تفكيك المخيمات... تضييق على السوريين في تركيا؟

13 اغسطس 2018
مخيمات عديدة ما زالت مكتظة (فاتح أقطاس/ الأناضول)
+ الخط -
معظم السوريين في تركيا لا يرغبون في العودة إلى بلادهم في ظلّ الظروف الحالية، لكنّ سكان المخيمات بالذات من بينهم يتخوفون من فرض هذا الخيار عليهم، بعد تفكيك مخيمات وإعادة ترتيب أخرى

تعاظمت مخاوف اللاجئين السوريين في تركيا أخيراً، بعد زيارة وفد روسي إلى أنقرة في 26 يوليو/ تموز الماضي لبحث عودة اللاجئين، من لبنان والأردن وتركيا، إلى بلادهم تمهيداً لما يقال عن حلّ سياسي سيجري فرضه لاحقاً على السوريين. تزامن مع زيارة الوفد الروسي، تفكيك، أو إعادة هيكلة وترتيب، بعض المخيمات التي يسكنها لاجئون على الحدود التركية - السورية، ما عزز من تكريس "شائعات" نقل السوريين إلى مخيمات جديدة كمرحلة أولى، تمهيداً لنقلهم إلى الداخل السوري، باعتبار أنّ تركيا أمنت العديد من الخدمات وحققت الأمن، في أماكن تواجدها في شمال غرب سورية.

تؤكد مصادر تركية رسمية لـ"العربي الجديد" أنّ المديرية العامة للهجرة قررت نقل 5 مخيمات، ثلاثة منها تقع في ولاية غازي عينتاب جنوب تركيا وهي مخيمات "نزيب" و"إصلاحية" و"قارقاميش"، بالإضافة إلى مخيمين في ولاية أديمان وفي ولاية ماردين.




معونة مالية أو مخيمات جديدة
أشارت المصادر إلى أنّه جرى منذ الأول من أغسطس/ آب الجاري، إبلاغ قاطني المخيمات وإعطاؤهم مهلة حتى 28 أغسطس/آب، ليختاروا بين الانتقال إلى مخيم آخر أو استئجار منزل، علماً أنّه سيتم تقديم معونات مالية تكفيهم ليتدبروا أمور معيشتهم ريثما يجدون عملاً ومصادر دخل. وأشارت المصادر إلى أنّ مخيمات غازي عينتاب تضم 23 ألفا و95 لاجئاً، بينما يضم مخيم أديمان 8 آلاف و627، ومخيم ماردين و2458، مؤكدة أنّ ما مجموعه 34 ألفاً و180 شخصاً سيجري نقلهم إلى مخيمات بالقرب من الحدود السورية، في ولايات هاتاي (الإسكندرونة) وكيليس وشانلي أورفا.

من مخيم "قارقاميش" الذي تناقص عدد اللاجئين فيه من نحو 7 آلاف منذ عامين إلى نحو 3 آلاف اليوم، يقول اللاجئ مصطفى الخليل، لـ"العربي الجديد": "أبلغنا أول الشهر الجاري، بالتحضير للانتقال إلى مخيم تل أبيض المقابل لمدينة الرقة (شرق سورية)، أو السكن داخل الولايات التركية". يضيف: "لكنّ ما يقال عن الفارق بمستوى الخدمات بين مخيم قارقاميش وتل أبيض، دفع معظم اللاجئين لاختيار أخذ المعونة المالية وعدم الذهاب إلى المخيم الجديد، بعدما تظاهر بعضهم داخل المخيم، وقدم مدير المخيم الوعود، وأكد أنّ الانتقال إلى مخيم تل أبيض اختياري، وثمة مبالغ كافية لمن يريد أن يعيش ضمن الولايات التركية".

