موريتانيّات ممنوعات من الرياضة

23 يوليو 2016
يكتفين بنزهة صغيرة (أحمد أوبا/فرانس برس)
+ الخط -
حين أعلنت وزيرة الشباب والرياضة السابقة، فاطمة فال بنت أصوينع، أنها لم تتابع مباراة رياضية في حياتها، وأنّها لا تعرف شيئاً عن الرياضة، هاجم الجميع الحكومة لأنها أسندت حقيبة الشباب والرياضة إلى شخص يجهل هذا القطاع ومشاكله. لم ينتبه أحد إلى سبب عدم إلمام الوزيرة الشابة بكلّ ما له علاقة بالرياضة، وكيف أعلنت عن ذلك على الملأ، ومن دون حرج.

ما قالته الوزيرة يكاد ينطبق على غالبيّة نساء موريتانيا، في ظلّ ثقافة شعبية تعدّ عالم الرياضة شأناً خاصاً بالرجال. وعادة ما تربّي العائلات أبناءها على أساس أن الذكور يمارسون الرياضة أو يتابعونها. وحين تبدي إحداهن اهتماماً بمتابعة الرياضة أو ممارستها كهواية، يكثر القيل والقال حولها، وتوصف بـ"المسترجِلة".

وما زالت ممارسة النساء للرياضة في موريتانيا محكومة بقيود اجتماعية كثيرة، سواء أكان ذلك في المدارس أو الصالات الرياضية أو الشارع العام. وتُمنع النساء من ارتداء الملابس الرياضية، لأنها "مثيرة" وتتعارض مع التقاليد التي تلزمهن بارتداء الملابس التقليدية الفضفاضة.

وغالباً ما تكتفي الموريتانيّات برياضة المشي، التي يمارسنها وهنّ يرتدين ملابسهن المعتادة في الساحات والشوارع الخالية البعيدة عن الأحياء السكنية، خوفاً من عيون المتطفلين. ولعلّ المفارقة العجيبة أنهن يمارسنها غالباً قرب الملاعب الرياضية التي تضم صالات مخصّصة للرياضة، لكنها مقفلة بسبب الإهمال ونظرة المجتمع للرياضة بصفة عامة والنسائية بصفة خاصة.

في العاصمة نواكشوط، تتردّد نساء مرغمات على الساحة المقابلة للملعب الأولمبي لممارسة رياضة المشي، بناء على نصائح الأطباء، وقليلات منهن يكنّ مدركات أهمية الرياضة. في هذا السياق، تقول سعاد بنت أحمد لبات (37 عاماً)، وهي ربة منزل، إنه لا يمكن للنساء ممارسة رياضة الركض بسبب طبيعة المجتمع المحافظ. لذلك، نكتفي بالمشي وأداء بعض التمارين البسيطة. تضيف، وهي تنظر إلى الصالات الرياضية المقفلة في وجه النساء، أن مضايقات الشباب للنساء أثناء ممارسة الرياضة تدفع كثيرات إلى التوقف عن ممارسة الرياضة خارج المنزل، وشراء الآلات الرياضية للحفاظ على خصوصيتهن في المنزل، خصوصاً أن كثيرات يعانين من السمنة.

لكنّ سعاد أصرّت على ممارسة الرياضة في الساحات العامة. وترى أن هذا الأمر يساعد على التغيير، وكسر الروتين، ويحفّز على الاستمرار. تأملُ أن يصبح المجتمع أكثر وعياً، ويسمح للنساء بارتداء الملابس المخصصة للرياضة مع احترام خصوصيّة المجتمع.

وإذا كان هذا هو الحال في العاصمة، فإن النظرة السلبيّة للرياضة النسائية تزداد في المحافظات الداخلية. في شرق موريتانيا، هناك إجماع على رفض ممارسة النساء للرياضة، بدعوى أنها تتطلّب مجهوداً بدنياً لا يتناسب وطبيعة المرأة. وما زالت المناطق الشرقية والوسطى تحتفظ بعادات "تسمين الفتيات"، إذ تعدّ السمنة مقياساً لجمال المرأة. من هنا، ليس غريباً أن تكون الرياضة خارج اهتمامات النساء في هذه المناطق.



أما في الشمال، فإنّ الخوف من تأثير الرياضة على غشاء البكارة ما زال يمنع الفتيات من ممارسة الرياضة، خصوصاً ركوب الدراجة الهوائية واللعب بالكرة.

في هذا الإطار، يقول الباحث الاجتماعي أحمدو ولد الزين، إنه على الرغم من التطور المجتمعي، تسيطر الثقافة الشعبية على مختلف شرائح المجتمع، واللافت أن هذا التطوّر لم يساهم في تبديد النظرة السلبيّة للرياضة النسائية. يضيف لـ"العربي الجديد" أن النظرة الحالية تؤثر على الرياضة النسائية، بالإضافة إلى المبادرات التي تدعو إلى كسر الحواجز النفسية، وتسعى إلى تشجيع المرأة على الانخراط في جميع الرياضات حتى لا تظل حكراً على الرجال، إلا أن العلّة في التقاليد والمجتمع الذكوري.

ويشير الباحث الاجتماعي إلى أن البعض ينظر بريبة إلى المبادرات الهادفة إلى تشجيع الرياضة النسائية، إذ يرى هؤلاء أنها بمثابة دعوة إلى التخلي عن الحشمة والوقار وخصوصية النساء. يضيف أن الفتيات لا يمارسن الرياضة في المدارس بسبب ثقافة العيب. من جهة أخرى، فإن ممارستها في الشارع تثير جدلاً كبيراً. أما الأندية الرياضية، وعلى الرغم من قلتها، فتبقى المكان الوحيد الذي يُسمح فيه للنساء بممارسة الرياضة.

ويؤكد أهمية الرياضة في حياة المجتمعات، لافتاً إلى أنه لا يجوز حرمان الفتيات والنساء منها بسبب العادات، أو انشغالهن بشؤون المنزل. ويرى أنه يمكن ممارسة الرياضة ضمن الضوابط الشرعية، ومن دون اختلاط بين الرجال والنساء، وارتداء لباس محتشم، واختيار رياضات تناسب الفتيات. ويدعو إلى تجاوز النظرة النمطيّة المتعلّقة بعدم قدرة المرأة على ممارسة الرياضة، وذلك من خلال جعلها إلزامية في المدارس، وعدم التمييز. كذلك، يدعو النساء إلى التمرّد على قيود المجتمع المنغلق، وإدخال الرياضة ضمن برنامجهن اليومي، خصوصاً أن ذلك يساعدهن على المحافظة على صحتهن ولياقتهن.

المساهمون