طلاب عراقيون تخطوا سنّ الدراسة

02 أكتوبر 2016
لهؤلاء زملاء في مثل سنّ أهلهم (واثق الخزاعي/ Getty)
+ الخط -

أمام مدخل الجامعة، يقف أبو معتز وقد تخطّى الخمسين من عمره. تستعيد ذاكرته كيف كان المكان في يوم مضى. يقف هناك بصفته طالباً جامعياً. قبل أكثر من 30 عاماً، كان طالباً جامعياً لكنّه اضطرّ إلى ترك مقاعد الدراسة من أجل العمل لإعالة أسرته. ولأنّه رفض التخلّي عن حلمه الذي رافقه طيلة العقود الماضية، يعود إلى الدراسة اليوم وهو جدّ لثلاثة أحفاد، فظروفه تسمح له بذلك.

أسباب كثيرة وقفت حائلاً أمام طموح آلاف العراقيين في إتمام دراستهم، بعضهم تمكّن من تخطّيها وإن بصعوبة فيما بعض آخر ما زال ينتظر فسحة أمل لتحقيق حلمه. هذا ما توضحه الباحثة ليلى التركماني التي تقول لـ"العربي الجديد" إنّ "العراق بلد يزخر بطلاب العلم والمعرفة، غير أنّ الحروب التي مرّ بها كثيراً ما حطمت أحلام وطموحات الشباب الذين كانوا يتمنّون أن يكملوا دراستهم الجامعية ولا سيما تلك العليا". تضيف: "وإذا أردنا التوقّف عند العقدَين الماضيين، نجد أنّ سنوات الحصار الاقتصادي على العراق وما تبعها من احتلال أميركي حالت دون استكمال كثيرين لدراستهم. هؤلاء تخطّوا سنّ الدراسة، إلا أنّ حلمهم بإتمام ما بدأوه بأيّ طريقة، بقي رفيق بعضهم". وتتابع أنّها كثيرة هي الأسباب التي دفعت بالعراقيين ممّن تجاوزوا الخمسين إلى استكمال دراستهم، منها الطموح وزيادة العلم والمعرفة وإثبات الذات من خلال ما يجذبهم، أو لتعويض حرمان. ليس هذا فحسب، بل ثمّة أسباب مادية تدفع بالبعض إلى الدراسة لتحسين الراتب التقاعدي من خلال شهادة جامعية، فيما يرى آخرون في الأمر واجهة اجتماعية.

وتشير التركماني إلى أنّ "الظروف السيئة في العراق ما زالت قائمة، لكنّ كثيرين ممّن تخطوا الخمسين لم يجدوا أمامهم غير خوض التجربة قبل ضياع آخر فرصة لهم في تحقيق ذاتهم، بحسب ما يفيد عدد كبير من هؤلاء". وتوضح أنّ "الدراسة المسائية في العراق تمتاز ببعض التسهيلات التي لا تتوفر في الدراسة الصباحية، وهو الأمر الذي أغرى حتى الطلاب العاديين، خصوصاً أولئك الذين يعملون ويدرسون في الوقت نفسه".

تحكي منى (49 عاماً) قصة عودتها إلى مقاعد الدراسة. تقول: "على الرغم من كلّ المعوقات التي اعترضت طريقي بدءاً من عدم موافقة زوجي وأهلي وصولاً إلى حالتنا المادية المتواضعة، إلا أنّ شغفي في إكمال دراستي جعلني أكافح. وقد تمكّنت من إقناع زوجي بأنّني سوف أتحمّل نفقات الدراسة ولن يؤثّر ذلك على تربية أبنائي أو واجباتي المنزلية". تضيف أنّ "زوجي وبعد جهد، وافق على تقديمي امتحانات المرحلة المتوسطة، إذ لم أكن قد أنهيتها بسبب زواجي المبكر. وبعد عام، قدمت امتحانات المرحلة الثانوية ونجحت على الرغم من أنّني كنت قد تركت الدراسة قبل ربع قرن". لكنّ زوجها لم يوافق على الدراسة الجامعية، "وكان ذلك أصعب بكثير مما سبق. وبعد محاولات عدّة ووساطات، استطعت إقناعه. وأنا اليوم في السنة الثالثة في كلية التربية قسم اللغة الإنكليزية، وإن كانت كلية القانون طموحي".




من جهتها، كانت نعيمة عبدالله (50 عاماً) قد تركت دراستها بعد المرحلة الابتدائية، وهي اليوم تعود إلى الجامعة. تخبر: "حين كنت في الخامسة عشرة من عمري، أجبرت على الزواج. على الرغم من مضيّ 35 عاماً، بقيت الدراسة عالقة بذهني. حاولت بكلّ جهدي جعل أبنائي يكملون تعليمهم في أفضل الجامعات، ونجحت". بعدها، "كان لا بدّ لي من إتمام دراستي ودخول الجامعة أو حتى الحصول على دبلوم. وذلك ليس فقط بهدف تحقيق حلمي القديم، بل من أجل تحسين وضعي الوظيفي". هي تعمل في مجال النظافة في إحدى المدارس.

أمّا عبد الإله جبار (58 عاماً) فيقول: "حرصت على إتمام تعليمي الجامعي بعدما تركته بسبب التحاقي بالجيش وانشغالي في شؤون الحياة". اليوم، بعد دخول الجامعة، "أشعر بأنّني عدت إلى سنّ أبنائي. أحياناً أخجل، وحين ألتقي ببعض كبار السنّ، أجدني أقترب منهم تلقائياً. تتعدّد أسباب عودتنا إلى الدراسة، لكنّنا بغالبيتنا فعلنا بهدف تحسين رواتبنا التقاعدية أو درجاتنا الوظيفية".

في هذا السياق، يقول الأكاديمي فاضل التميمي وهو أستاذ محاضر في جامعة ديالى، إنّه "في منتصف تسعينيات القرن الماضي وفي ظلّ الحصار الاقتصادي الذي فرضته الولايات المتحدة الأميركية، استحدثت في الجامعات العراقية دراسات مسائية في كل الاختصاصات، إلا في الطبّ والصيدلة. فكان إقبال كبير من مختلف شرائح المجتمع". يضيف لـ"العربي الجديد"، أنّ "سبب الإقبال يرجع إلى صحوة الإنسان العراقي بعد حربَين أخذتا منه الكثير. فحاول تعويض الخسارة بالعلم. وعدد من طلابي في الدراسات المسائية، هم اليوم أساتذة جامعيون. بعضهم كان مشدوداً إلى العلم بطريقة استثنائيّة".

إلى ذلك، يشير الأستاذ المحاضر في علم النفس عدنان عباس، إلى أنّ "الدراسات المسائية كانت وما زالت تمثّل فرصاً لكثيرين سبق وحرموا من مواصلة تعليمهم. في كل مرحلة وفي جميع الأقسام، نجد ما لا يقلّ عن ثلاثة أو خمسة طلاب من كبار السنّ. وغالباً ما يكونون متفوقين بالمقارنة مع الأصغر سناً". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "أسباب استكمالهم الدراسة تعدّدت، لكنّهم بمعظمهم فخورون بما يفعلون". ويوضح عباس أنّ "المستوى التعليمي في العراق تدنّى كثيراً عمّا كان في السابق، لكنّ العراقيين مستمرون بالتحدي في أصعب الظروف". ويعيد ذلك إلى "طبيعة الشخصية العراقية المتطلعة إلى العلم والمعرفة".

دلالات
المساهمون