تشابه أسماء يعرّض لبنانيين للملاحقة القانونية

30 ابريل 2018
ينفي الجيش أخطاء من هذا النوع (محمود زيات/فرانس برس)
+ الخط -
عائلات كثيرة في لبنان تتشابه فيها أسماء أبنائها، وهو ما يورط أصحاب الأسماء في ما لم يرتكبوا من جرائم

يعاني أبناء منطقة بعلبك- الهرمل (شرق لبنان) من مشكلة تشابه أسماء عدد كبير منهم وأسماء مطلوبين للدولة اللبنانية بجرائم مختلفة. هذه المشكلة ناجمة عن انتشار الأسماء نفسها، وارتفاع عدد مذكرات التوقيف الذي يتراوح بين 40 و42 ألف مذكرة، لنحو 4 آلاف مطلوب.

أما عدد مرتكبي الجرائم الفعليين فأقل بكثير من ذلك بحسب الناطق باسم هيئة العفو عن المطلوبين في المنطقة قاسم طليس. يضيف أن 70 في المائة من الحالات هي حالات تشابه أسماء إذ ترمى الاتهامات كيفما اتفق. وبالفعل، لا تتمكن المصادر الرسمية من إعطاء أرقام دقيقة عن عدد المطلوبين هناك.

بعيداً عن موقف طليس الذي يقول إنّ 400 شخص فقط قد ارتكبوا حقاً أفعالاً جرمية، فإنّ مشكلة تشابه الأسماء تعيق حياة عدد من شباب المنطقة، بل تجبر بعضهم على الخضوع إلى تحقيقات في جرائم لم يرتكبوها، بل الخضوع إلى محاكمات لتبرئة أنفسهم كي يتمكنوا من إكمال حياتهم بشكل طبيعي. فاختلاف بعض التفاصيل على هويتهم كمكان وتاريخ الولادة أو رقم السجل المدني لا يكفي ليشفع لمن يحمل مع أحد المطلوبين الاسم نفسه.




شهادات عدة يدلي بها ضحايا هذه الحوادث لـ"العربي الجديد". يقول خ. علوه إنّه ما زال حتى اليوم يدفع ثمن تشابه اسمه مع اسم أحد المطلوبين بانتحال صفة أمنية والاعتداء بالضرب على فتى في قريتهم وخطفه، وهو ما ارتكبه شخص آخر يحمل الاسم. وبالرغم من اختلاف تاريخ الميلاد فإنّ علوه أبلغ أنّه هو المطلوب، وجرى استدعاؤه عدة مرات من قبل الجيش اللبناني. في المرة الأولى، أنكر علاقته بالحادثة وأطلعهم على مكان تواجده لحظة وقوعها وجرى إطلاق سراحه. ثم استدعي مجدداً وأطلق سراحه بعد التحقيق معه. لكنّه فوجئ باستدعائه مرة ثالثة، وبالرغم من شهادته أنّه جرى التحقيق معه مرتين من قبل وتبرئته إلاّ أنّ الأمر لم ينفع. يقول علوه إنّه اضطر إلى الاعتراف أنّه هو الشخص المطلوب وأنّه لم يرتكب الخطف إنما فقط صفع الفتى، ليجري شطب التهم عن نشرته الأمنية كي لا يتكرر استدعاؤه، واعتقد أنّه بذلك بات حراً تماماً. لكنّه تفاجأ من بعدها بتوقيفه للمرة الرابعة لدى مروره عند أحد الحواجز الأمنية. فاكتشف أنّ الحادثة لم تشطب عن سجله بالرغم من اضطراره للاعتراف لتسوية القضية. سارعت القوى الأمنية إلى تعميم خبر إلقاء القبض عليه عبر وسائل الإعلام ذاكرة اسمه الثلاثي. وبعد التأكد من براءته وخضوعه للتحقيق مجدداً أطلق سراحه. لكنّ التهمة التي شطبت عن سجله العدلي (الصحيفة الجنائية) من بعد الإهانات التي تعرض لها ما زالت موثقة على محركات البحث، إذ تعرض المواقع الإلكترونية خبر إلقاء القبض عليه مرفقاً بالتهم التي نسبت اليه.

