اقتناء السلاح ثقافة في أميركا

31 يوليو 2016
تأييداً للسلاح في كليفلاند (سبنسر بلات/ Getty)
+ الخط -
قتل عام 2014 بالرصاص نحو 12 ألفاً و800 أميركي بحسب الإحصاءات الرسمية. أي أنّ كلّ يوم حمل معه مقتل 35 أميركياً بإطلاق نار. ومنذ بداية العام الجاري، قتل نحو 6 آلاف أميركي. بعض الحوادث عن طريق الخطأ، وبعضها الآخر عن طريق الانتحار، وكثير منها مقصود على أيدي أميركيين آخرين.

يثير القتل الجماعي الذي تشهده الولايات المتحدة بين فترة وأخرى حفيظة الكثير من المواطنين، ويفتح الجدل كلّ مرة على قوانين وتراخيص اقتناء وحمل السلاح. يتصدر المعارضون والمؤيدون البرامج الإخبارية في تلك الفترات، كلٌّ منهم يدافع عن موقفه بشراسة. ثم سرعان ما يعود كلّ فريق إلى معسكره ويتبخر الزخم الإعلامي الذي كان يحيط بالموضوع إلى أن تأتي حادثة قتل جماعي أخرى ويحتدم النقاش حول الموضوع مجدداً.

كما تشهد فترات الانتخابات الرئاسية وانتخابات الكونغرس جدلاً حول الموضوع، خصوصاً أنّ هناك فروقاً أساسية بين الحزبين الرئيسيين. يطالب الديمقراطيون بتشديد القوانين على اقتناء وحيازة السلاح، في حين يعارض الكثير من الجمهوريين ذلك. لا يبدو أنّ مواقف جبهة المدافعين عن اقتناء وحمل السلاح تلين، على الرغم من أعداد القتلى الكبيرة سنوياً. وبالكاد يمكن البدء في الحديث معهم، من دون أن يذكروا البند الثاني من الدستور الأميركي الذي ينص على "الحق في اقتناء وحمل السلاح".

يصعب على الذين يعيشون خارج الولايات المتحدة فهم معضلة الهوس باقتناء السلاح أو "الحق" في حمله. تضرب قوانين السلاح جذورها عميقاً في تاريخ الولايات المتحدة إلى ما قبل عام 1776، عندما أعلنت الولايات المتحدة استقلالها عن بريطانيا. توارث "الآباء المؤسسون" للبلاد الارتباط بالسلاح من الميليشيات المسلحة التي حاربت البريطانيين من أجل الاستقلال. وحمل هؤلاء بذور الإيمان بضرورة اقتناء السلاح من أجل ما أسموه الدفاع عن النفس.



سرعان ما حملت التعديلات العشرة الأولى للدستور الأميركي، الذي صدر عام 1789، وثيقة الحقوق. وكانت في غالبيتها حقوقاً شخصية تقلص من نفوذ الحكومة الفدرالية وتهدف إلى الحد من مخاوف المعارضين للفدرالية آنذاك. ونص التعديل الثاني في وثيقة الحقوق التي اعتمدت عام 1791، على ضرورة عدم المس بالحق في حمل السلاح. ولأنّ هذا الحق ينص عليه الدستور، فلا يمكن أن تسن قوانين تتعارض مع الدستور. ولهذه القاعدة استثناءات في بعض الولايات حيث يمنع البعض من حمل السلاح في حال أدين بأحكام جنائية أو كانت لديه مشاكل نفسية أو كان من الأجانب. وفي العموم، يمكن لأي أميركي لا تنطبق عليه الاستثناءات بلغ من العمر 18 عاماً الدخول إلى أي محل مرخص وشراء بندقية حربية أو بندقية صيد. لكن يمنع حمل السلاح في عدة مناطق بما فيها محيط المدارس في عدد من الولايات الأميركية.

"الشيء الوحيد الذي يمكن أن يوقف شخصاً شريراً مسلحاً هو شخص آخر طيب يحمل سلاحاً" هذه المقولة يكررها الكثير من مؤيدي حمل السلاح. يزعم هؤلاء أنهم يشعرون بأمان أكثر لحملهم السلاح من أجل الدفاع عن أنفسهم. كما أن اللوبي المؤيد للسلاح الذي يمثله "اتحاد البنادق الوطني" (إن. آر. إيه.) يساهم في تمويل العديد من الحملات الانتخابية لأعداد كبيرة من نواب الكونغرس الأميركي، مما يجعل سن قوانين تحد من استخدام واقتناء السلاح شبه مستحيل. ومع زيادة نفوذ لوبي السلاح منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، بدأت تبعات هذا النفوذ تظهر على الساحة السياسية الأميركية فاستغلت تلك المنظمات، وعلى رأسها "اتحاد البنادق الوطني"، نفوذها للسيطرة على الكونغرس خصوصاً في أواسط التسعينيات، من أجل منع تمرير قوانين تحد من انتشار السلاح. وهو ما يفسّر فشل الرئيس الأميركي باراك أوباما في سن أي قانون، حتى إن كان يهدف إلى السيطرة على انتشار السلاح والتحقق من البيانات الشخصية لكلّ مشتر فحسب، وليس منع اقتنائه.

بعيداً عن سيطرة لوبي السلاح، فإنّ ثقافة وتقاليد امتلاك السلاح ارتبطت بعدة أمور من بينها "أسطورة" استقلال الولايات المتحدة. لكنّ نوعية تلك الأسلحة تغيرت، فقد بات المواطنون يملكون، وبشكل قانوني، أسلحة فتاكة. وبحسب أرقام رسمية أميركية، فإنّ هناك 270 مليون قطعة سلاح يملكها مواطنون أميركيون بشكل قانوني. وتعدّ هذه النسبة الأعلى عالمياً للمواطنين.

أحد أهم ميزات "ثقافة السلاح" في أميركا يتعلق باستخدامه كرياضة عائلية، خصوصاً في بعض الولايات الجنوبية حيث يسمح للأهل بتدريب أولادهم على حمل السلاح والصيد. لكنّ الأرقام تشير إلى موت نحو 3 آلاف طفل سنوياً بإطلاق النار، أي نحو ربع عدد الضحايا بشكل عام. وتشير دراسة من جامعة "ييل" الأميركية إلى أنّ ما يقدّر بـ20 طفلاً يصلون يومياً إلى غرف الطوارئ للعلاج في المستشفيات الأميركية نتيجة حوادث إطلاق نار.

يشير الكثير من استطلاعات الرأي، إلى أنّ غالبية الأميركيين، بمن فيهم أولئك الذين يؤيدون اقتناء وحمل السلاح، ترغب في سنّ قوانين يجري من خلالها فحص خلفية مقتني السلاح، والتأكد من أنه ليس صاحب سوابق جنائية، أو يعاني من مشاكل نفسية. لبعض الولايات بالفعل قوانين من هذا القبيل، إلا أنها غير مطبقة في جميع الولايات أو على المستوى الفدرالي.