وسط بحر الظلمات

10 اغسطس 2022
دراسة تأثير الأزمات على التلاميذ بات ضرورة (كريغ سينات/Getty)
+ الخط -

هذا الكم المتعاظم من الأزمات يحتاج إلى ما هو أكثر من ورش عمل وندوات ومؤتمرات وأبحاث ودراسات لقياس ما أسفرت عنه تلك المستجدات، سواء أكانت نتيجة الخلل في النُظم والهياكل التعليمية المعتمدة، أم في مضاعفات وتأثير الوباء على صعيد الأداء الإجمالي للبنية التربوية المؤسسية.

إذن، مضافاً إلى ما استجد، هناك الخلل الأصلي المقيم متمثلاً في موقع التعليم من الأولويات التي يجب على الدول أن تسعى إلى علاجها بسرعة، باعتبار أن الموقع الدوني أو الثانوي المعتمد في وضع هذا القطاع، قاد ويقود حكماً إلى مزيد من الأزمات المستحكمة، وخسارة مجتمعاتنا العربية مناعتها الداخلية وتشرذمها.

هنا يدخل الوضع غير المتوازن في التعليم بين الذكور والإناث والمدن والأرياف، ومعه ما تضخه المدرسة والجامعة من ثقافة وتربية، ثبت أن دورها هامشي بدليل غلبة المحلي والثقافات الأهلية الموروثة المستعادة على كل ما هو عصري وحديث من مفاهيم، ترتبط بما صارت عليه البشرية في فورة القرن الحادي والعشرين.

وهو بالتأكيد في جذر استحالة استعادة الأمة أو شعوب المنطقة دورها ووزنها على الصعيدين الإقليمي والدولي، على المستويات المناعية والإبداعية والفكرية والصناعية والتجارية. والأهم أنه أدى إلى انفجار كياناتها ودولها وتشرذم مجتمعاتها على النحو الذي جعل منها أسيرة انقسامات إثنية وطائفية ومذهبية وجهوية، كما هو حاصل على امتداد معظم جغرافية المنطقة العربية.

وكل هذا هو ما يمهد لدى نفاد الثروات الطبيعية إلى حصول ما يتوقعه كثيرون من خسارة الدور المفترض على صعيدي التاريخ الراهن والجغرافيا السياسية والحضارية المقبلة عبر العولمة وغيرها. 
ومثل هذا الأمر إذا كان ملحّاً على صعيد كلّ كيان من الكيانات العربية بمفردها، إلّا أنّ الحلول لنتائجه لا يمكن أن تكون ضمن الحدود القائمة المعترف بها دولياً لكل منها، بل ضمن مشهد أكثر اتساعاً، تتضافر خلاله الجهود من خلال القيمة المضافة لكل من هذه الدول للنهوض مجتمعة، وتجاوز المشكلات القائمة، وتحقيق ريادة نحو المستقبل، قادرة على الإفادة من الميزات التي يتمتع بها كل قطر ودولة عربية، لتحقيق تنميتها ذاتياً في إطار أكثر اتساعاً.

باعتبار أن معضلات على هذا المستوى الواسع بدءاً من البشر مروراً بالحجر والتجهيزات، وصولاً إلى توفير الإمكانات والطاقات المطلوبة، لا يمكن أن تتأمن إلا في إطار عربي أوسع، بما يقود إلى إعادة الاعتبار للعملية التعليمية، ويضعها في موقعها الصحيح في إطار تكامل قومي لا نهوض ولا نهضة خارج مقوماته.

موقف
التحديثات الحية

أهمية مثل هذا التوجه أن المناخات الدولية وما تشهده من تكتلات وصراعات سياسية وحربية واقتصادية وعلمية، تفرض مثل هذا التوجه بديلاً لحال التشرذم وهبوب رياح اختراقها من مداخلها كافة، دون أن يتوافر لأي منها المناعة المطلوبة للحفاظ على كياناتها وثرواتها البشرية والمادية. وهي ثروات فعلية إذا ما أُحسن استخدامها، بدل أن تتبدد في مشاريع تراكم ضعفاً على ضعف، ما يحول دون عودتنا إلى مسرح العالم المتزاحم.
إذاً، تبدو المنطقة العربية على مفترق تقاطعات بالغة الأهمية دون أن يبدو في الأفق المنظور أي مسعى فعلي لإعادة ترتيب أوضاعها بعد أن تعثرت التوجهات التي تمت صياغتها عندما كانت جامعة الدول العربية تلعب دورها، ويجتمع وزراء التربية والتعليم العالي العرب لاتخاذ قرارات تتجاوز الراهن إلى ما هو مستقبلي. المؤسف أنه لم يجرِ الالتزام بها وتطويرها، مما قاد إلى الهوة السحيقة التي نتخبط في بحر ظلماتها فرادى ومجتمعين. 
(باحث وأكاديمي)   

المساهمون