اكتظاظ في مستشفيات نواكشوط

05 نوفمبر 2016
يفضلون مستشفيات العاصمة (مهدي فدواش/ فرانس برس)
+ الخط -
بعينين خائفتين تراقب سلمى بنت الجيد طفل شقيقتها، الذي ولد قبل ساعتين، وقد وضع في العناية المركزة بسبب صعوبة في التنفس.

نقل الطفل بعد ساعتين من ميلاده من المركز الطبي في مقاطعة عرفات إلى مستشفى الصداقة المركزي من أجل إسعافه. لم تجد الممرضة في المركز أداة سحب تنقذ الصبي الذي جاء إلى الدنيا ولم يطلق صرخة الحياة الأولى بعد، لكنّها تصرفت بخبرة وأنقذت الصبي بعد دقائق حبست فيها العائلة أنفاسها. ضربت صدر الطفل قبل أن يرتفع بكاؤه، لتعم الفرحة المكان. مع ذلك، نصحت الممرضة الأسرة بنقل الصبي إلى مستشفى أكبر من أجل الاطمئنان على صحته بشكل كامل.

نقلت سلمى الطفل مع والدها إلى مستشفى الصداقة، ليحتجز في غرفة الانتعاش حتى يتأكد الأطباء من وضعه. تقول سلمى لـ "العربي الجديد": "المركز الطبي القريب من منزلنا لا توجد فيه سوى ممرضة واحدة، وقد كانت نائمة حين وصلنا الساعة الرابعة فجراً. وبعد إيقاظها، باشرت عملها لكن لم تكن الأدوية متوفرة، كما كانت الصيدليات القريبة من المركز مغلقة. وهو ما جعلها تلجأ إلى بعض الوسائل التقليدية في العلاج. كانت ممرضة طيبة وصبورة، ولولا خبرتها لمات ابن شقيقتي، خصوصاً أنّها رفضت نقله إلى المستشفى قبل محاولتها علاجه لأنّه كان سيموت في الطريق".

المركز الطبي مبنى متهالك بني قبل عشرات السنين، حين كانت منطقة العمود الرابع في مقاطعة عرفات منطقة عشوائية. وحين تغيرت المنطقة عمرانياً بقي هو على حاله. لذلك، هجره السكان ولم يبق فيه من علامات الحياة إلاّ لافتة عتيقة على بوابته، وبضعة ممرضين وحراس. أما الأطباء فيأتون ساعات قليلة يستقبلون فيها المرضى على عجل قبل أن ينصرفوا.

مركز عرفات الطبي نموذج لتسعة مراكز طبية في عدد من مقاطعات العاصمة الموريتانية نواكشوط، تعاني الإهمال وضعف الخدمات، مما جعل سكان هذه المقاطعات يذهبون إلى المستشفيات المركزية في وسط العاصمة، بالرغم من بعدها. هذا الوضع يكدّس المرضى في المستشفيات المركزية، في الوقت الذي تبقى فيه المراكز الطبية في المقاطعات خالية إلاّ من حالات قليلة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ مستشفيات الولايات الداخلية في موريتانيا ضعيفة الخدمات أيضاً، ما يؤدي بدوره إلى ترحيل معظم الحالات إلى المستشفيات المركزية في نواكشوط، خصوصاً الحالات الخطيرة، مع ما في ذلك من زيادة تكدس أعداد هائلة من المرضى فيها، وتأثر الخدمات الطبية هناك سلباً مع كلّ زيادة.

حالة من الفوضى تستقبل الداخل إلى المستشفيات الثلاثة الكبرى في نواكشوط، بسبب عدد المرضى الكبير خصوصاً في أقسام الحالات المستعجلة (الطوارئ) وطب الأطفال.

عليا بنت عبدي جاءت بابنتها المصابة بتسمم غذائي إلى قسم الحالات المستعجلة في المستشفى المركزي في وسط العاصمة آتية من مقاطعة الرياض، أقصى جنوب العاصمة. وحين سألها الممرض لماذا لم تذهب إلى المركز الطبي في الرياض، علقت بسخرية: "ليس هناك مركز طبي في الرياض".

من جهته، يقول الطبيب في المستشفى المركزي في وسط نواكشوط، سيدنا ولد محمد، لـ"العربي الجديد": "نحن، كما ترى، نستقبل المرضى من كلّ أنحاء موريتانيا، من باسكنو على الحدود الشرقية مع مالي إلى كرمسين في الجنوب. وهذا ما يؤثر سلباً على نوع الخدمات التي نبذل أقصى ما في وسعنا من أجل تقديمها. أنا هنا منذ الصباح، أعمل أحياناً 24 ساعة من دون راحة. هناك حالات خطيرة جداً تأتينا وتتطلب العلاج الفوري".

يعتقد ولد محمد أنّ المراكز الطبية في الولايات تراجع دورها بشكل حاد، خصوصاً أنّها أنشئت قبل عدة عقود، وبعضها لم يعد صالحاً للاستخدام. كذلك، بنت الدولة وشركاء وطنيون ودوليون عدة مستشفيات كبيرة في العاصمة، ما أضعف هذه المراكز أكثر، ولم يعد هناك اهتمام بها.

لامركزية الصحة
يقول الطبيب في المستشفى المركزي وسط نواكشوط سيدي ولد محمد إنّ المراكز الطبية لا يمكن الاستغناء عنها، شرط تأهليها وتطوير الخدمات المقدمة فيها. بذلك، فإنّها ستخفف الضغط عن مستشفيات العاصمة. يشير إلى أنّ وزارة الصحة تنبهت إلى الأمر مؤخراً، من خلال نقلها قسم الأطفال من المستشفى المركزي الكبير في نواكشوط إلى مستشفى خاص جديد هو "مستشفى الأمومة والطفولة".

المساهمون