اختلاط ورقص ومشاهد غير مألوفة في السعودية: بن سلمان يلعب بورقة المرأة؟

14 أكتوبر 2017
تغيير بطيء في المجتمع السعودي (حسن عمار/ فرانس برس)
+ الخط -
بدأت معالم التغيير تظهر في المجتمع السعودي، على الرغم من مخاوف كثيرين من خرق ما هو معتاد، إلا أن ما هو ملحوظ تراجع سلطة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك وفق صحيفة "فاينانشل تايمز".

يحاول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، من خلال "رؤيته الإصلاحية"، إعطاء هامش أكبر للمرأة؛ أو بمعنى أصح "اللعب بورقة حقوق المرأة"، لتحقيق إنجازات وتقديم صورة مغايرة عن المملكة، خصوصاً أن رؤيته الاقتصادية متعثّرة، فيما ينتهج سياسة قمعية في الداخل تقوم على إسكات الصوت الآخر، بل ملاحقة واعتقال من يلتزم الصمت، ولا يروّج لسياسته؛ وهذا ما تمثّل في حملة الاعتقالات الأخيرة التي طاولت العشرات من رجال الدين والكتّاب والصحافيين. وقد وصف الكاتب السعودي جمال خاشقجي ما يحصل بأنه مخيف، مشيراً إلى "مملكة الخوف" في عهد الملك سلمان وابنه. بموازاة ذلك، تقوم رؤية محمد بن سلمان الخارجية على سياسة متشدّدة سلطوية، تنعكس في حصار دولة قطر، الدولة العضو في مجلس التعاون الخليجي، والحملة العسكرية في اليمن، والتي ضّخمت السجل الحقوقي السيئ للمملكة.

ووسط هذه السياسات، والتي جلبت للمملكة كثيراً من النقد، يحاول محمد بن سلمان أن يلعب بورقة المرأة السعودية، عبر إعطاء هامش من الحرية لها، كالسماح لها بقيادة السيارة، وهو قرار تاريخي، إذ كانت السعودية الدولة الوحيدة في العالم التي تحظر على المرأة قيادة السيارة. إضافة إلى ضبط سلطة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإدخال المرأة في سوق العمل.

وأعلنت الرياض الشهر الماضي عن رفع الحظر على قيادة المرأة السعودية للسيارة بدءاً من يونيو/ حزيران 2018.

وقد رصدت صحيفة "فاينانشل تايمز" هذه المشاهد الجديدة غير المألوفة في المملكة. وتوضح الصحيفة نقلاً عن المواطنة السعودية نجلاء عبد الرحمن أنها رأت في أحد مقاهي الرياض شاباً وفتاة "يبدوان في موعد خاص يجلسان في زاوية المكان، هذا المشهد لم نكن نراه سابقاً". إذ كان اجتماع الذكور بالإناث في أمكنة عامة يعرضهم لخطر الملاحقة والاعتقال، على اعتبار أن الاختلاط سلوك مخل بالآداب في مجتمع محافظ.

وكانت "الشرطة الدينية"، حسب تعبير الصحيفة، أي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مخولة إنفاذ قوانين صارمة في ما يتعلق بـ"الأخلاق".

اللقاء المختلط في الأماكن العامة لم يعد نادر الحدوث في بلد احتفل مواطنوه نساء ورجالاً بالعيد الوطني السعودي قبل أيام، ورقصوا على أنغام الموسيقى في الشوارع العامة، وذلك للمرة الأولى منذ بدء المملكة في إحياء تلك المناسبة عام 2005، وفق ما تقول الصحيفة.



نجلاء عبد الرحمن تعتبر أن التغييرات الاجتماعية ستصبح مع الوقت أموراً طبيعية في المملكة. وقالت: "سنكون مثل أي مكان آخر في العالم. نحن لا نعيش على المريخ في حين أن بقية العالم يعيشون على الأرض"، مضيفة أن "الماضي لن نعود إليه. وهذا واضح جداً".

ترى الصحيفة أن العقبات أمام التغيير في السعودية ليست بسيطة، في بلد تعمق فيه التحالف بين عائلة آل سعود لعقود من الزمن مع المؤسسة الدينية الوهابية، والتي تعزز التفسير الصارم للإسلام، لإضفاء الشرعية على حكمها. واعتبرت أن الخطوات المبدئية التي يبذلها ولي العهد باتجاه تخفيف القيود المجتمعية تحمل مخاطر الصدّ من المحافظين الذين لا يزالون يشكلون شريحة كبيرة من المجتمع السعودي.

أحد وجوه معارضة التغيير يتمثل بسلطة هيئة الأمر بالمعروف، والتي رسخت وجودها في المجتمع السعودي، إذ امتنع بعض عناصرها عن العمل، احتجاجاً على قرارات سابقة للحكومة تجردهم من بعض سلطاتهم، في ما يخص الملاحقة والاعتقال والاستجواب، وحصر تلك المهمات بالشرطة، تذكر الصحيفة.




وتنقل الصحيفة عن أحمد الغامدي، الواعظ والرئيس السابق لفرع الهيئة في منطقة مكة، قوله: "بعضهم صدم من جراء هذه التغييرات". ويضيف الغامدي أن الحكومة سعت إلى تغيير دور الشرطة الدينية إلى هيئة مكلفة في المقام الأول بتقديم المشورة والتوجيه الديني بدلاً من المواجهة المباشرة.

ويتابع "كان العديد من أعضاء اللجنة حريصين جداً على إدانة أي انتهاكات، وهذا ينبغي أن يكون دوراً ثانوياً، يجب رفع الوعي في أي مجتمع أولاً، ولا ينبغي التركيز على اعتقال المخالفين".

وإذا كانت بعض المقاهي والمطاعم تشغل الموسيقى الآن، وهو أمر كان محرماً في السابق، وإن كان تخوّف الأفراد من الملاحقة والاعتقال بات أقل، إلا أن تجارب الماضي لا تزال ماثلة بقوة في أذهان كثيرين، بحسب ما تقول الصحيفة.

تنقل الصحيفة عن إحدى الكاتبات السعوديات أن الاختلاط في الأماكن العامة لا يزال أمراً مقلقاً، وغير مضمون النتائج. وتقول "الفكرة تذعرني، ومن المستبعد حصولها الآن".

ويقول عبد اللطيف آل الشيخ الذي عيّن رئيساً لهيئة الأمر بالمعروف قبل خمس سنوات: "تأذى الناس من سلوك بعض أعضاء الهيئة الذين تمثل عملهم بالترويع والقمع وحرمان الأفراد من حرياتهم المشروعة".

ويلفت إلى أنه يواجه مقاومة شديدة من جانب كثيرين في المؤسسة الدينية الذين عارضوا قراره بطرد ضباط متطوعين تصعب السيطرة عليهم.

ويقول: "لدى الناس الآن ما يكفي من الوعي للقيام بما يناسبهم، من يريد أن يذهب إلى حفل يمكنه أن يفعل، ومن يرغب في البقاء في المنزل يمكنه ذلك أيضاً".

يتضح أن المحافظين والكبار في السن أقل تقبلاً للتغييرات، ومظاهر الإصلاح، خصوصاً أن الناس يذكرون جيّداً دوريات عناصر الهيئة بسيارات الدفع الرباعي الكبيرة، والتي كانت تعنّف الناس وتضربهم في العلن، ما ألحق الضرر بصورة السعودية في الخارج.

(العربي الجديد)