لطالما كان تعدّد الزوجات موضوعاً شائكاً في المغرب، وقد خصّصت مدوّنة الأسرة المغربية التي وضعها البرلمان في عام 2004 مساحة كبيرة له، ففصّلت المسموح والممنوع وأحكمت القيود على الرجل الذي يميل إلى الاقتران بامرأة ثانية
مدوّنة الأسرة في المغرب تبدو واضحة لجهة تقييد تعدد الزوجات فلا يُتاح بالمبدأ إلا لحالات استثنائية، غير أنّ الأرقام المعلنة تبيّن أنّ الرجال المغاربة ما زالوا يصرون على تقديم طلبات للزواج بامرأة ثانية، ويفلح كثيرون بذلك إمّا من خلال موافقة الزوجة الأولى أو باللجوء إلى طرق احتيالية.
تفيد الإحصاءات الأخيرة بأنّ الرجال المغاربة قدّموا أمام قضاء الأسرة 559 ألف طلب من أجل الزواج بامرأة ثانية أو حتى ثالثة في خلال 10 أعوام (2006 - 2016)، وقد تمّت الموافقة على نحو 19 ألف طلب زواج متعدد. لكن، على الرغم من تزايد طلبات تعدد الزوجات، فإنّ مدوّنة الأسرة (القانون الخاص بالأسرة في البلاد) تمكنت من تضييق الخناق على الراغب في الاقتران بزوجة ثانية من خلال تشديد النصّ القانوني على عدم الإضرار بحقوق الزوجة الأولى وبتربية أبنائه منها. وتنصّ المدوّنة في هذا السياق، على أنّه يتعيّن على الراغب في الزواج بامرأة أخرى أن يقدّم طلباً إلى المحكمة الابتدائية في قسم قضاء الأسرة، وأن يرفق طلبه بوثائق تثبت أوضاعه المادية وكذلك المبرر الموضوعي الاستثنائي إذ إنّ التعدد ليس زواجاً بالشكل المعتاد.
اقــرأ أيضاً
وفق مدوّنة الأسرة، فإنّ الإذن بالتعدد يتوقف على الشروط الآتية: توفّر الموارد الكافية للزوج حتى يؤدي واجبه في الإنفاق على زوجاته، وتوفّر مبرر موضوعي واستثنائي وراء رغبته في التعدد، واستدعاء الزوجة الأولى لحضور جلسة المحكمة التي تبحث معها موافقتها أو عدمها. وفي حالة موافقة الزوجة الأولى على اقتران زوجها بامرأة أخرى إلى جانبها، فإنّ المحكمة تحفظ القضية للتداول بها والحكم بالقبول إذا استوفى الطلب كلّ العناصر ورأت المحكمة أنّها موجبة للتعدد، أو الحكم بالرفض في حال لم تجد المحكمة أنّ الطلب يستوفي العناصر اللازمة.
أمّا في حال رفض الزوجة الأولى اقتران زوجها بامرأة أخرى إلى جانبها وألحّ الزوج على طلبه، فإنّ المحكمة تحاول مصالحتهما لكنّها قد لا توفّق في مسعاها ويصرّ الطرفان على موقفَيهما. عندها، إذا طلبت الزوجة الطلاق، حُكم لمصلحتها بمستحقات يتعيّن على الزوج إيداعها صندوق المحكمة خلال سبعة أيام، وإلا عُدّ متراجعاً عن طلب الإذن بتعدد الزوجات. وإذا لم تطلب الزوجة الطلاق، فإنّ المحكمة تطبّق مسطرة الشقاق تلقائياً. إلى ذلك، تنصّ مدوّنة الأسرة على أنّ الإذن لا يُعطى للرجل الذي ينوي الاقتران بزوجة ثانية إلا بعد إشعارها من قبل القاضي بأنّ من يريد الزواج بها متزوّج بغيرها ويسألها عن رضاها بذلك.
