الأسلحة الشبح... الولايات المتحدة تحظر "طباعة" البنادق

24 اغسطس 2018
كودي ويلسون يستعرض ابتكاره (كيلي ويست/ فرانس برس)
+ الخط -
السلاح في الولايات المتحدة يمثل مشكلة حقيقية، إذ تتكرر حوادث إطلاق النار. وتواجَه نوايا مكافحة ذلك بطرق عديدة منها طباعة "الأسلحة الشبح" بتقنية "3 دي"

حظرت محكمة أميركية فيدرالية بمدينة سياتل نشر برنامج يسمح للمستهلكين بصنع الأسلحة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد (3 دي) بعد شرائه وتحميله. وجاء هذا الحظر المؤقت بعدما رفعت سبع ولايات أميركية، وهي نيويورك ونيوجيرسي وماساتشوستس وكونيكتكت وبنسلفانيا وأوريغون وميريلاند، بالإضافة إلى العاصمة واشنطن، دعوى قضائية ضد حكومة الرئيس دونالد ترامب التي سمحت بالبرنامج.

وجاء قرار الحكومة الأميركية، تحديداً وزارة الخارجية، بعد محاكم ومفاوضات مستمرة منذ خمس سنوات رفضت فيها حكومة الرئيس السابق باراك أوباما السماح بإتاحة ونشر تلك التصاميم وتحميلها عن الإنترنت. لكن، وبشكل مفاجئ في شهر يونيو/ حزيران الماضي توصلت حكومة ترامب الجمهورية، المقربة من لوبي السلاح في أميركا، إلى تسوية مع منظمة "ديفينس ديستربيوتد"، ومقرها ولاية تكساس، تسمح لها بنشر تلك التصاميم وبيعها على الإنترنت. وبموجب الاتفاق يمكن لأيّ شخص داخل الولايات المتحدة تحميلها، مقابل مبلغ مالي، وصنع مسدسات وبنادق من البلاستيك بمساعدة الطباعة ثلاثية الأبعاد. ولا يعني كون هذه الأسلحة من البلاستيك أنّها غير قاتلة.




أسس كودي ويلسون، مواليد 1988، تلك المنظمة اليمينية المعنية بنشر السلاح عام 2012. وفي العام نفسه، صنفته مجلة "وايرد" المتخصصة في التكنولوجيا والحواسيب، واحداً من أخطر الأشخاص في العالم. وفي العامين 2015 و2017 صنفته واحدا من أخطر خمسة أشخاص في العالم. عام 2013، تمكن ويلسون من القيام بأول تجربة ناجحة لصنع هذا النوع من السلاح عن طريقة الطباعة ثلاثية الأبعاد، وبذلك، احتدم الجدال داخل الولايات المتحدة. أتاح ويلسون الملفات، على صفحة منظمته، التي توضح طريقة استنساخ المراحل المختلفة لإنتاج بنادق بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد. وجرى تحميل تلك الملفات في حينه من قبل مئات الآلاف من الأشخاص. واضطرت وزارة الخارجية إلى إصدار قرار يجبر المنظمة وصاحبها على حذف تلك الملفات من مواقعهما، لأنّ ذلك يتعارض مع قوانين تصدير السلاح. بدأت بعدها معركة قضائية استمرت حتى يونيو/حزيران الماضي حين قضت وزارة العدل الأميركية بالسماح للمنظمة بتحميل وبيع تلك التصميمات للأميركيين بحجة الحفاظ على البندين الأول والثاني من الدستور الأميركي، الأول حول حرية التعبير والثاني حول حرية اقتناء السلاح.

المثير في هذا النوع من الأسلحة هو أنّها غير مسجلة ولا يمكن تعقب مصدرها، وذلك بسبب طريقة تصنيعها. يطلق عليها في الولايات المتحدة لهذا السبب تسمية "الأسلحة الشبح". وتعمل الطابعة ثلاثية الأبعاد بمساعدة برامج على الكومبيوتر في التصميم والإنتاج باستخدام طبقات من البلاستيك.

عدم إمكانية تعقب السلاح وتحديد مصدره هو ما استندت إليه حكومات الولايات في دعواها القضائية ضد الحكومة الفيدرالية، إذ إنّ عدم تعقب مصدر السلاح يشكل واحداً من المخاطر الناجمة عن تصنيعه، ناهيك عن خطر إمكانية انتشاره في بلد يفوق فيه عدد الأسلحة عدد السكان تقريباً ويعاني من وباء انتشار الأسلحة ويقتل فيه الآلاف سنوياً بالأسلحة.

