ما زالت ثقافة وهب الأعضاء غير منتشرة في تونس، مثلما هي الحال في بلدان عربية كثيرة. لكن ثمّة حاجة إلى ذلك، تبدو ملحّة أحياناً، ما يستدعي تحرّكاً عاجلاً
"عانيت لسنوات طويلة من جرّاء قصور كلوي، ما اضطرني إلى الخضوع إلى جلسات غسل كلى. وكانت حياتي أشبه بجحيم لا يُطاق، كأنني كنت أموت في كلّ يوم. في النهاية، تبرّع لي ابن عمي بإحدى كليتَيه، فأنقذتني وأعادتني إلى الحياة مجدداً. لولاه، لما كنت اليوم موجوداً".
بهذه الكلمات يختصر زياد خالد، من محافظة مدنين الواقعة جنوب تونس، قصته. يضيف زياد البالغ من العمر 24 عاماً، أنّ "خمسة أعوام مرّت مذ زرعت الكلية الجديدة في جسدي، والعملية تكللت بالنجاح، وقد تمكّنت أخيراً من استئناف حياتي". واليوم، يعمل زياد في نزل بتونس العاصمة، بينما صحّة ابن عمه جيّدة وقد تزوّج وأنجب طفلاً، على الرغم من شائعات حاول كثيرون من خلالها ثنيه عن التبرّع بكليته.
من جهتها، خضعت حياة وهي من الجنوب التونسي كذلك، إلى جراحة زرع كلية لها، بعدما تبرّع بها والدها. وتخبر: "عانيت طويلاً من جلسات غسل الكلى، ومن الإرهاق الذي كان يصيبني بسبب عجز كليتَيّ عن العمل. وفي النهاية، كنت محظوظة بسبب تطابق دمي وأنسجتي مع دم والدي وأنسجته". تضيف حياة أنّ "حصولي على كلية جديدة تطلّب تحاليل طبّية كثيرة، لكنّ والدي كان صبوراً وشجّعني على عملية الزرع".
يُعَدّ زياد وحياة محظوظَين جداً لأنهما تمكّنا من العثور على من تبرّع لهما، في حين أنّ أكثر من 10 آلاف و500 تونسي في حاجة إلى زرع كلى، وهم اليوم يخضعون إلى جلسات غسل كلى وحياتهم مهدّدة في كل لحظة. ويوضح في السياق رئيس المركز الوطني للنهوض بزرع الأعضاء، الدكتور طاهر قرقاح، أنّ "من بين هؤلاء نحو أربعة آلاف و500 مريض فقط مؤهّلين للخضوع إلى عمليات زرع". يضيف قرقاح لـ"العربي الجديد"، أنّ "زرع الأعضاء هو للأشخاص الذين يعانون من قصور نهائي في عضو أو آخر في أجسامهم، أي بعد أن يخسر الواحد منهم أكثر من 90 في المئة من وظيفة العضو المريض"، مشيراً إلى أنّ "أكبر عدد عمليات زرع أعضاء في تونس هو عمليات زرع الكلى". ويتابع أنّ "1800 مريض من مرضى الكلى هم على قائمة الانتظار حالياً، وهو عدد مهول. وهؤلاء يأملون العثور على متبرّعين".
ويوضح قرقاح أنّ "تونس تحتاج سنوياً إلى ما بين 100 و150 عملية زرع كبد، لكنّ عدد العمليات التي تتمّ يتراوح ما بين 10 عمليات زرع كبد و12 فقط". ويتحدّث عن "حاجة مرضى كثيرين إلى زرع أعضاء أخرى، منها القلب، بينما هم بمعظمهم غير قادرين على الانتظار، ومن ثم فإنّ عدم خضوعهم للجراحة يعني وفاتهم". ويلفت قرقاح إلى "عملية زرع كلية ومثانة أجريت لفتى يبلغ من العمر 11 عاماً، وهي تُعَدّ من بين أبرز العمليات الناجحة التي أنجزت أخيراً. فهو ولد مع تشوّه خلقي في المجاري البولية، الأمر الذي تطلّب عملية الزرع تلك. وعلى الرغم من الحالة المعقّدة، فإنّ الفريق الطبي التونسي نجح في التحدي والطفل اليوم في صحة جيدة".
