المزارع تدفع الطيور إلى الهاوية

03 يوليو 2018
كلّ ما يحيط به يهدده (Getty)
+ الخط -

يبدو أنّ الطيور لا يكفيها القتل على أيدي القوّاصين، أو بواسطة مراوح الهواء، أو أسلاك التوتر العالي، أو التلوّث بالمواد الكيميائية والأدوية منتهية الصلاحية التي تُرمى في العراء، أو بالشباك التي ينصبها محبّو القتل من البشر، أو تغيّر المناخ الذي جلب لها الويلات، فأتت المزارع لتزيد الطين بلّة وتدفعها إلى الهاوية وتهدّدها بالانقراض، خصوصاً طيور المزارع أو تلك التي اعتادت على المزارع بعدما كانت بريّة.

هذه هي حال طائر الترغل الذي كان يُعدّ من الطرائد المفضّلة والذي كان يتغذى على حبوب النباتات البرية التي تنمو بموازاة الأرض، فصار يعتمد على مزروعات الحقول التي أهلكت أعداداً كبيرة منه بشكل سريع، فغدا هذا الطائر مهدداً بالانقراض على المستوى العالمي. وهو الأمر الذي استوجب حمايته من قبل اتفاقيات وهيئات حماية التنوّع في العالم وعلى رأسها اتفاقية التنوع البيولوجي.

في أوروبا عموماً، تناقصت أعداد طائرَي الحجل والزرزور منذ عام 1970 بنسبة 85 في المائة، وفي إنكلترا تدنّت أعداد الترغل بنسبة 96 في المائة وأعداد قبّرة السماء بنسبة 62 في المائة وأعداد الطيبط أو الغنيج بنسبة 50 في المائة. أمّا في فرنسا، فانخفضت أعداد طائر الشحرور بشكل ملحوظ، وفي ألمانيا شهدت طيور المزارع انخفاضاً بنسبة 80 في المائة. ويعود ذلك إلى اشتمال الحقول مساحات كبيرة من دون سياج نباتي تقليدي يجعل الطيور تختبئ فيه أو تعشش بين أغصانه، كذلك تتحمّل المبيدات الحشرية ومبيدات القوارض المستخدمة مسؤولية، إذ إنّها تسمّم الطيور والبشر.

وفي لبنان، صُنّف 20 نوعاً من الطيور كأنواع مزارع. ومن خلال تعداد طيور المزارع هذه، تبيّن أنّها تقلّصت كثيراً وبطريقة مخيفة بنسبة 45 في المائة. من منّا يستطيع الإنكار أنّ السمّن صار نادراً، وأنّ الزرزور قلّما يُشاهَد، وأنّ الطيبط (الغنيج) قلّت أعداده كثيراً في سهل البقاع، وأنّ الترغل صار قليل الظهور على الرغم من التحذير من صيده، وأنّ التيان لم يعد كما كان، وأنّ أبو زريق تراجعت أعداده وتراجع انتشاره بسبب اضطهاد المزارعين له وكذلك تسممه بالمبيدات التي ترشّ بها الثمار.

من جهتها، تتجه البلابل نحو الاندثار لأنّها تهلك من الثمار المسمومة ومن أيادي تجار العصافير الذين يقبضون عليها ويبيعونها خلافاً للقانون. وحال البلبل هي نفسها حال بلبل الشعير أو ما يسمى بالدرسة سوداء الرأس التي تقصد لبنان فقط في موسم التفريخ، مع الإشارة إلى أنّ تجّار العصافير يدّعون أنّهم لا يقبضون عليها في موسم التفريخ.




الحديث عن طيور تهلكها المزارع لا يعني أنّنا لا نريد المزارع، إنّما الأوان قد آن لنقول أنّ المزارع في حاجة إلى إدارة ومخططات تدعمها وتجعلها صديقة للبيئة والتنوّع الحيوي، بما في ذلك الطيور. لذا يتوجّب على المزارع تقسيم أرضه إلى أجزاء صغيرة، على أن يحيط بكلّ جزء منها سياج نباتات تسمح للطيور بالاختباء والتفريخ وافتراس حشرات الحقل وفئرانه. وعلى المزارع اعتماد السلوك التقليدي في الزراعة مثل المصاطب (الجلول) التي تمنع التربة من الانزلاق وتسمح كذلك للطيور بالتفريخ أو الاختباء فيها من أعدائها الطبيعيين ومنهم الإنسان.

في النهاية، فإنّ تنويع الزراعات في الحقل الواحد وإدارة المسطحات العشبية وترك الأشجار تنمو في الحقول بين الخضروات واستخدام الزراعة العضوية والسماد العضوي والمبيدات العضوية، كل ذلك يساعد الطيور على العودة إلى وضعها الصحيح مثلما يساعد الإنسان على تجنّب الأمراض والسموم والفئران والحشرات وكل الآفات التي تؤثّر على اقتصاد المزارع والدول.

*اختصاصي في علم الطيور البرية
دلالات
المساهمون