دكان علي حمادة

05 يناير 2015
ينفث دخان سيجارته في الهواء (دايف جي هوغان/Getty)
+ الخط -
نزل علي حمادة طفلاً في التاسعة إلى دكان السمانة. فضاعت مراهقته بين المدرسة والدكان وأحلام كبيرة في الحزب الشيوعي انتهت يوم مغادرته إياه عندما شعر بأن صوته فيه لم يعد مسموعاً.

تسافر الناس، تغترب، تغيب سنوات كثيرة عن المنطقة والمدينة وتعود لتجد علي في مكانه في الدكان. لا يغادره إلا لضرورة قصوى تتراوح بين متابعة الوضع الصحي لوالدته أو لقضاء حاجة ضرورية في إحدى الإدارات الرسمية.

بلغ علي منتصف الأربعينات ولم يتزوّج. وعلي لا يبوح. عندما يُسأل عن الموضوع يقول متهكماً إنّ قطار الزواج قد فاته. له أسبابه العديدة التي لن يسرّها لأحد. اقتصر ترفيهه الوحيد في الحياة، وما زال، على جني الزيتون خلال شهر سبتمبر/أيلول عندما يحين أوان قطافه في الجنوب، مسقط رأسه.

لطالما فكّر علي بالهجرة من الدكان واعتبرها حلماً. مع ذلك، لم يتجرأ يوماً على ملاحقة حلمه إلى آخره. فمرة يختار أوكرانيا باعتبار الدخل فيها متدنياً وتصلح لأن يعيش فيها مدللاً، ومرة يركز نظره على اليونان، وفي ثالثة يعقد العزم على الهجرة إلى قبرص القريبة. لكنها أفكار وليدة اللحظة ولا تزيد عن الحماس الذي يمتلىء به عندما يسمع عن هذه الدول من ألسنة الذين زاروها.

ذات صيف انقطعت الكهرباء في دكان السمانة ساعات طويلة فخاف على البوظة من الذوبان. رفع سماعة الهاتف واتصل بشركة الكهرباء. فأجاب موظف الشركة المناوب ودار بينهما الحديث التالي:
- ألو مرحبا.
- أهلا.
- معك علي حمادة.
- علي حمادة مقدّم برنامج "الاستحقاق" التلفزيوني؟ (يقدمه الإعلامي علي حمادة).
- كلا. علي حمادة صاحب براد البوظة.

عندها طلب موظف الشركة من علي إقفال الخط وعدم معاودة الاتصال. وحتى اليوم لم يفهم علي التصرف الأرعن للموظف. هل قال كلماته هذه لأن الموظف كان يعد نفسه بالمشاركة في برنامج تلفزيوني أم أنه فعل ذلك لأنه شعر بأن علي يسخر منه؟

بقي هذا السؤال محيّراً علي فترة طويلة وحتى اليوم لم يجد له الإجابة المناسبة.

ما زال علي ملازماً الدكان منذ منتصف السبعينيات. لم تغيّر الأعوام في واقع الولد الذي صار رجلاً أي شيء. حتى الروزنامة سقطت عن الحائط بعدما صارت جميع أيامه مكرّرة. ليس فيها فرق بين يوم وآخر.

يجلس على الكرسي نفسه منذ زمن طويل. ينفث دخان سيجارته في الهواء، يشرب قنينة بيبسي كولا، ويتفرّج على العالم كيف يدور من حوله.

يتفرّج بعيني ولد ويكتفي بممارسة أحلام لن تتحقق.
دلالات