في يوم الطالب العالمي.. طلاب سوريا بين القتل و"التجهيل"

21 فبراير 2014
+ الخط -


صُنفَ المجتمع السوري خلال سنوات القرن الحادي والعشرين، كمجتمع شاب، كون الشريحة الأوسع بين شرائحه العمرية هي الشباب، وبالتالي لا حاجة للبحث عن إحصاءات غير متاحة، لتحديد عدد الطلبة المتسربين قسرا، من الجامعات والمدارس، طالما أن أكثر من ثلث الشعب السوري، بات نازحا أو لاجئا، أو غائبا، فيما لا يخفى حال الجامعات على أحد، فجامعة دمشق تحولت إلى مركز أمني، وخرجت جامعة حلب التي وسمت بـ"جامعة الثورة" من الخدمة، ومثلها قرابة ثلثي المنشآت التعليمية، سواء بالخروج عن السيطرة الحكومية، أو بالدخول المفرط تحت تلك السيطرة (تحولها إلى ثكنات ومراكز عسكرية)، أو بسبب التدمير، فما كان لدى تلك المنشآت أي حصانة او حرمة، لدى رماة المدفعية والدبابات، وطياري الحوامات ذات البراميل، والحربيات ذات الصواريخ.

ومع احتفال العالم اليوم بذكرى "يوم الطالب العالمي" يعاني الطالب السوري في الداخل والخارج، "مأزق التعليم" الذي نشأ منذ اللحظات الأولى لإطلاق النظام ما سمي الحل الأمني، في مواجهة الثورة الشعبية، فوقع الطلبة في براثن الاعتقال، أو اضطروا للهرب واللجوء، أو تعثرت إمكانية دوامهم أو امتحاناتهم، بسبب الأوضاع "الأمنية".

في المحصلة يقف الطالب السوري اليوم أمام خيارات أكثرها توفرا، الانقطاع عن التعليم، ولعل التوثيق الإحصائي لعدد المنقطعين عن الدراسة في المراحل الجامعية وما قبلها بحاجة لوقفة أطول وتحقيق أشمل.

ائتلاف قوى الثورة والمعارضة، بما يمثله من غطاء سياسي للثورة السورية، وللسوريين أبدى اهتماما بهذه المسألة المصيرية -لعله أقل مما يحتمله الوضع- فأقام مدارس ووضع مناهج، واتفق مع جامعات ومبادرات، إلا أن المشكلة ما زالت قائمة، مشكلة تعجز عنها دول وتتجاهلها منظمات وهيئات إنسانية وخيرية ودولية وأممية، تحت مبرر الاهتمام بما يسمى (الجانب الإغاثي الإنساني)، ذاك الجانب الذي فشلت كل الهيئات المذكورة في تأمنيه أيضا، إلا أنه يصلح "شماعة" مناسبة للتهرب من المسؤولية وتبرير التقصير، دون انتباه لأن التقصير هذا سيؤسس لجيل، أو أجيال من "الأميين" المنقطعين عن التواصل مع العلم والمعرفة وحركة التكنولوجيا المتسارعة التي لا تنتظر أحداً.

حياتك مقابل الدراسة

رغم أن "محمد" بات على أبواب التخرج فإنه لم يعد يذهب إلى الجامعة بسبب احتمال اعتقاله وموته تحت التعذيب كما حدث للكثيرين. "محمد" طالب في كلية الآداب في جامعة الفرات بدير الزور، نازح في ريف دير الزور الشرقي، ومطلوب كما معظم طلاب الجامعة لفرع الأمن العسكري نظرا لمشاركته في تظاهرات الأشهر الأولى للثورة.

ورغم تخلف "محمد" عن الذهاب إلى الجامعة خوفا على حياته، فإن بعضا من الطلاب الذين يسكنون الأحياء الخاضعة لسيطرة النظام ما زالوا يمارسون حياتهم الجامعية وكأن شيئا لم يكن. "أسماؤهم نظيفة" يقول محمد: "وليس لهم أقارب بين الثوار، كما لم يصادف أن شاركوا في أي نشاط ثوري، لذا لن يكون لديهم أية مشكلة مع قوات النظام، وسيستمرون في الدراسة".

ويقسم طلاب الجامعات في سوريا إلى قسمين، الاول يضم القاطنين في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، والثاني يضم آخرين يسكنون في مناطق خارج سيطرته. في الحالة الأولى يعيش طلاب تلك المناطق حياة جامعية شبه طبيعية وخاصة أولئك المنضوين تحت جناح النظام طائفيا والمؤيدين له بشكل كامل، الذين -ومنذ بدء الحراك الثوري- يمارسون نشاطا تشبيحيا بحق الطلاب المعارضين لاستمرار النظام في السلطة. وأما قاطنو المناطق الأخرى، فيعانون الأمرّين في سبيل الدراسة، خاصة في ظل الحصار المفروض على تلك المدن والبلدات والأحياء الثائرة.

مؤخرا اعتقلت قوات النظام أكثر من 30 طالبا جامعيا على أبواب مخيم اليرموك، رغم التعهدات التي أبرمت مع ثواره خلال اتفاق تحييد المخيم، بأن طلاب الجامعات الراغبين بإتمام دراستهم لن يتعرضوا لأي مكروه عند خروجهم من المخيم إلى الجامعات في العاصمة دمشق.