والقوانين المقيّدة للزواج بامرأة ثانية في المغرب دفعت عدداً من الرجال إلى التحايل وابتزاز الزوجة الأولى. ويخبر أحمد كورفتي الذي يعمل عدلاً (مأذوناً) أنّ "رجلاً لم توافق زوجته الأولى على زواجه بثانية، استغل عمله وإقامته المؤقتة في مدينة أخرى للزواج بشابة هناك". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "الرجل عمد إلى استصدار شهادة عزوبية من المصالح الإدارية بعدما أقنعها بأنّه غير متزوج، وتقدّم بطلب الزواج. لم تعلم الزوجة الثانية بأنّ زوجها متزوج من امرأة قبلها، تماماً كما لم تعلم الأولى بأنّ زوجها اقترن بامرأة ثانية. لكنّ أمره انكشف مع مرور الوقت".
ويتحدّث كورفتي عن رجل آخر "لجأ إلى ابتزاز زوجته الأولى من خلال استغلال إعاقة ابنهما، نتيجة زواج الأقارب. وراح يهددها بالفراق والطلاق وتركها مع ابنهما المعوّق إذا ما رفضت زواجه من ثانية حتى لا تلد له ابناً معوّقاً آخر. فلم تجد الزوجة بدّا من قبول طلب زوجها، ووافقت على زواجه بثانية، قبل أن يكمل مغامرته ويطلب الموافقة من الأولى ومن الثانية ليتزوّج بثالثة".
هشام رجل رفضت زوجته اقترانه بامرأة أخرى، فيحكي لـ"العربي الجديد" عمّا يصفه بالمعاناة من جرّاء "رفض زوجتي الأولى الزواج بثانية. هي لا تمكنني من حقّي الشرعي في المعاشرة الزوجية، وحاولت إقناع القاضي بأحقيّة اقتراني بثانية بسبب نفور زوجتي الأولى". يضيف هشام أنّ "القدرة المالية التي تشترطها مدوّنة الأسرة شرط متوفر، وبالنسبة إلى المبرر الاستثنائي الذي قال به القانون من قبيل عجز الزوجة الجنسي فهذا شرط متوفّر كذلك"، متسائلاً عن سبب رفض طلبه بالزواج بامرأة ثانية. في هذا الإطار، أوضح الخبير القانوني محمد الكشبور في كتاب له حول مدوّنة الأسرة، أنّ المبرر الموضوعي الاستثنائي لزواج امرأة ثانية هو "أن تكون المرأة عاقراً أو تنفر كثيراً من الاتصال الجنسي أو ألا ترغب فيه مطلقاً أو أن تكون مصابة بمرض عضال يمنعها من ذلك".
في السياق، ثمّة حالات عدّة وافقت في خلالها الزوجة الأولى عن طيب خاطر على اقتران زوجها بامرأة ثانية، ومن أبرزها حالة الوزيرَين السابقَين الحبيب الشوباني وسمية بن خلدون. فقد وافقت الزوجة الأولى للوزير على زواجه بزميلته في الحكومة، قبل أن يؤثّر هذا الموضوع على استمرارهما في منصبَيهما بعد تداوله إعلامياً. وقد اضطرا بالتالي إلى الاستقالة.
وزواج الوزير الشوباني المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني بالوزيرة بن خلدون المنتدبة لدى وزير التعليم العالي والبحث العلمي، الذي أتى بموافقة زوجة الشوباني الأولى، جعل الانتقادات تنهال على بن خلدون. وقد وصفت ناشطات نسويات الوضع بالخيانة، لأنّ الوزيرة بالنسبة إليهنّ استفادت من المعركة من أجل حقوق النساء ووصلت إلى منصبها قبل أن تدير الظهر لكلّ ذلك وتقبل بأن تصير زوجة ثانية.
اقــرأ أيضاً
وفي جردة أعدّتها مجلة "جون أفريك" الناطقة بالفرنسية والمتخصصة بالشؤون الأفريقية، فإنّ الحكومة المغربية تضمّ وزيراً آخر متزوّجاً بامرأة ثانية هو وزير الدولة المكلّف بحقوق الإنسان مصطفى الرميد، كذلك كان الأمر بالنسبة إلى وزير الدولة الراحل عبد الله باها. وفي مجلس النواب، ثمّة 25 نائباً من أصل 395 متزوجاً بأكثر من امرأة واحدة، ليمثّلوا ستّة في المائة من النواب، إلى جانب 60 مستشاراً برلمانياً من بين 262 في الغرفة الثانية ليمثّلوا 23 في المائة من المستشارين البرلمانيين.
