استمع إلى الملخص
- **تحديات العمل الطبي في ظل الحرب:** الأطباء في غزة يواجهون ظروفاً قاسية بعد تدمير المستشفيات وإخلائها، ويضطرون لتعلم مهارات جديدة في ظل نقص التدريب والتجهيزات.
- **الوضع الصحي الكارثي في غزة:** 23 من أصل 36 مستشفى خارج الخدمة، وأكثر من 60% من مرافق الرعاية الصحية مغلقة، مما يزيد من معاناة السكان وانتشار سوء التغذية والأمراض.
لم تتسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في تدمير مباني المستشفيات والمرافق الصحية وأجهزتها فحسب، بل استهدفت أيضاً أطباء غزة وطواقهما الطبية، حيث استشهد أكثر من 500 من العاملين في مجال الرعاية الصحية منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وفق الأمم المتحدة، وإلى جانب الخسائر في العديد من الأطباء المتخصصين، فإن استشهادهم يحرم المنظومة الطبية في غزة مهاراتهم، التي باتت مطلباً حاسماً، ومن بين هؤلاء الطبيب حسن حمدان.
يُعَدّ الطبيب حسن حمدان أحد جراحي التجميل القلائل في غزة، الذي استشهد في وقت سابق من يوليو/تموز الجاري في غارة جوية إسرائيلية، برفقة زوجته وابنه وابنتيه وزوجة ابنه وصهره وستة أحفاد وشخص آخر، بينما كانت أسرته تلجأ إلى منطقة أعلنها جيش الاحتلال الاسرائيلي "آمنة".
تخصص حمدان في إعادة التئام الجروح، كانت مهاراته مطلوبة بشدة عندما أدى العدوان الإسرائيلي على غزة إلى اكتظاظ المستشفيات بضحايا الانفجارات والشظايا، لذلك عاد الطبيب البالغ من العمر 65 عاماً من التقاعد، لتقديم يد العون.
أسّس حمدان قسم الحروق وجراحات التجميل في مجمع ناصر الطبي في خانيونس عام 2002، بعد أن خدم في أول وحدة من نوعها في المنطقة، في مستشفى الشفاء. وترأس القسم في مستشفى ناصر حتى عام 2019، عام تقاعده. وعندما شنّ الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على مدينة خانيونس، مسقط رأس حمدان، في ديسمبر/ كانون الأول، عاد متطوعاً في مستشفى ناصر، ثاني أكبر مستشفى في غزة، كما قال ابنه أسامة حمدان، جراح العظام.
أطباء غزة.. تمسّك بالبقاء حتى الاستشهاد
وبعد فترة وجيزة، حاصرت القوات الاسرائيلية مستشفى ناصر، واقتحمته، وأجبرته على الإخلاء، فنزح حمدان ضمن النازحين، ولجأ إلى منزل إحدى بناته في دير البلح شمالاً، بينما احتلت قوات الاحتلال مستشفى ناصر لأسابيع، ملحقة به أضراراً جسيمة. وبعد انسحابها أعيد تأهيل المنشأة. ومنتصف يونيو/حزيران، عاد حمدان إلى منزله، وناقش العودة إلى العمل مع مسؤولي المستشفى.
وفي 2 يوليو/ تموز الجاري، أمرت إسرائيل بإخلاء خانيونس مرة أخرى. ونزح حمدان وعائلته مجدداً، عائدين إلى منزل ابنته في دير البلح. وبعد ساعات فقط من وصولهم، ضربت غارة جوية إسرائيلية المبنى في 3 يوليو/ تموز، في "استهداف مباشر بصاروخين لشقة أختي"، بحسب أسامة حمدان، مضيفاً أن لا أحد في أسرته ينتمي إلى جماعة مسلحة.
كان أسامة يعمل في غرفة الطوارئ بمستشفى ناصر عندما تلقى الاتصال الهاتفي، وكانت زوجته وولداه (3 و5 سنوات) من بين الشهداء، قائلاً: "لم أتمكن من جمع بعض أشلاء أطفالي وأمهم بسبب حجم الانفجار". كذلك توفيت إحدى شقيقاته بعد أيام في المستشفى متأثرة بإصاباتها. ولا تزال شقيقة أخرى في العناية المركزة. يشعر أسامة بالمسؤولية جزئياً، وقال في رسالة نصية تحمل رمزين تعبيريين على شكل قلبين مكسورين: "أنا من ضغط عليه لمغادرة خانيونس". بينما يصف أطباء والده بأنه كان يعمل بهدوء تحت الضغط. وقال عنه الطبيب محمد عوض، الجراح الذي عمل معه: "لم تفارق الابتسامة وجهه قطّ".