عن حجم المبالغ التي ستصرف للاجئين الذين سيختارون العيش خارج المخيمات، يقول الخليل: "سيمنح من يغادر المخيم ويستأجر مسكناً، منحة مالية تسمح له بتحمل مبالغ الإيجار والمعيشة ريثما يعمل. المبلغ يبدأ من 1730 ليرة تركية (267 دولاراً أميركياً) إن كان اللاجئ وحيداً، وكلما زاد أعداد الأسرة يرتفع المبلغ، فعائلة من اثنين تنال 2310 ليرات (356 دولاراً)، ومن ثلاثة 3460 ليرة (534 دولاراً)، ومن أربعة 4620 ليرة (712 دولاراً)، وخمسة 5770 ليرة (889 دولاراً)، وعشرة 11540 ليرة (1779 دولاراً)".

يشير الخليل إلى أنّ وثائق الهلال الأحمر التي وصلتهم، تحدد منح المبلغ على دفعتين الأولى 70 في المائة منه، تمنح للعائلات قبل انصرافها من المخيم، والثانية بعد استصدار سندات إقامة. يؤكد أنّ ما يقال عن إلزام السوريين بالعودة إلى سورية، ليس له أيّ صحة "في مخيمنا على الأقل".



خدمات متفاوتة
لكن، هل تنسحب شروط مخيم "قارقاميش" على غيره من المخيمات الخمسة التي قررت تركيا إعادة هيكلتها أخيراً؟ تقول العاملة في المركز الصحي لمخيم "نزيب"، هدى مبارك، لـ"العربي الجديد" إنّها لا تملك تفاصيل وافية حتى الآن: "تسود المخيم شائعات كثيرة، سواء حول نقل اللاجئين إلى مخيم سروج أو حجم المعونات المالية التي سيعوض بها من يخرج من المخيم ويعيش على نفقته الخاصة". تشير مبارك إلى أنّ تفكيك مخيم نزيب، ونقل اللاجئين منه، اقتصر على قاطني الخيم التي تأوي قرابة 8500 لاجئ، لكنّ من يسكنون البيوت مسبقة الصنع "كرفانات" وعددهم نحو 3500 لاجئ، يقال إنّ السلطات التركية منحتهم مهلة حتى نهاية العام الجاري. تلفت مبارك إلى أنّ إدارة المخيم "لحظت ظروف بعض مصابي الحرب والمرضى، ومن لديه ظروف سيئة، وسيجري نقلهم من الخيم إلى الكرفانات، بدلاً من نقلهم إلى مخيم سروج".

في هذا الإطار، تواصلت "العربي الجديد" مع اللاجئ عبد الرزاق برهان من مخيم سروج القريب من مدينة أورفا التركية. يقول: "جرى إبلاغنا أنّ عدداً من الأخوة سيأتون إلى المخيم ابتداء من نهاية الشهر الجاري... المخيم كبير وفيه شواغر كثيرة، لكن نعاني من بعض المشاكل وفي مقدمتها قلة المياه". وحول كيفية مساعدة اللاجئين بمخيم سروج، يضيف برهان: "ظروف المعيشة هنا معقولة، ويجري منحنا بطاقات معونة بقيمة مائة ليرة (15 دولاراً) للشخص الواحد شهرياً، ونصرف المعونة من محال داخل المخيم، لكنّي أتوقع أنّ من كان يعيش بمخيم نزيب لا يمكنه العيش هنا، لأنّ الخدمات متفاوتة كثيراً". يتابع: "زرت مخيم نزيب... هو فندق فخم بالنسبة لسروج. في نزيب أنشطة اجتماعية ومدارس بمستوى تعليم مرتفع وملاعب ومكتبة، فضلاً عن قرب المخيم من مدينة نزيب التي يعمل فيها كثير من اللاجئين، ولهم حرية الخروج من المخيم والدخول مجدداً".