وعمليات زرع الأعضاء تستلزم متبرّعين، وهؤلاء يُقسمون إلى قسمَين بحسب قرقاح "إمّا أحياء وهم عادة من العائلة والأقرباء. وقد حصر القانون التونسي هذا النوع من التبرّع لتجنّب المتاجرة بالأعضاء، وهو يشمل التبرّع بالكلية وبجزء من الكبد. أمّا القسم الثاني فهم متبرّعون يكونون في حالة موت دماغي، ويمكن لعائلاتهم الموافقة على التبرّع بأعضائهم، ما يعني إنقاذ عدد كبير من الأشخاص. لكنّ ذلك يستوجب وجود الشخص المعنيّ في قسم العناية المركزة، حتى لا تتلف أعضاؤه". ويشير قرقاح إلى "600 حالة موت دماغي سنوياً، 200 منهم فقط قادرون على منح أعضاء لغيرهم، لكنّ عدد المانحين سنوياً يُعَدّ على أصابع اليد والمأمول هو الوصول إلى 20 عملية من متبرّعين توفوا دماغياً". بالنسبة إلى قرقاح، فإنّ "أبرز المشكلات في حالات الموت الدماغي هي رفض العائلات وهب الأعضاء. ففي عام 2017، أجريت عمليتان فقط وأربع عمليات في عام 2018، وذلك بعد تنظيم حملات توعية عدّة حول أهمية التبرّع". ويؤكد أنّ "قضية التبرّع بالأعضاء غير مرتبطة بوزارة الصحة في البلاد، بل بالمجتمع وبالمواطن بحدّ ذاته". ويشدّد قرقاح على أنه "لا بدّ من التشجيع على التبرّع، خصوصاً في حالات الموت الدماغي. وما زلت أذكر جيداً تلك المرأة التي أرادت التبرّع بكليتها لطفلها البالغ من العمر سبعة أعوام. لكنها، وبعد خضوعها للتحاليل تبيّن أنها لا تملك إلا كلية واحدة، فيما أنسجة الأب لم تكن متطابقة، فتوفي الطفل".
اقــرأ أيضاً
ويتحدّث قرقاح عن "مفارقة غريبة. فقد كشف استبيان أُنجِز في عام 2017 أنّ 77 في المئة من التونسيين يقبلون بمبدأ التبرّع، في حين أنّ ما بين 85 في المئة و90 يرفضون عند التبرّع. إذاً، ثمّة خلل واضح يمكن تفسيره بنقص التوعية، لذا لا بدّ من مضاعفة الجهود لإبراز أهمية وهب الأعضاء. ولذلك، ثمّة تنسيق اليوم بين وزارة الصحة ووزارة الشؤون الدينية لأنّ البعض يبرّر رفضه بمسائل دينية، وكذلك مع وزارة الداخلية للتشجيع على إدراج عبارة متبرّع على بطاقة الهوية وبطاقة التربية بهدف تدريب الناشئة على ثقافة العطاء والتبرّع".
اقــرأ أيضاً
من جهتها، تشكو رئيسة جمعية أمل للتبرّع بالأعضاء في مدنين، أسماء ثابت، لـ"العربي الجديد"، من "عدم الإقدام على وهب بالأعضاء، في حين أنّ الأشخاص الذين يحتاجون إلى عمليات زرع في ارتفاع مستمر"، مشيرة إلى أنّ "الإجراءات التي تتطلّب وقتاً طويلاً قد تساهم في ذلك".
بهذه الكلمات يختصر زياد خالد، من محافظة مدنين الواقعة جنوب تونس، قصته. يضيف زياد البالغ من العمر 24 عاماً، أنّ "خمسة أعوام مرّت مذ زرعت الكلية الجديدة في جسدي، والعملية تكللت بالنجاح، وقد تمكّنت أخيراً من استئناف حياتي". واليوم، يعمل زياد في نزل بتونس العاصمة، بينما صحّة ابن عمه جيّدة وقد تزوّج وأنجب طفلاً، على الرغم من شائعات حاول كثيرون من خلالها ثنيه عن التبرّع بكليته.
من جهتها، خضعت حياة وهي من الجنوب التونسي كذلك، إلى جراحة زرع كلية لها، بعدما تبرّع بها والدها. وتخبر: "عانيت طويلاً من جلسات غسل الكلى، ومن الإرهاق الذي كان يصيبني بسبب عجز كليتَيّ عن العمل. وفي النهاية، كنت محظوظة بسبب تطابق دمي وأنسجتي مع دم والدي وأنسجته". تضيف حياة أنّ "حصولي على كلية جديدة تطلّب تحاليل طبّية كثيرة، لكنّ والدي كان صبوراً وشجّعني على عملية الزرع".
يُعَدّ زياد وحياة محظوظَين جداً لأنهما تمكّنا من العثور على من تبرّع لهما، في حين أنّ أكثر من 10 آلاف و500 تونسي في حاجة إلى زرع كلى، وهم اليوم يخضعون إلى جلسات غسل كلى وحياتهم مهدّدة في كل لحظة. ويوضح في السياق رئيس المركز الوطني للنهوض بزرع الأعضاء، الدكتور طاهر قرقاح، أنّ "من بين هؤلاء نحو أربعة آلاف و500 مريض فقط مؤهّلين للخضوع إلى عمليات زرع". يضيف قرقاح لـ"العربي الجديد"، أنّ "زرع الأعضاء هو للأشخاص الذين يعانون من قصور نهائي في عضو أو آخر في أجسامهم، أي بعد أن يخسر الواحد منهم أكثر من 90 في المئة من وظيفة العضو المريض"، مشيراً إلى أنّ "أكبر عدد عمليات زرع أعضاء في تونس هو عمليات زرع الكلى". ويتابع أنّ "1800 مريض من مرضى الكلى هم على قائمة الانتظار حالياً، وهو عدد مهول. وهؤلاء يأملون العثور على متبرّعين".