مدوّنة الأسرة في المغرب تبدو واضحة لجهة تقييد تعدد الزوجات فلا يُتاح بالمبدأ إلا لحالات استثنائية، غير أنّ الأرقام المعلنة تبيّن أنّ الرجال المغاربة ما زالوا يصرون على تقديم طلبات للزواج بامرأة ثانية، ويفلح كثيرون بذلك إمّا من خلال موافقة الزوجة الأولى أو باللجوء إلى طرق احتيالية.
تفيد الإحصاءات الأخيرة بأنّ الرجال المغاربة قدّموا أمام قضاء الأسرة 559 ألف طلب من أجل الزواج بامرأة ثانية أو حتى ثالثة في خلال 10 أعوام (2006 - 2016)، وقد تمّت الموافقة على نحو 19 ألف طلب زواج متعدد. لكن، على الرغم من تزايد طلبات تعدد الزوجات، فإنّ مدوّنة الأسرة (القانون الخاص بالأسرة في البلاد) تمكنت من تضييق الخناق على الراغب في الاقتران بزوجة ثانية من خلال تشديد النصّ القانوني على عدم الإضرار بحقوق الزوجة الأولى وبتربية أبنائه منها. وتنصّ المدوّنة في هذا السياق، على أنّه يتعيّن على الراغب في الزواج بامرأة أخرى أن يقدّم طلباً إلى المحكمة الابتدائية في قسم قضاء الأسرة، وأن يرفق طلبه بوثائق تثبت أوضاعه المادية وكذلك المبرر الموضوعي الاستثنائي إذ إنّ التعدد ليس زواجاً بالشكل المعتاد.
وفق مدوّنة الأسرة، فإنّ الإذن بالتعدد يتوقف على الشروط الآتية: توفّر الموارد الكافية للزوج حتى يؤدي واجبه في الإنفاق على زوجاته، وتوفّر مبرر موضوعي واستثنائي وراء رغبته في التعدد، واستدعاء الزوجة الأولى لحضور جلسة المحكمة التي تبحث معها موافقتها أو عدمها. وفي حالة موافقة الزوجة الأولى على اقتران زوجها بامرأة أخرى إلى جانبها، فإنّ المحكمة تحفظ القضية للتداول بها والحكم بالقبول إذا استوفى الطلب كلّ العناصر ورأت المحكمة أنّها موجبة للتعدد، أو الحكم بالرفض في حال لم تجد المحكمة أنّ الطلب يستوفي العناصر اللازمة.
أمّا في حال رفض الزوجة الأولى اقتران زوجها بامرأة أخرى إلى جانبها وألحّ الزوج على طلبه، فإنّ المحكمة تحاول مصالحتهما لكنّها قد لا توفّق في مسعاها ويصرّ الطرفان على موقفَيهما. عندها، إذا طلبت الزوجة الطلاق، حُكم لمصلحتها بمستحقات يتعيّن على الزوج إيداعها صندوق المحكمة خلال سبعة أيام، وإلا عُدّ متراجعاً عن طلب الإذن بتعدد الزوجات. وإذا لم تطلب الزوجة الطلاق، فإنّ المحكمة تطبّق مسطرة الشقاق تلقائياً. إلى ذلك، تنصّ مدوّنة الأسرة على أنّ الإذن لا يُعطى للرجل الذي ينوي الاقتران بزوجة ثانية إلا بعد إشعارها من قبل القاضي بأنّ من يريد الزواج بها متزوّج بغيرها ويسألها عن رضاها بذلك.
