مهندس اتصالات يعمل في الباطون

31 يوليو 2017
"أفضل من لا شيء" (العربي الجديد)
+ الخط -
البحث عن فرصة عمل بعد الانتهاء من التعليم والحصول على شهادة متخصّصة هاجس يؤرق الشباب الفلسطينيين اللاجئين في لبنان، كذلك الأمر بالنسبة إلى اختيار مهنة تتناسب ومتطلبات سوق العمل. يُذكر أنّ عشرة آلاف شاب فلسطيني في مخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين (جنوب) تحديداً، حصلوا على شهادات جامعية من دون أن يعثروا على أيّ فرصة عمل.

محمود إبراهيم عبد الغني في التاسعة والعشرين من عمره، من هؤلاء الشباب الذين أنهوا تعليمهم الجامعي وراحوا يبحثون عن فرصة عمل في مجالهم من دون أن يوفَّقوا. هو شاب فلسطيني من بلدة السميرية الفلسطينية في قضاء عكا، وقد لجأ أهله بعد نكبة عام 1948 إلى لبنان ليستقرّوا في مخيّم عين الحلوة. تجدر الإشارة إلى أنّ محمود نجح بعيد تخرّجه في العمل في إحدى الشركات، إلا أنّها أقفلت أبوابها، فوجد نفسه بلا عمل.

يقول محمود: "أنهيت تعليمي الثانوي في مدرسة بيسان التابعة لوكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في مخيم عين الحلوة، وتخرّجت منها على أمل متابعة تعليمي الجامعي. كان هذا حلمي الدائم، الذي رأيته يصطدم بالوضع الاقتصادي المعوّق. فأقساط الجامعات في لبنان مرتفعة جداً، والتخصص الذي كنت أرغب في دراسته لم يكن ممكناً في الجامعة اللبنانية (رسمية) لصعوبة الأمر. وحالي هذا كحال المئات من الطلاب الفلسطينيين بل الآلاف". يضيف: "فالتحقت بكلية سبلين التابعة لوكالة أونروا في بلدة سبلين الواقعة في إقليم الخروب، وحصلت على شهادة دبلوم في هندسة الاتصالات. وبعدما أنهيت دراستي تلك، استطعت العمل في إحدى الشركات على مدى ستة أعوام، اكتسبت خلالها خبرة كبيرة. لكنّ الظروف التي رافقت حرب اليمن القائمة منذ اكثر من سنتَين، أدّت إلى إقفال الشركة بعد إعلانها الإفلاس". ويضيف محمود أنّ "الراتب الذي كنت أتقاضاه كان متواضعاً جداً، والسبب أنّني موظف فلسطيني. قبل أن أتزوّج، كنت أتقاضى ستمائة دولار أميركي ليرتفع راتبي بعد الزواج إلى 750 دولاراً فقط. لكنّه كان أفضل من لا شيء. بعد ذلك، بت من دون عمل. حاولت البحث عن فرصة جديدة في شركات عدّة، غير أنّني لم أحظَ بواحدة في مجالي. ولأنّني في حاجة ماسة إلى العمل حتى أتمكّن من إعالة أسرتي، لم أجد أمامي من سبيل غير العمل في مهنة الباطون، كعامل بناء. وصرت أتقاضى لقاء عملي يومياً، ما بين عشرين ألف ليرة لبنانية وخمسة وعشرين ألفاً (ما بين 13 و17 دولاراً).



يتابع محمود أنّ "هذا الوضع الذي أعيشه شبيه بأوضاع الآلاف من الشباب الفلسطينيين الذين يحملون شهادات والذين لم تتح أمامهم فرص عمل". ربّما كان حاله أفضل من سواه عندما كان يعمل في تلك الشركة، "لكن بعد إقفالها بقيت لمدة خمسة أشهر عاطلاً من العمل، في حين أنّه لديّ عائلة أعيلها وأنّ أهلي يسكنون معي بسبب تدمير منزلهم خلال الأحداث التي شهدها المخيم خلال الفترة الماضية. بالتالي، لم أجد حلاً أمامي سوى اللجوء إلى العمل الشاق".

ويلفت محمود إلى أنّه يملك "أحلاماً كثيرة أرغب في تحقيقها، وأتمنى النجاح في ذلك. فأنا أسعى إلى الأفضل، إلى تأسيس شركة أو مكتب بعيداً عن الوظيفة غير المتوفّرة في الأساس، وذلك بهدف تحسين وضعي المادي". يضيف: "أعلم أنّه ليس لديّ أمل كبير في ذلك، فالأوضاع صعبة وقاسية خصوصاً في ظلّ الحروب القائمة في الدول العربية. في السابق، كانت تتاح لنا في بعض الأحيان فرص عمل في دول الخليج أو غيرها، لكن مع تأزّم الأوضاع السياسية والتشديد على الفلسطينيين ومنعهم من العمل في كثير من تلك الدول، بات الأمر صعباً علينا".

ويتمنّى محمود أن يخرج من هذا المأزق، يقول: "أتمنى أن تتاح لي فرصة السفر إلى أي دولة كانت، حتى أستطيع تأمين مستقبل لائق بي وبأسرتي. وأتمنى كذلك على المسؤولين عن الفلسطينيين المقيمين في لبنان الانتباه إلى معاناة الشباب الذين يتخرّجون من الجامعات حاملين شهادات متخصصة والذين يحلمون في إيجاد فرصة عمل".
المساهمون