طهران مهدّدة بالعطش

27 يوليو 2016
تجاوزت درجات الحرارة الأربعين مئوية (فاطمة بهرامي/ الأناضول)
+ الخط -
تجاوزت الحرارة في العاصمة الإيرانية طهران في بعض أيام الشهر الجاري 40 درجة مئوية، ما زاد من استهلاك المياه، كما حطمت معدلاته الأرقام القياسية في المدينة، ما ينذر بأزمة كبيرة

تتوقع المعلومات الصادرة عن مؤسسة المياه الإيرانية أن يؤدي استمرار استهلاك المياه بمعدلات مرتفعة في طهران تبعاً لموجة الحر المستمرة، إلى اضطرارها إلى قطع المياه عن بعض مناطق العاصمة الإيرانية في المستقبل القريب. ولن يكون هناك أي حل آخر، لمنع جفاف طهران المرتقب.

استهلاك أكثر من 8 ملايين ونصف المليون شخص يقطنون ويبقون في طهران صيفاً، لمياه الشرب في حالة ارتفاع كما مياه الخدمة. بإمكان شبكة مياه طهران إيصال كمية 3 ملايين و300 ألف متر مكعب من هذه المياه إلى البيوت بحسب مؤسسة المياه. لكنّ آخر معدلات الاستهلاك للمياه، وهو أعلى معدلات العام، يدق ناقوس الخطر سواء في حال استمر الوضع على حاله أو ارتفع أكثر.

في الصيف الماضي، أعلنت إدارة المياه أن استهلاك المواطنين في طهران بلغ خلال أشهر هذا الفصل كمعدل وسطي أربعة ونصف مليون متر مكعب، وهو حجم المياه في بحيرة تشيتغر الموجودة في العاصمة. هذا الاستهلاك جعل طهران مصنفة من بين المدن الأكثر تعرضاً لخطر الجفاف في العالم، بحسب مؤسسة المياه التي أكدت ارتفاع نسب الاستهلاك مع بداية الصيف الحالي بمعدل 10 إلى 15 في المائة.

وبالرغم من أنّ معدل هطول الأمطار في العاصمة زاد خلال شتاء وربيع هذا العام عن العام الماضي، بنسبة 30 في المائة، فإنّ هذا لن يحل المشكلة مع ارتفاع نسب الاستهلاك كثيراً، لا سيما أنّ كلّ منزل في طهران يستخدم ماء أكثر بعشرين في المائة من الحد الطبيعي. وهو ما يعني كارثة خلال السنوات الأربع المقبلة.

للجفاف في إيران بشكل عام، وفي العاصمة طهران بشكل خاص، مسببات بيئية وإنسانية على حد سواء. هذا البلد يقع في إقليم جاف يعاني من تناقص مستمر في معدلات الهطول، وقد أعلن مدير مكتب دراسات المصادر المائية التابع لوزارة الطاقة رضا راعي عز أبادي العام الماضي أنّ 12 محافظة إيرانية من بين 31 عبرت خط الخطر وتقترب من الجفاف. أضاف أنّ حجم المياه في مخازن 160 سداً موزعة في كلّ أنحاء البلاد، وصل إلى أقل من النصف، وهي السدود التي تؤمن مياه الشرب والخدمة والزراعة لكلّ الإيرانيين.

يترافق الأمر مع عدم ترشيد استخدام المياه. فمركز الإحصاء الرسمي يفيد أنّ كلّ إيراني يصرف يومياً ما يعادل 170 ليتراً من الماء، أي ضعفي الاستهلاك العالمي للفرد الواحد. وحتى مع ارتفاع معدلات الهطول، إلاّ أنّ نسب الاستهلاك قد لا تؤدي إلى نتيجة إيجابية.

حول مدينة طهران يوجد خمسة سدود، هي التي تؤمن مياهها. ارتفع مستوى المياه فيها في مارس/ آذار الماضي بأكثر من 194 مليون متر مكعب، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. وفي سد كرج وحده الواقع غربي العاصمة، زادت كمية المياه بنسبة 128 في المائة.

المياه تصل إلى كلّ مناطق وبيوت طهران بلا استثناء. مع ذلك، تعاني العاصمة من مشكلة بسبب الاستهلاك. وبحسب رسم بياني نشرته المواقع الرسمية أخيراً فإنّ 91 في المائة من الإيرانيين يؤمّنون مياه شربهم مباشرة من صنابير بيوتهم. وهذا يعني أنّ الجفاف يعني قطع مياه الشرب أيضاً عن البيوت. وهذا في حد ذاته قد يخلق مشكلة كبرى لكثيرين قد يضطرون إلى شراء المياه المعدنية.

عن ذلك، يقول عضو لجنة الطاقة في البرلمان الإيراني غلام رضا شرفي إنّ البلاد تقع في إقليم جاف تتناقص معدلات هطوله. وهي طبيعة جغرافية لا يمكن تغييرها. ويعتبر أنّ الحل الوحيد يكمن في التحكم بمعدلات استهلاك المواطنين وترشيد استخدام المياه.

وفي سؤال لـ"العربي الجديد" عن خطط المسؤولين، يجيب شرفي أنه لم يتم إقرار خطط تتعلق بالاستهلاك لأغراض صناعية، وهي التي من المفترض أن تحدد كمية استهلاك المياه وتضبطها في المصانع والمعامل وغيرها، لكن على الإدارات المعنية بهذا الأمر في الحكومة أن تبدأ بوضع خطط مجدية لدراستها وإقرارها برلمانياً. وهو ما قد يساعد في إيجاد حلّ وقائي لمشكلة مستقبلية متوقعة، كما يقول.

يتابع أنّ بناء السدود يوفر المياه بالفعل، لكنه في نفس الوقت يوصلها إلى مناطق دون أخرى، وهو ما يرفع معدلات الجفاف أحياناً في بعض الأقاليم والمناطق. يضيف أنّ من الضروري العمل على صياغة خطط لإيجاد حلول تتعلق بالسدود، والعمل على ترشيد استهلاك المياه المستخدمة في ري الأراضي الزراعية، وهي كميات كبيرة بالفعل وتتجاوز الحد المطلوب. ويعتبر أنّ هذا من الممكن أن يساهم في الحل، في ظل استمرار ارتفاع معدلات استهلاك المياه من قبل المواطنين.

وعن ضرورة التوعية، يرى شرفي أنّ الأمر يتطلب جهداً جماعياً، يقع على عاتق هيئة الإذاعة والتلفزيون والمؤسسات الإعلامية والتعليمية كالجامعات والمدارس. يعلق: "وضع اللوحات الإعلانية التي تدعو لترشيد استهلاك المياه في الشوارع خلال فصل الصيف فقط لن يحل الأزمة المرتقبة. المطلوب هو الوصول إلى برنامج دقيق ومتكامل، للمس النتائج في المستقبل، وعلى الحكومة تبنيه، لا سيما أنّ الإيرانيين يتجاوبون عادة مع حملات التوعية".

إلى ذلك، يهدد الجفاف أيضاً بزيادة تفاقم مشكلة العواصف الرملية التي تعانيها مناطق عدة من إيران ومن بينها مدينة طهران، وهي المشكلة التي تتضاءل أحياناً ويجري التحكم بها برفع مستوى التشجير وزراعة الحدائق. لكن عدم وجود كميات مياه كافية يجعل تطبيق هذه الخطة صعباً أيضاً.

المساهمون