هجرة سعوديّة عكسيّة من المدارس الأهليّة إلى الحكوميّة

26 يوليو 2016
ما هو مصيرهما؟ (فرانس برس)
+ الخط -
في السعودية نحو 5.8 ملايين تلميذ وتلميذة في مختلف مستويات التعليم دون الجامعي، يتلقّون تعليمهم في نحو 41 ألف مدرسة بين أهليّة وحكومية، أمّا المدرّسون والمدرّسات فنحو خمسة ملايين و270 ألفاً و30 مدرّساً

يواجه التعليم السعودي أزمة قد تؤثّر على مستواه في السنوات المقبلة، بعدما قررت وزارة التعليم إغلاق كلّ المدارس الأهلية التي لا تملك مقرات خاصة بها في غضون عامَين فقط، الأمر الذي يهدّد استمرار أكثر من ثلاثة آلاف و500 مدرسة من أصل أربعة آلاف و343 مدرسة عاملة. بالتالي، لا بدّ من أن ينعكس ذلك على قدرة المدارس الباقية على استيعاب التلاميذ الذين أصبحوا من دون مقاعد دراسية.

ويحذّر متخصصون في التعليم من أنّ هذا الأمر سوف يقود إلى هجرة معاكسة للتلاميذ من المدارس الأهلية إلى تلك الحكومية التي تعاني في الوقت الحالي من تكدّس التلاميذ في الفصول، وقد لا تكون قادرة على استيعاب مزيد من التلاميذ، خصوصاً في الصفوف الابتدائية التي يتعلّم فيها نحو 4.3 ملايين تلميذ وتلميذة.

وكانت وزارة التعليم قد أمهلت المدارس الأهلية التي تعمل في مبانٍ مستأجرة عامَين فقط لتصحيح أوضاعها قبل إلغاء تصاريحها نهائياً، الأمر الذي أقلق مالكيها وأيضا المدرّسين والمدرّسات الذين يعملون فيها. هذه المدارس هي مصدر دخلهم الوحيد، وهم يقدَّرون بنحو 64 ألف مدرّس ومدرّسة. كذلك أثار القرار الوزاري قلق أولياء الأمور الذين لا يستطيعون تحمّل الرسوم المرتفعة للمدارس الجيّدة.

تبلغ نسبة المدارس المستأجرة في التعليم الأهلي نحو 81 في المائة من مجموعها، وتقول مصادر في وزارة التعليم لـ "العربي الجديد" إنّ الهدف من قرار الوزير الدكتور محمد العيسى هو "رفع مستوى التعليم الأهلي ليكون موازياً للمبالغ الكبيرة التي يدفعها أولياء الأمور لقاء تعليم أبنائهم".

المربّي خالد الشامي هو صاحب مدرسة أهلية، يقول إنّ "هذه المدارس حافظت على قيمة رسوم أقلّ من غيرها إذ إنّ مبانيها مستأجرة، من دون أن يعيقها ذلك عن تقديم تعليم جيّد. وفي حال إغلاقها، لن يتمكّن أولياء الأمور من تحمّل الرسوم المرتفعة للمدارس الكبيرة، بالتالي سوف يزيد الضغط على المدارس الحكومية". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "التعليم الأهلي يوفّر على الدولة سنوياً أكثر من 3.1 مليارات دولار أميركي، لأنّه يخدم نحو 1.2 مليون تلميذ وتلميذة. وفي حال وقف العمل في الجزء الأكبر منه، فإنّ هؤلاء سوف يتوجّهون إلى المدارس الحكومية التي لا تستطيع في الأساس استيعابهم".

ويتابع الشامي أنّ "التعليم الأهلي أفاد أكثر من 90 في المائة من تلاميذ المراحل التمهيدية (ما قبل الابتدائية)، مع أكثر من 306 آلاف تلميذ وتلميذة. ولأنّ المدارس الحكومية لن تتمكّن من استيعابهم جميعاً، فإنّ مشكلة كبيرة ستصيب الكلّ. ولا يقتصر الأمر على تكدّس التلاميذ في الفصول الدراسية الحكومية أو الأهلية ذات المباني الخاصة، فإنّ أولياء الأمور سوف يرهقون برسوم عالية. المدارس الناجية سوف تستغل الأمر برفع الأسعار، وسوف ينتهي الأمر بالاحتكار".

من جهته، يؤكد المتخصص في شؤون التعليم عبدالعزيز الثميري وهو مدير مدرسة سابق، على أنّ "القرار جيّد شكلياً، لكنّ واجب الوزارة كان البدء بنفسها أولاً وحلّ مشاكلها مع المدارس المستأجرة". ويقول لـ "العربي الجديد" إنّ "الوزارة تريد رفع مستوى التعليم الأهلي، وهذا أمر جيّد. لكن ماذا عن 70 في المائة من المدارس الحكومية في مبان مستأجرة"؟ يضيف أنّها "تعترف بوجود مشكلة لدى المدارس الحكومية المستأجرة وأنّها لن تُحَلّ إلا بتوفير الأراضي المناسبة. تتذرّع بقلة الأراضي أو ارتفاع ثمنها".

ويلفت الثميري إلى أنّ "نحو 64 ألف مدرّس ومدرّسة سوف يتضررون من هذا القرار، لأنّه سوف يقطع عنهم مصدر دخلهم الوحيد وبالتالي يحوّلهم إلى البطالة. يُذكر أنّ هذه المدارس الأهلية بمعظمها غير قادرة مادياً على توفير أراضٍ بمساحة كافية، الأمر الذي يعني عدم تجديد ترخيصها. كان من الممكن التعامل مع القضية بحلول وسط، عبر منح كل مدرسة وقتاً كافياً لتصحيح أوضاعها، ومراعاة وضع كلّ واحدة على حدة. المدارس في المباني اللائقة مثلاً، يمكن أن تمنح وقتا أطول. أما تلك التي تعمل في منازل صغيرة غير مجهّزة للعملية التعليمية، فيلغى تصريحها على الفور أو تُلزَم بالبحث عن مقرّ مناسب".

ويبدي الثميري استغرابه من "دفع أولياء الأمور مبالغ تصل إلى نحو ثلاثة آلاف دولار في مدرسة لا تملك أساسيات التعليم، في وقت يرفض فيه تسجيل أبنائه في مدرسة حكومية بنيت على أحدث التصاميم". ويقول إنّ "التعليم الأهلي في السعودية ليس أفضل من التعليم الحكومي، بل على العكس تماماً. من يبحث عن التعليم الأهلي، فهو يبحث عن دراسة أسهل وهذا ينعكس سلباً على التلميذ مستقبلاً".

دلالات
المساهمون