



من المستجدات في القانون فإنّ "الانخراط في سوق العمل أو المشاركة في الجمعيات الدنماركية وإجادة اللغة الدنماركية سيكون لها جميعها أثر أقل بكثير في تقييم تمديد تصريح الإقامة مهما مرّ من وقت على مكوث الشخص في البلاد". حذر عدد من المؤسسات من أنّ "القانون 140" سيضر كثيراً بالدمج في المجتمع. واعتبرت "نقابة أرباب العمل" وهي أكبر منظمة دنماركية لأصحاب المصالح التجارية من كلّ المستويات، إلى جانب "نقابة العاملين في الرعاية الاجتماعية"، وهم موظفو البلديات من المرشدين الاجتماعيين، و"رابطة السلطات (البلديات) المحلية" أنّ الخطوة الحكومية الجديدة ستضرّ بها كثيراً، مثلما تضر بالمقيمين في البلاد. وتضم تلك المؤسسات المحذرة موظفي 98 بلدية، و24 ألف رب عمل، ومليون ونصف مليون من موظفيهم، ونحو 17 ألف مرشد في الحقل الاجتماعي.




وبحسب توجهات حكومة يمين الوسط باتفاقها مع حزب الشعب، سيجري بحسب القانون المقترح، الذي دفع إلى مناقشة تشريعية أولى الخميس الماضي، تغيير شامل للسياسات المنتهجة حتى الآن. فما يثيره هذا القانون لدى المتخوفين، إن كان في جانب المشرعين اليساريين أو سوق العمل عموماً، ذهابه إلى "تغيير برامج الدمج واعتبارها برامج العودة إلى الأوطان" وفقاً لما يصرح به مشرعون يمينيون ومتشددون، مثل مقرر شؤون الهجرة في "الشعب" مارتن هنريكسن. والتغيير الأهم في هذا القانون، لناحية الانتهاء من العمل بسياسة دمج المقيمين، تغيير "مساعدة الدمج إلى مساعدة الإعادة إلى الوطن"، ما سيعني عملياً، وفق منتقدي التغييرات، أنّ المقيمين لن يستطيعوا الوصول إلى حالة دمج أو تأسيس حياتهم في البلاد، إنّما التركيز فقط على برنامج وزمن سحب الإقامة والترحيل إلى الوطن الأصلي. ويشمل القانون سياسة توطين مختلفة عن السابق، فعلى العكس من المعمول به اليوم في إطار توفير سكن للمقيمين بنفس المستوى مع جميع مواطني البلاد فإنّ البلديات ستصبح ملزمة بإحالة اللاجئين "إلى سكن مؤقت وأقل جودة من المساكن الدائمة".

احتجاج موظفي البلديات على القانون الجديد، والزامها بتمييز في الإسكان والمساعدات الشهرية بقصد الدمج، ينطلق وفقاً لما تقوله "الرابطة الوطنية للبلديات" من تأثير ذلك "على فرص نجاحنا في المهمة الأساسية المتعلقة بدمج المقيمين في المجتمعات المحلية وتجهيزهم ليصبحوا قادرين على إعالة أنفسهم". ولم يختلف موقف النقابة الوطنية للعمال "إل أو" إذ رأت فيه قانوناً "يضعف إمكانيات دمج الناس من خلال سوق العمل، وهو الأداة التي أثبتت فاعليتها في ما يخص دمج اللاجئين والمهاجرين".



من ناحيتها، علقت وزيرة الهجرة والدمج، إنغر ستويبرغ، في رسالة مكتوبة لصحيفة "بوليتيكن" على السجال الذي أثاره الكشف عن تفاصيل القانون بالقول إنّ "الحكومة ستواصل كما في سياستها الحالية ضرورة أن ينخرط اللاجئون في سوق العمل، وهو الموقف الذي تلتزم فيه الحكومة وحزب الشعب الدنماركي".

هذا الاندفاع نحو التشدد مع اللاجئين والمهاجرين عمل عليه الحزب اليميني الشعبوي، حزب الشعب الدنماركي، باصراره منذ عامين على إنتاج سياسة متشددة بحجة أنّ "سياسة عقود من الدمج والهجرة أثبتت فشلها". ويتسلح الحزب بالكلفة المالية على الدولة الدنماركية لدمج المهاجرين من أصول غير غربية والمنحدرين منهم. فقد أعلنت وزارة المالية الدنماركية، العام الماضي، أنّ هؤلاء "يكلفون خزينة الدولة 33 مليار كرونه سنوياً (5 مليارات دولار أميركي)". وتعتقد نقابة العاملين في الحقل الاجتماعي أنّ المبلغ "مع تبني هذا القانون الجديد سيزداد أكثر مع الوقت" بحسب رئيس النقابة مادس بيلستروب. يضيف أنّ الأمور "ستتعقد بالنسبة لهذه المجموعة من المواطنين (من أصول غير غربية) ليصبحوا معتمدين على أنفسهم مالياً، وسيؤدي ذلك إلى زيادة المدة الزمنية لطلب الإعانة، فلا أعتقد أنّه سيكون هناك سلام قريب في سورية ولا أوضاع أفضل في أفريقيا، وهؤلاء سيبقون لفترة أطول في الدنمارك، ما يعني أنّ الاختصاصيين الاجتماعيين في البلديات لن يكونوا قادرين على مساعدتهم لإيجاد عمل".




يبدو أنّ يمين الوسط الدنماركي يرضخ لفكرة اليمين المتشدد في أنّ "الدمج فشل" وأنّها "عملية مكلفة للدولة" بحسب مقرر شؤون الدمج والهجرة فيه مارتن هنركسن، الذي يضيف: "نحن لا نعتقد أنّ الدمج مهم، ولذلك علينا تغيير تركيزنا نحو برامج الإعادة إلى الأوطان".
المساهمون