والقوانين المقيّدة للزواج بامرأة ثانية في المغرب دفعت عدداً من الرجال إلى التحايل وابتزاز الزوجة الأولى. ويخبر أحمد كورفتي الذي يعمل عدلاً (مأذوناً) أنّ "رجلاً لم توافق زوجته الأولى على زواجه بثانية، استغل عمله وإقامته المؤقتة في مدينة أخرى للزواج بشابة هناك". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "الرجل عمد إلى استصدار شهادة عزوبية من المصالح الإدارية بعدما أقنعها بأنّه غير متزوج، وتقدّم بطلب الزواج. لم تعلم الزوجة الثانية بأنّ زوجها متزوج من امرأة قبلها، تماماً كما لم تعلم الأولى بأنّ زوجها اقترن بامرأة ثانية. لكنّ أمره انكشف مع مرور الوقت".
ويتحدّث كورفتي عن رجل آخر "لجأ إلى ابتزاز زوجته الأولى من خلال استغلال إعاقة ابنهما، نتيجة زواج الأقارب. وراح يهددها بالفراق والطلاق وتركها مع ابنهما المعوّق إذا ما رفضت زواجه من ثانية حتى لا تلد له ابناً معوّقاً آخر. فلم تجد الزوجة بدّا من قبول طلب زوجها، ووافقت على زواجه بثانية، قبل أن يكمل مغامرته ويطلب الموافقة من الأولى ومن الثانية ليتزوّج بثالثة".
هشام رجل رفضت زوجته اقترانه بامرأة أخرى، فيحكي لـ"العربي الجديد" عمّا يصفه بالمعاناة من جرّاء "رفض زوجتي الأولى الزواج بثانية. هي لا تمكنني من حقّي الشرعي في المعاشرة الزوجية، وحاولت إقناع القاضي بأحقيّة اقتراني بثانية بسبب نفور زوجتي الأولى". يضيف هشام أنّ "القدرة المالية التي تشترطها مدوّنة الأسرة شرط متوفر، وبالنسبة إلى المبرر الاستثنائي الذي قال به القانون من قبيل عجز الزوجة الجنسي فهذا شرط متوفّر كذلك"، متسائلاً عن سبب رفض طلبه بالزواج بامرأة ثانية. في هذا الإطار، أوضح الخبير القانوني محمد الكشبور في كتاب له حول مدوّنة الأسرة، أنّ المبرر الموضوعي الاستثنائي لزواج امرأة ثانية هو "أن تكون المرأة عاقراً أو تنفر كثيراً من الاتصال الجنسي أو ألا ترغب فيه مطلقاً أو أن تكون مصابة بمرض عضال يمنعها من ذلك".
في السياق، ثمّة حالات عدّة وافقت في خلالها الزوجة الأولى عن طيب خاطر على اقتران زوجها بامرأة ثانية، ومن أبرزها حالة الوزيرَين السابقَين الحبيب الشوباني وسمية بن خلدون. فقد وافقت الزوجة الأولى للوزير على زواجه بزميلته في الحكومة، قبل أن يؤثّر هذا الموضوع على استمرارهما في منصبَيهما بعد تداوله إعلامياً. وقد اضطرا بالتالي إلى الاستقالة.
وزواج الوزير الشوباني المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني بالوزيرة بن خلدون المنتدبة لدى وزير التعليم العالي والبحث العلمي، الذي أتى بموافقة زوجة الشوباني الأولى، جعل الانتقادات تنهال على بن خلدون. وقد وصفت ناشطات نسويات الوضع بالخيانة، لأنّ الوزيرة بالنسبة إليهنّ استفادت من المعركة من أجل حقوق النساء ووصلت إلى منصبها قبل أن تدير الظهر لكلّ ذلك وتقبل بأن تصير زوجة ثانية.
وفي جردة أعدّتها مجلة "جون أفريك" الناطقة بالفرنسية والمتخصصة بالشؤون الأفريقية، فإنّ الحكومة المغربية تضمّ وزيراً آخر متزوّجاً بامرأة ثانية هو وزير الدولة المكلّف بحقوق الإنسان مصطفى الرميد، كذلك كان الأمر بالنسبة إلى وزير الدولة الراحل عبد الله باها. وفي مجلس النواب، ثمّة 25 نائباً من أصل 395 متزوجاً بأكثر من امرأة واحدة، ليمثّلوا ستّة في المائة من النواب، إلى جانب 60 مستشاراً برلمانياً من بين 262 في الغرفة الثانية ليمثّلوا 23 في المائة من المستشارين البرلمانيين.