ويوضح قرقاح أنّ "تونس تحتاج سنوياً إلى ما بين 100 و150 عملية زرع كبد، لكنّ عدد العمليات التي تتمّ يتراوح ما بين 10 عمليات زرع كبد و12 فقط". ويتحدّث عن "حاجة مرضى كثيرين إلى زرع أعضاء أخرى، منها القلب، بينما هم بمعظمهم غير قادرين على الانتظار، ومن ثم فإنّ عدم خضوعهم للجراحة يعني وفاتهم". ويلفت قرقاح إلى "عملية زرع كلية ومثانة أجريت لفتى يبلغ من العمر 11 عاماً، وهي تُعَدّ من بين أبرز العمليات الناجحة التي أنجزت أخيراً. فهو ولد مع تشوّه خلقي في المجاري البولية، الأمر الذي تطلّب عملية الزرع تلك. وعلى الرغم من الحالة المعقّدة، فإنّ الفريق الطبي التونسي نجح في التحدي والطفل اليوم في صحة جيدة".
وعمليات زرع الأعضاء تستلزم متبرّعين، وهؤلاء يُقسمون إلى قسمَين بحسب قرقاح "إمّا أحياء وهم عادة من العائلة والأقرباء. وقد حصر القانون التونسي هذا النوع من التبرّع لتجنّب المتاجرة بالأعضاء، وهو يشمل التبرّع بالكلية وبجزء من الكبد. أمّا القسم الثاني فهم متبرّعون يكونون في حالة موت دماغي، ويمكن لعائلاتهم الموافقة على التبرّع بأعضائهم، ما يعني إنقاذ عدد كبير من الأشخاص. لكنّ ذلك يستوجب وجود الشخص المعنيّ في قسم العناية المركزة، حتى لا تتلف أعضاؤه". ويشير قرقاح إلى "600 حالة موت دماغي سنوياً، 200 منهم فقط قادرون على منح أعضاء لغيرهم، لكنّ عدد المانحين سنوياً يُعَدّ على أصابع اليد والمأمول هو الوصول إلى 20 عملية من متبرّعين توفوا دماغياً". بالنسبة إلى قرقاح، فإنّ "أبرز المشكلات في حالات الموت الدماغي هي رفض العائلات وهب الأعضاء. ففي عام 2017، أجريت عمليتان فقط وأربع عمليات في عام 2018، وذلك بعد تنظيم حملات توعية عدّة حول أهمية التبرّع". ويؤكد أنّ "قضية التبرّع بالأعضاء غير مرتبطة بوزارة الصحة في البلاد، بل بالمجتمع وبالمواطن بحدّ ذاته". ويشدّد قرقاح على أنه "لا بدّ من التشجيع على التبرّع، خصوصاً في حالات الموت الدماغي. وما زلت أذكر جيداً تلك المرأة التي أرادت التبرّع بكليتها لطفلها البالغ من العمر سبعة أعوام. لكنها، وبعد خضوعها للتحاليل تبيّن أنها لا تملك إلا كلية واحدة، فيما أنسجة الأب لم تكن متطابقة، فتوفي الطفل".
ويتحدّث قرقاح عن "مفارقة غريبة. فقد كشف استبيان أُنجِز في عام 2017 أنّ 77 في المئة من التونسيين يقبلون بمبدأ التبرّع، في حين أنّ ما بين 85 في المئة و90 يرفضون عند التبرّع. إذاً، ثمّة خلل واضح يمكن تفسيره بنقص التوعية، لذا لا بدّ من مضاعفة الجهود لإبراز أهمية وهب الأعضاء. ولذلك، ثمّة تنسيق اليوم بين وزارة الصحة ووزارة الشؤون الدينية لأنّ البعض يبرّر رفضه بمسائل دينية، وكذلك مع وزارة الداخلية للتشجيع على إدراج عبارة متبرّع على بطاقة الهوية وبطاقة التربية بهدف تدريب الناشئة على ثقافة العطاء والتبرّع".
من جهتها، تشكو رئيسة جمعية أمل للتبرّع بالأعضاء في مدنين، أسماء ثابت، لـ"العربي الجديد"، من "عدم الإقدام على وهب بالأعضاء، في حين أنّ الأشخاص الذين يحتاجون إلى عمليات زرع في ارتفاع مستمر"، مشيرة إلى أنّ "الإجراءات التي تتطلّب وقتاً طويلاً قد تساهم في ذلك".