تلاميذ غزة من دون مصروف جيب

07 مايو 2018
البقاء في الفصل أفضل! (محمد الحجار)
+ الخط -
تلاميذ كثيرون في غزة لا يأخذون من أهلهم المصروف اليومي المعتاد إلى المدرسة بسبب أزمة الرواتب، وهو ما يدفعهم إلى البقاء في الفصل خلال الفسحة

تدخل أزمة قطاع غزة الاقتصادية وانقطاع رواتب موظفي السلطة الفلسطينية وتأخير رواتب موظفي حكومة غزة السابقة على تلاميذ المدارس بمأساة يومية، فكثير من الأدوات المدرسية والملابس حرموا منها منذ بداية العام الدراسي الحالي، وباتوا مضطرين للذهاب إلى المدرسة من دون مصروف الجيب اليومي.

في المدارس التابعة لوكالة "أونروا" يلتزم كثير من التلاميذ البقاء في الفصول في وقت الفسحة، إذ يبتعدون عن مقصف المدرسة ودكانه بما فيهما من مأكولات ومسليات، وعن رفاقهم الذين تسمح لهم الظروف بالشراء.



لطيف (8 أعوام)، تلميذ في الابتدائي الثالث، بدأ يكره المدرسة منذ بداية العام الدراسي، بعدما كان يحبها في الأول والثاني، كون المصروف انقطع عنه تماماً. يلاحظ منذ بداية العام أنّ والده يتجنب الحديث معه كثيراً، وهو لا يعلم السبب. بالقرب من بوابة المدرسة ينتظر لطيف زميله بلال الذي يذهب معه إلى المنزل في مخيم الشاطئ، غرب مدينة غزة، يومياً. بلال أيضاً لا يحصل على مصروفه، لكنّه عندما يتوجه إلى جدته كلّ نهار جمعة تعطيه بعض الشواكل ليشتري بها بعض المسليات. أما لطيف، فجده وجدته متوفيان.

يقول لطيف لـ"العربي الجديد": "أكره الرجال الكبار الذين يظهرون على التلفزيون، لأنّ أطفالهم يحصلون على مصروف وتتوفر لهم حاجات كثيرة، أما أنا فلا أحصل على شيء لأنّ والدي لا يظهر على التلفزيون".

ولّت هذه الأيام (محمد الحجار) 


من جهته، لم يحصل رزق (10 أعوام)، وهو في الابتدائي الرابع، على مصروفه منذ فبراير/ شباط الماضي. يظن أنّ والده سيعوضه عن أيام حرمانه من المصروف عندما يحصل على مال. يعمل الوالد نجاراً، وبسبب الأزمة الاقتصادية هو عاطل من العمل منذ شهرين. كان قبلها لا يعمل سوى يومين أو ثلاثة في الأسبوع، كما يتذكر رزق. في كثير من المرات يلاحظ رزق أنّ والده يدّعي أنّه نائم عندما يحضر لطلب بعض الحاجيات المدرسية أو الألعاب منه.

يقول لـ "العربي الجديد": "أتذكر جدتي عندما كانت تقول لنا: اصبروا دائماً على ما يأتي في بالكم. وعندما أجوع في المدرسة أصبر لأنّني أعلم أنّ والدي سيمنحني مصروفي عندما يكون معه نقود. لا أحب التوجه إلى المقصف أو ساحة المدرسة... أريد أن أتعلم فقط".

أما سارة (7 أعوام)، في الابتدائي الثاني، فتفضل اللعب مع رفيقاتها في الاستراحة، وتحرص على تناول الفطور قبل التوجه إلى مدرستها المسائية الدوام. عندما تعود إلى المنزل تتناول الغداء متأخرة. باتت تكره المدرسة لأنّها لا تحصل على مصروفها من والدها الذي يعمل موظفاً في السلطة الفلسطينية. تقول سارة لـ"العربي الجديد": "المدرسة أصبحت في نظري قبيحة. أتمنى أن أعيش خارج غزة، ليعطيني والدي مصروفاً وأتمكن من الدراسة من دون انقطاع الكهرباء، واللعب في منزل فيه حديقة بدلاً من الشارع".



بائع المقصف في مدرسة ذكور غزة الجديدة كمال الخطيب، لاحظ مع دخول الفصل الثاني تقلص الإقبال على المقصف المدرسي إلى النصف. يشير إلى أنّ كثيراً من التلاميذ لا يقتربون من المقصف وهو ما يجعله يتأثر عندما ينظرون إليه عن بعد. يقول الخطيب إنّ المعلمين يلاحظون الحالة الاقتصادية للتلاميذ، فمنهم من يتبرع بجزء بسيط من راتبه لمنح بعض التلاميذ مصروفاً يومياً على أساس أنّ مصدر المال خارجي كي لا يشعر التلاميذ بالخجل.

بدوره، يلاحظ المرشد التربوي داخل إحدى مدارس وكالة "أونروا" في غزة، نزار الهنا، تزايد العنف بين التلاميذ بسبب الظروف الاقتصادية داخل منازلهم وتأثرهم من عدم الحصول على رغباتهم أو على الطعام الجيد حتى. يتابع أنّ بعض التلاميذ يحاولون إخفاء حالة آبائهم أمام زملائهم، وبعضهم تظهر عليهم ردود فعل عنيفة تصل إلى حدّ التشاجر مع رفاقهم الذين يحصلون على مصروف يومي.

يقول الهنا لـ "العربي الجديد": "كثير من جلساتي مع التلاميذ من سن 6 سنوات حتى 14 عاماً سببها الرئيس الوضع الاقتصادي، لكنّهم لا يحبون إظهار ذلك للآخرين. يخزّن الأطفال شعوراً انتقامياً من الظروف بشكل سلبي يظهرونه ضدّ المدرسة والفصل والزملاء، وقد يصل التلميذ نتيجة عدم تحقق رغباته إلى حالة العداء مع أسرته". يشير الهنا إلى أنّ حرمان التلاميذ من المصروف اليومي يؤثر بشكل أكيد على تحصيلهم الدراسي، خصوصاً في ظل الأزمات اللاحقة بمدارس الـ"أونروا" نتيجة تقليص الدعم وعدم توفير الوسائل المساعدة والترفيهية في التعليم.
المساهمون