"أبو تراب" وهو اسم مستعار لطالب جامعي ومعتقل سابق في فرع المنطقة بدمشق، وناج من الموت في أقبيته، يروي التفاصيل المؤلمة لوفاة طالب جامعي من إدلب، كان توجه من مدينته إلى العاصمة دمشق لتقديم الامتحان، وكان كل ذنبه أنه خرج من المدينة الجامعية إلى أوتوستراد المزة دون أن يحمل هويته الشخصية؛ "ثلاثة أشهر من التعذيب المتواصل كانت كافية لقتله"، يقول "أبو تراب"، ثم يضع يده على ساعده ويضيف: "هنا لفظ الشاب أنفاسه الأخيرة".

وما زالت إدارة المنظومة التعليمية الجامعية لدى النظام السوري، تحاول فرض استمرار العملية التعليمية في الجامعات السورية متجاهلة ما يحصل في البلاد، لتخرج بين الفينة والأخرى بقرارات إيقاف عمل بعض الجامعات أو نقل طلابها إلى جامعات أخرى تقع تحت سيطرة النظام.

في حين بات طلاب المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بين خيارين، إما المخاطرة بالذهاب إلى المناطق الخاضعة للنظام والمرور بالحواجز واحتمال اعتقالهم، أو التوقف عن الذهاب إلى الجامعة حفاظا على حياتهم، وسط محاولات كثير منهم الحصول على منح جامعية خارجية، خاصة أن بعض الدول فتحت أبوابها لاستكمال الطلاب السوريين دراستهم ومنها تركيا.

وحتى سقوط النظام أو قبول الجامعات الأجنبية بمحمد وأبو تراب وغيرههم من الطلاب الجامعيين الذين توقفوا عن الدراسة، يبقى مصير عشرات آلاف الطلاب معلقا، ومستقبل البلاد مجهولا في ظل نقص الكفاءات الجامعية لاحقا.

معاناة الخارج

ومع تصاعد الأحداث وتوالي التدمير والتهجير، بات العدد الأكبر من الطلبة خارج التعليم في الداخل، ويبحثون عن فرصة لهم في منشآت دول اللجوء في الخارج، لكن ذلك لم يكن بالأمر الهيّن، لارتباطه أولا بالموقف السياسي والأمني، للدول المضيفة، كل على حدة، فحدثت تسهيلات رسمية في مصر، لكنها كانت أقل من المعوقات غير الرسمية، كما استقبلت مدارس الأردن أعدادا محدودة من الطلبة وفق قوانين خاصة، وكذا الأمر في لبنان وإن بنسبة أقل من التسهيلات المشار إليها، ولم تشكل الجامعات التركية إغراءً للطلبة السوريين رغم تعاونها الجيد لأسباب عدة، كما نشطت المنح الدراسية الأوربية ولكن بعدد قليل وأغلبها للدراسات العليا، وبشروط ليست سهلة بالنسبة لمهجر.

وفي مصر؛ ورغم تصريحات رسمية بمساعدة الطلبة السوريين، وبمعاملتهم مثل الطلاب المصريين في الرسوم الدراسية والجامعية، فإن "الأمور لم تتم بهذه الصورة الوردية" كما يقول خليل، وهو طالب حقوق، إذ يؤكد أن "معاناة طويلة أمضاها بسبب البيروقراطية التي تعاني منها أغلب الدوائر الحكومية المصرية وبشكل خاص قطاع التعليم، حيث تتمثل المرحلة الأولى منه في ضرورة قيام الطالب السوري بتقديم أوراقه لدى ما يعرف بدائرة الوافدين والتي مثلت العقدة الأولى لدى هؤلاء الطلبة، حيث يمتنع الموظفون فيها عن تلقي تلك الأوراق إلا في أوقات محددة مما خلق ازدحاماً شديداً في تلك الدوائر فضلاً عن ضياع عدد كبير جداً من ملفات الطلبة بعد تقديمها بسبب الإهمال الشديد للموظفين في تلك الدائرة وطلبهم إعادة تسليم أوراق ثبوتية جديدة ما أدى لضياع سنة دراسية كاملة على بعض الطلاب" كما يقول خليل. كان هذا ايام حكم مرسي أما الان فلا فرص للطلبة بعد تضييق سلطات الحكم في مصر حاليا على السورين ما حدا بالطلاب إلى البحث عن فرص تعليمية خارج مصر

زميله الذي يدرس في كلية الإعلام يتابع القصة فيقول: "المرحلة الثانية من تلك الصعوبات تبدأ بعد حصول الطالب على الموافقة من دائرة الوافدين والتي يمكن أن تستغرق نحو شهرين ينتقل بعدها للتسجيل في الجامعة، وهنا يبدأ فصل جديد من المعاناة، حيث إهمال الموظفين للطلبات المقدمة من الطلاب وبما يعرف بـ"معادلة الشهادة"، ناهيك عن كمية الأخطاء الفادحة التي يقع فيها هؤلاء الموظفون في تعديل الشهادة أو في تحديد السنة الواجب على الطالب دخولها لمتابعة دراسته إضافة إلى سوء المعاملة من الكثير من الموظفين".

ويقول محمد بشيء من الحذر إن التغيرات السياسية الأخيرة التي طرأت على البلاد ولاسيما الحملة التي شنتها بعض وسائل الإعلام على اللاجئين السوريين، وجدت انعكاسا لها في طريقة المعاملة، إذ ازدادت معاملة الموظفين سوءاً فضلا عن إشكاليات التفتيش عند الدخول إلى الحرم الجامعي، والذي عادة ما يترافق مع عبارات مؤذية من قبيل (احنا امتى هنخلص منكم؟!)

 

المساهمون