شياطين التنمّر

21 يناير 2015
النسخة الإلكترونيّة منه تطارد الصغار وتتعقبهم أينما وجدوا(فرانس برس)
+ الخط -

الأطفال والمراهقون ضحايا محتملون للعالم الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي، لا سيّما "فيسبوك". حقيقة مُسلّم بها، وإن أصرّ بعضنا - المقرّ بذلك - على أن الأخطار لن تطاله. لكن هؤلاء الصغار جلادون محتملون أيضاً. حقيقة أخرى يحذّر الخبراء من تداعياتها المدمّرة.

بعد ملعب المدرسة، تأتي اليوم مواقع التواصل على الشبكة العنكبوتيّة لتشكّل مساحة فضلى للمضايقات والسلوكيات العدائيّة. ويستحدث الخبراء مصطلح "التنمّر الإلكتروني".

في آخر تقرير لها حول هذا الموضوع، بيّنت مجلة الجمعيّة الطبيّة الأميركيّة "جاما" في نسختها الخاصة بطبّ الأطفال أن التنمّر الإلكتروني يخلّف أفكاراً سوداويّة وميولاً انتحاريّة أكثر لدى الأطفال والمراهقين، بالمقارنة مع التنمّر التقليدي. وأشارت "جاما" إلى أن ما بين 5 و20% من الأطفال حول العالم يتعرّضون من قبل أقران لهم، إلى إقصاء أو إساءات كلاميّة أو جسديّة تأتي في خانة التنمّر.

ريبيكا سيدويك (12 عاماً) مراهقة أميركيّة وضعت حداً لحياتها في سبتمبر/أيلول 2013، بعد تعرّضها للتنمّر الإلكتروني من قبل اثنتَين من رفيقات المدرسة. وأخيراً، بحسب ما أفاد موقع "سي أن أن" في التاسع من يناير/كانون الثاني الجاري، أوقفت المراهقتان البالغتان من العمر 12 و14 عاماً والمتورّطتان في القضيّة. فهما وفي دردشة مع ريبيكا قبل انتحارها، قالتا لها في سياق حديث: "لماذا لستِ ميتة؟ يجب أن تموتي. انتظري لحظة، ما زلتِ على قيد الحياة، لماذا؟ اذهبي واقتلي نفسك".

ليس في الأمر مبالغة. وريبيكا ليست إلا عيّنة من هؤلاء الذين يعيشون ألماً جسدياً ونفسياً، لا يمكن أن يدركه إلا من عانى التنمّر.

وفي حين كان ذلك في الماضي محصوراً في التسلّط المباشر في المدرسة أو حتى عبر الاتصالات الهاتفيّة، أصبحت النسخة الإلكترونيّة منه تطارد الصغار وتتعقبهم أينما وجدوا. ضحاياه اليوم في مواجهة دائمة مع جلاديهم، عبر رسائل تنهال عليهم.. رسائل يتلقونها عبر تطبيقات الدردشة على هواتفهم الذكيّة أو على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

لا يخاف المتنمّرون من ترهيب ضحاياهم في العلن في المدرسة أو التبجّح بذلك على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وليس فقط في غرف الدردشة الخاصة، فهؤلاء "متنمّرون". أما ضحاياهم فيخشون الإفصاح عن ألمهم، ويختلقون المبررات لشرح الإساءات التي كتبت على "حيطانهم" في حال اكتشفها أحد الكبار. حتى أقرانهم الذين يشهدون على عذابهم، عاجزون عن مؤازرتهم. هم يخافون من أن يتحوّلوا الضحيّة التالية، ويُحرَجون أمام آخرين أو يُرفَضون من قبل هؤلاء الشياطين.
المساهمون