في تصريح صحافي له، بعد صدور الحكم القضائي، قال المدعي العام للعاصمة واشنطن، بوب فيرغسون، الذي كان على رأس الفريق الذي رفع الدعوى القضائية: "اضطر مكتبي مجدداً إلى مساءلة الإدارة الأميركية الحالية حول مسؤوليتها القانونية... البنادق الشبح لا يمكن تتبعها ولا يمكن معرفة مصدرها. النصر الذي حققناه اليوم يحول دون جعلها متاحة للتصنيع أمام أيّ مجرم أو إرهابي. أتمنى أن يتولى الرئيس (ترامب) الخطوة اللازمة بتوجيه إدارته لتغيير مسارها في هذا السياق".

طابعات ثلاثية الأبعاد تستخدم لصنع الأسلحة (فرانس برس)  













وجاء التقييد المؤقت الذي أصدرته المحكمة الفيدرالية قبل ساعات قليلة من بدء السماح بتحميل البرنامج على أن يعاد البت في القضية يوم الإثنين المقبل، في ما إذا كان سيسمح للشركة، ومقرها تكساس، بإتاحة برنامجها وتحميله بهدف صنع الأسلحة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد. ومن المفترض أن تقدم الحكومة دفاعها عن حجتها بالسماح بذلك، خصوصاً أنّ الطابعات ثلاثية الأبعاد متاحة في العديد من المراكز العامة، ناهيك عن توفر هذا النوع من الطابعات والعمل بها في عدد لا بأس به من الجامعات الأميركية.

وكانت منظمة "ديفينس ديستربيوتد" قد استبقت الموعد الرسمي لبدء تحميل الملفات من صفحتها، برفع تصميم بندقية "ايه آر 15" على صفحتها قبل خمسة أيام من الموعد المحدد. وترفض المنظمة الإفصاح عن عدد الأشخاص الذي قاموا بتنزيل التصميم خلال الأيام الخمسة لكنّ مصادر إعلامية أميركية رجحت أنه تم تنزيل التصميم من قبل آلاف الأشخاص.

إلى ذلك ومنذ تأسيها تعمل المنظمة على تطوير وإنتاج تصاميم لأنوع جديدة من الأسلحة ناهيك عن نجاحها في تطوير جهاز يمكنه حفر وتعديل المعادن عرف باسم "المدفع الشبح". ويمكن شراء الجهاز بأقل من ألفي دولار أميركي عن طريق صفحة المنظمة وموزعين آخرين. وفي واحدة من المقابلات التلفزيونية مع كودي ويلسون، رئيس المنظمة، لإحدى الصفحات اليمينية المهتمة بالأسلحة، قال إنه يمكن للشخص الذي يعرف القليل عن الأسلحة وتركيبها أن يقتني قطعاً مختلفة ويصنع السلاح في اليوم نفسه، بمساعدة "المدفع الشبح".




وفي هذا السياق عبر مسؤول مكافحة الإرهاب في مدينة نيويورك ، جون ميلر، عن خوفه من إمكانية إتاحة تحميل البرنامج واستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد لصنع السلاح المحلي، أو إتاحة جهاز "المدفع الشبح" في السوق. وقال في تصريح صحافي: "ما يحدث أمر لا يصدق. التهديد الذي تشكله هذه التطورات خطير للغاية. ما زلنا نحارب لسد الثغرات الموجودة (في القانون) حول ضرورة أن يخضع الأشخاص الذين يشترون الأسلحة لفحص شامل حول ماضيهم الجنائي وصحتهم النفسية وغيرها. وما زالت تواجهنا تحديات عديدة في هذا السياق على الرغم من عدد القتلى والمجازر التي ترتكب في المدارس". أضاف حول جهاز "المدفع الشبح": "ما يواجهنا هنا ثغرة قانونية أكبر من تلك التي نحاربها، إذ يمكنك أن تشتري طابعة وجهازاً بألفي دولار وتصنع العدد الذي تريده من الأسلحة، والتي لا تخضع لأيّ مراقبة وقواعد ولا تحمل رقم تصنيع كما لا يمكن معرفة مصدرها. ولأنّها مصنوعة من البلاستيك يمكن تمريرها من دون أيّ مشكلة على الأجهزة الراصدة... إنّه أمر لا يصدق".

13 ألف قتيل بالرصاص سنوياً

يبلغ عدد ضحايا القتل بالأسلحة النارية نحو 13 ألف أميركي سنوياً، بحسب مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي). أحد العوائق الأساسية التي تحول دون سَنّ قوانين فدرالية تحدّ من انتشار السلاح يعود إلى قوة لوبي السلاح "اتحاد البنادق القومي"، وهو اتحاد يميني يساهم في تمويل حملات انتخابية لعدد كبير من نواب الكونغرس الأميركي.
المساهمون