لم يبقَ بعد وفاة حمدان سوى اختصاصي واحد آخر في مجال جراحة التجميل والترميم في غزة. وتعيّن على أطباء آخرين أن يتعلموا مهارات خياطة الجروح الكبيرة في أثناء العمل، وسط تدفق موجات يومية لا هوادة فيها من المرضى المحتاجين لمهاراتهم، وهو ما شهده الدكتور آدم الحموي، جراح التجميل السابق في الجيش الأميركي، بنفسه من كثب في أثناء عمله في غزة ضمن فريق طبي دولي جاء لمساعدة العاملين الصحيين في القطاع. وقال إنه خلال ثلاثة أسابيع قضاها في المستشفى الأوروبي العام في خانيونس، أجرى 120 جراحة، أكثر من نصفها لأطفال، وجميعها باستثناء عملية واحدة لعلاج وإعادة التئام جروح وإصابات جراء الحرب. وأضاف أن اثنين من زملائه في المستشفى استشهدا في غارات على منزليهما في أثناء وجوده هناك. وتحدث إلى أطباء أطلق سراحهم من سجون الاحتلال، ووصفوا تعرّضهم للتعذيب.
وقال الحموي، الذي تطوع في غزة في مايو/ أيار إن جراحاً عاماً في المستشفى أراد ان يساهم في سد العجز في جرّاحي التجميل، لكنه لم يتلقّ أي تدريب خاص. وتطوع معه خمسة من طلاب كلية الطب، مضيفاً أنهم "يبذلون جهدهم لسد الفجوة"، معلقاً على استشهاد حمدان بأنه "خلّف فراغاً كبيراً من الصعب ملؤه". ومثل كثيرين في غزة، يعتقد الحموي أن إسرائيل تتعمد تدمير النظام الصحي، مشيراً إلى مداهمة قوات الاحتلال الإسرائيلية للمستشفيات، وتدمير المجمعات الطبية، وإطلاق النار على القوافل الطبية، وتوجيه ضربات لسيارات الإسعاف.
قائمة أطباء غزة المتخصصين الذين استشهدوا طويلة، فقد عُثر على سبيل المثال على الطبيب أحمد المقادمة، وهو أيضاً جراح تجميل وزميل سابق في الكلية الملكية بالمملكة المتحدة، مستشهداً بالرصاص إلى جانب والدته، وهي طبيبة عامة، في شارع خارج مستشفى الشفاء بمدينة غزة، بعد مداهمة استمرت أسبوعين شنتها على المنشأة قوات جيش الاحتلال الإسرائيلية في إبريل/ نيسان.
كذلك استشهد أحد أبرز أطباء غزة في مجال الخصوبة، وهو عمر فروانة، مع عائلته في غارة جوية على منزله في أكتوبر/ تشرين الأول. وفقد طبيب زراعة الكبد الوحيد في القطاع، همام اللوح، حياته في غارة على منزله في مدينة غزة. كذلك أدت الغارات الإسرائيلية في نوفمبر/ تشرين الثاني على مستشفى في شمال غزة إلى استشهاد طبيبين يعملان مع منظمة أطباء بلا حدود. وهم من بين ستة موظفين تابعين للمؤسسة الخيرية الدولية، التي تركز على العمليات الجراحية الترميمية وجراحة العظام والعلاج الطبيعي ورعاية الحروق في غزة، لقوا مصرعهم في الحرب.
واحتجزت إسرائيل العديد من أطباء غزة وأطقمها الطبية، استشهد اثنان منهم على الأقل في معتقلات إسرائيلية، وهما: رئيس قسم العظام في مستشفى الشفاء، عدنان البرش، ورئيس مستشفى النساء، إياد الرنتيسي. ولم تُعد إسرائيل جثمان أي من الرجلين. كذلك هُجِّر مئات العاملين في المجال الطبي أو غادروا غزة تماماً.
ووفق أحدث إحصائيات الأمم المتحدة، فإن 23 من أصل 36 مستشفى في غزة خارج الخدمة، ويعمل الباقي فقط جزئياً، بينما تعمل 5 مستشفيات ميدانية فقط من أصل 9. كذلك أُغلِق أكثر من 60 بالمائة من مرافق الرعاية الصحية في غزة.
وفي 2 يوليو/ تموز الجاري، أجلى المستشفى الأوروبي العام موظفيه ومرضاه خشية تعرضه لهجوم. وقال الدكتور أحمد المخللاتي، آخر اختصاصي جراحات التجميل الترميمية في غزة، إن ذلك ترك مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح والمستشفى الميداني في رفح المرفقين الوحيدين القادرين على القيام بجراحات التقويم. مضيفاً أنه كان يتنقل بين المستشفيات، وفي وقت ما كان يشرف على علاج 400 مريض في مستشفى و500 مريض في مستشفى آخر. وفي مستشفى رفح الميداني، كان يجري ما يصل إلى 10 عمليات جراحية في اليوم، معلقاً: "الوضع حرج للغاية".
ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول استشهد أكثر من 38 ألف شخص في غزة، وأُصيب أكثر من 88 ألفاً آخرين، وفق مسؤولي الصحة المحليين. وانتشرت حالات سوء التغذية والأمراض على نطاق واسع، حيث يتكدس مئات الآلاف من الفلسطينيين في مخيمات تحت ظروف مزرية.
(أسوشييتد برس، العربي الجديد)