أما محمد جعفر، فيحمل اسمه مطلوب صدرت في حقه 4 مذكرات بتهمة القتل، وكذلك يحمل اسم الأم والأب، فيما يختلف تاريخ ومكان الولادة. هذا الاختلاف لا يشفع له لدى مروره عند الحواجز فيجري توقيفه ساعات والتحقيق معه قبل أن يسمح له بالعبور. يحاول اعتماد تكتيكات عدة كتغيير طريقه أو اصطحاب فتاة معه في السيارة لتسهيل مروره كما يقول.

في المقابل، يستغل بعض المطلوبين أنفسهم هذا التشابه في الأسماء، للإيقاع بمن يحملون أسماءهم بعد ارتكابهم أيّ جرم، للنجاة من العقاب، وهو ما يؤكده مصدر أمني لـ"العربي الجديد". من الأمثلة على ذلك قصة الشاب ح. جعفر، فقد نجح أحد أقاربه بتوريطه بدلاً منه في قضية تهريب أحد المطلوبين من مستشفى في البقاع (شرق). وقد استعان بمحامية ومختار (عمدة محلة) من أجل الزج بقريبه، عبر منح هويته الكاملة للأجهزة الأمنية التي كانت تعرف فقط اسم الفاعل. استدعي جعفر وأبلغ بوجوب حضور جلسات محاكمة. واضطر للخضوع للمحاكمة وحضور عدة جلسات لإثبات براءته قبل أن يكمل حياته بشكل طبيعي.

يرفض مسؤول العلاقات العامة في الجيش اللبناني إعطاء أيّ تصريح يتعلق بالموضوع، ويكتفي بنفي حصول أيّ أخطاء كهذه، بل يؤكد أنّ الجيش يتأكد من كامل هوية أيّ مطلوب قبل توقيفه. لكنّ مصدراً أمنياً آخر يعترف أنّ حدوث أخطاء كهذه أمر وارد، فالقوى الأمنية مضطرة لتوقيف بعض الأشخاص من أجل التأكد أنّهم ليسوا مطلوبين. وقد تأخذ الإجراءات وقتاً وهو أمر ضروري ولا بدّ منه. كذلك، يعترف بصعوبة التمييز أحياناً بين المطلوب وغير المطلوب بسبب صلة القرابة والشبه في الهيئة الخارجية، كما أنّ زج أحد المطلوبين اسم قريب له يحمل الاسم نفسه يصعّب الأمر. يضيف أنّ هناك حوادث أخرى تؤدي إلى اتهام أبرياء كاستعارة هوياتهم منهم من أجل عبور الحواجز، فيرتكب المستعير مخالفة تسجل باسم صاحب الهوية.




أما عن كيفية تجنب التعرض للاستدعاء والمحاكمات والتوقيفات، فيقول المصدر الأمني إنّ على الشخص الذي يعلم بتشابه اسمه واسم أحد المطلوبين أن يلجأ لحماية نفسه، خصوصاً إن كان المطلوب أحد أقاربه، وذلك عبر تقديم طلب للنيابة العامة لتحويله إلى مكتب المستندات والمحفوظات لإصدار إفادة تثبت عدم وجود أيّ ملاحقة بحقه. وأن يبقي معه إخراج قيد عائلياً (مستند وطني يظهر أسماء أفراد العائلة كاملة). وفي حال صدور طلب استدعاء في حقه، فما عليه سوى تبرئة نفسه عبر التحقيقات والمحاكمات التي تكشف بسرعة براءته في حال لم يرتكب أي جرم، بحسب المصدر.
المساهمون