مستشفى
لكن، بالرغم من تأكيد السلطات التركية في غير مناسبة، أنّها لن تلزم أي لاجئ سوري بالعودة إلى بلده، ثمة مخاوف حتى اليوم، من أن تكون خطوة نقل اللاجئين داخلياً، مقدمة لنقل اللاجئين إلى سورية، خصوصاً أنّ تركيا قد بنت سابقاً، بالتوازي مع عملية "غصن الزيتون" العام الماضي، مخيمين سعتهما أكثر من 3 آلاف شخص، وبدأت في تأهيل معظم مناطق ريف إدلب القريبة من تركيا، على صعيد الخدمات والأمن والرعاية الاجتماعية.

المدير التنفيذي لرابطة حقوق اللاجئين السوريين في تركيا، مضر حماد الأسعد، يبدد تلك المخاوف في حديثه إلى "العربي الجديد": "أؤكد لكلّ السوريين أنّه لن يتم إلزام أيّ لاجئ في تركيا بالعودة إلى سورية". يوضح ما يصفه بسوء الفهم الذي حصل خلال الأيام القليلة الماضية: "سيجري تحويل مخيم نزيب القريب من مدينة غازي عينتاب إلى مستشفى كبير، يأوي المرضى المقيمين في المستشفيات التركية ومصابي الحرب السوريين، ما يعني أنه سيبقى مخيماً للسوريين، لكن للمرضى والمصابين بعدما جرى تجهيزه بمركز طبي كبير ومتخصص".

يشير الأسعد إلى أنّه بنتيجة هجرة بعض من كان يسكن في المخيمات إلى أوروبا، وحصول قسم آخر على الجنسية التركية وتركهم المخيمات، وتسجيل طلاب المخيمات بالجامعات التركية المجانية وسكن أهلهم معهم بالولايات التركية، نشأت فراغات كثيرة في المخيمات. وعلى سبيل المثال فإنّ مخيمات أديمان التي تتسع لنحو 150 ألف لاجئ، لا يسكنها اليوم أكثر من 25 ألفاً، ما دفع السلطات التركية إلى إعادة النظر وتوزيع اللاجئين، والأهم، تخصيص مخيم نزيب للمرضى المقيمين في المستشفيات التركية منذ سنوات ولمصابي الحرب، كما يقول.



ترتيبات إدارية
من جهته، يؤكد مستشار الرئيس التركي، ياسين أقطاي، لـ"العربي الجديد" أنّ "تركيا لا يمكن أن تفكر، مجرد تفكير، بطرد الأخوة السوريين، بل هم محط عناية واهتمام، ولهم الحق في التعليم والصحة والعيش، كما للأتراك تماماً، فتعليم السوريين وحتى المرحلة الجامعية مجاني بتركيا، وجميع المستشفيات الحكومية مفتوحة لهم بالمجان، ومن هم في المخيمات، احتياجاتهم كلّها مؤمنة، وحتى من هم خارج المخيمات، يتقاضون راتباً شهرياً في شكل بطاقة معونات".

لكنّه يشير إلى أنّه في الوقت نفسه، لا يمكن لتركيا أن تقف في وجه من يريد العودة طوعاً إلى الداخل السوري، بعد تحقيق الأمن بمعظم مناطق إدلب وريف حلب. يعتبر أقطاي أنّ "لبعض الأطراف ربما، مصلحة من إثارة اللغط هذه الفترة، والترويج أنّ تركيا تريد تهجير اللاجئين، وهذا غير صحيح، وكل ما في الأمر، أنّ هناك ترتيبات إدارية جديدة في بعض المخيمات، وسيجري تغيير مهام واختصاصات بعضها، لتأوي المرضى والمصابين ويكون فيها رعاية طبية خاصة".




يبلغ عدد السوريين المقيمين في مراكز الإيواء المؤقتة، حتى يونيو/ حزيران 2018 نحو 216 ألفاً و890 شخصاً، فيما يبلغ عدد المقيمين في المدن والبلدات التركية المختلفة، 3 ملايين و353 ألفاً و462 شخصاً.