وضع الإحباط

26 مايو 2023
تشهد إيطاليا فيضانات مؤخراً حالها حال العديد من الدول (أندريا كاروبا/ الأناضول)
+ الخط -

من يضع العالم بأسره في وضع الإحباط، ويصنع من كوارث الطبيعة ما يُبقي اسمه على كل لسان، وفي كل أوان؟ من يقدّم لنا جرعات الأمل في كل مرة في كوب مثقوب؟ لماذا تنساق أقلامكم وراء هذه الحكايات الدائرية، من قبيل دخلت نملة وأخذت حبة وخرجت؟
رشقني صديق ساخر بالأسئلة أعلاه معلقاً على مخرجات آخر مؤتمرات تغيّر المناخ، والذي أقر الأمين العام للأمم المتحدة بفشله في وضع خطة لخفض الانبعاثات بشكل جذري، ما يعني أنه حتى كوب 27 لم يروِ ظمأ المتفائلين بإمكان جعل الأمر ممكناً. إذ ها هو الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس يعلن عن إحباطه وهو يخاطب منتدى دافوس الاقتصادي في يناير/كانون الثاني الماضي، مشيراً إلى أن "الهدف الطموح المتمثل في حصر الاحترار بـ 1.5 درجة بدأ يتبخّر".
ولعله كان قد أشار إلى وضع الإحباط منذ كوب 26 في غلاسكو، حين قدمت 23 دولة من 193 خططها، إذ قال يومها حول تمديد المفاوضات إنها "خطوة مهمة لكن ليست كافية، ويجب تسريع العمل المناخي وقد حان الوقت للانتقال إلى وضع الطوارئ". بيد أنه بذلك زاد يقيننا أنه ليس بالأقوال فقط يمكن أن يحدث ما هو مرتجى.
نشهد في كل يوم في كبريات المدن السودانية، وعلى رأسها الخرطوم ما يشير إلى أن الريف لم يعد يحتمل سكانه من مزارعين ورعاة. وتحدثنا موجات العبور العاتية للحدود المفتوحة مع سبع دول، والبالغ طولها 6751 كيلومترا عن معاناة قارة كانت توصف بالواعدة، قبل أن تقع في ظل التغيرات المناخية الكبيرة، وما ترتب عليها من تفاقم حدة الفقر، وفقدان الإنتاج، وكوارث الجفاف والفيضانات، والتهديد الكبير للأمن الغذائي، وتفشي الأوبئة والجوع. وامتدت التأثيرات لتشمل الخدمات الأساسية من صحة وتعليم وسكن. وحينها لم يجد من يملك قدرة الهجرة والنزوح مفراً من إدارة ظهره لبيئته الأولى.

موقف
التحديثات الحية

الآلاف من الأطفال في سن الدراسة، والنساء حاملات الأطفال على ظهورهن وفي أحشائهن وفوق أيديهن، وبين الأقدام يملأون تقاطعات الشوارع الرئيسية والفرعية ويتسابقون نحو المارة والمركبات، وعيونهم على إشارات المرور، منهم من يحمل خرقة بالية يمسح بها السيارات الخاصة، ومن يعرض سلعاً مختلفة، ومن يفضل السؤال المباشر. ورُصدت ناقلات تقوم في الصباح الباكر بتوزيع هؤلاء في عمليات منظمة، وتجارة من نوع آخر ولّدتها حالة الترنّح العام على المستوى الاقتصادي والاجتماعي. ويقيني أنه ليس بين هؤلاء من سمع عن مؤتمرات تغيّر المناخ، التي قد يكفي ما يصرف فيها من أموال لمعالجة الكثير من قضاياهم.
ووجدتني أردّ على صديقي بالمزيد من الأسئلة. متى تتبدّل لغة الوعود بتغيير الحال؟ ومتى يصل الفقراء إلى يقين أن في انتظار الأغنياء غباء؟ وهل يمكن أن نخرج قريباً من وضع الإحباط؟

(متخصص في شؤون البيئة)
المساهمون